انتابت الاوساط الاقتصادية والسياسية الألمانية حالة من الضجة غير المسبوقة منذ بدء الخلافات التجارية بين ضفتي الاطلسي بسبب تهديدات للرئيس الامريكي دونالد ترامب بأن إدارته تدرس فرض جمارك على السيارات الاوروبية وقطع الغيار.
وفيما حذر قطاع صناعة السيارات الألماني الذي يعد العمود الفقري لأكبر اقتصاد في اوروبا من تبعات ما وصفه ب"الجمارك العقابية" على السيارات الاوروبية بقيت حكومة برلين لليوم الثاني على التوالي متمسكة بالحوار مع "الشركاء الامريكيين" لحل الخلاف الذي خرج في اليومين الماضيين الى العلن.
وتصدر اتحاد صناعة السيارات الألمانية (في دي ايه) اليوم الثلاثاء مشهد الانتقادات الموجهة للخطط الامريكية قائلا على لسان رئيسه بيرنهارد ماتيس انها "ستشكل خطرا ليس فقط على شركات صناعة السيارات الاوروبية بل ستشمل كذلك نظيرتها الامريكية وجميع قطاعات التجارة الدولية".
وأضاف ماتيس في تصريحات للصحفيين ان "هذه الجمارك العقابية لن يستفيد منها أحد بل ستلحق الضرر بالتجارة الدولية وستكون بمثابة عبء ثقيل ليس على شركات صناعة السيارات الألمانية فحسب بل على نظيرتها الامريكية أولا".
كما اعرب عن عدم تفهمه لقرار وزارة التجارة الامريكية اعتبار السيارات الأوروبية خطرا على الامن القومي الامريكي مؤكدا ضرورة ان يكون هدف الطرفين خفض الضرائب على البضائع المتبادلة وليس فرض ضرائب اضافية.
فيما طالب اتحاد الصناعات الألماني (بي دي اي) الحكومة الامريكية بالكشف السريع عن تقرير وزارة الاقتصاد الامريكية ومنح شركات صناعة السيارات الامان والاستقرار اللازمين لمواصلة الانتاج.وقال الاتحاد في بيان "نجزم بأن السيارات الاوروبية لا تشكل خطرا على الامن القومي الامريكي كما تقول الادارة الامريكية ووزارة التجارة".
من جانبها أعربت الحكومة الألمانية عن تمسكها بالحوار من اجل حل الخلاف في حين وصف ماركوس زودر رئيس وزراء ولاية (بافاريا) التي تحتضن احدى اهم شركات صناعة السيارات الألمانية وهي (بي ام دبليو) التهديدات الامريكية ب"السخيفة".
وقال زودر في تصريحات صحفية إن "التهديدات الامريكية سخيفة لأن السيارات الألمانية لا تشكل خطرا على الامن القومي الامريكي بل تعزز مستويات السلامة في الشوارع الامريكية".
بدورها تحفظت الحكومة الألمانية على تهديدات الادارة الامريكية قائلة على لسان المتحدث باسمها شتيفن زايبرت ان حكومة برلين "تفضل الحوار مع الشركاء الامريكيين من اجل التوصل لحل للخلاف".
واضاف زايبرت في مؤتمر صحفي ان حكومة بلاده "ليس لديها تقارير رسمية من نظيرتها الامريكية حول جمارك اضافية الا انها رغم ذلك لا تعتبر السيارات الألمانية خطرا على الامن القومي الامريكي".
وانضمت الحكومة الألمانية الى مطالبات المفوضية الاوروبية على لسان رئيسها جان كلود يونكر الذي صرح امس الاثنين في بروكسل ان الاتحاد الاوروبي "سيرد بسرعة وبالطريقة المناسبة على أية جمارك امريكية اضافية محتملة".
وتأتي هذه الضجة بعد يوم واحد من انتهاء المدة التي حددتها وزارة التجارة الامريكية لتقديم توصيات للرئيس الامريكي عن مستقبل قطاع صناعة السيارات الامريكي وبعد تأكيد الوزارة ذاتها انها قدمت التقرير اللازم لترامب دون ذكر تفاصيل.
كما نقلت تقارير إخبارية عن مصادر في الوزارة قولها ان وزير التجارة الامريكي ويلبور روس اعتبر في التقرير السيارات الاوروبية بالفعل "خطرا على الامن القومي الأمريكي".
ويحتاج الرئيس الامريكي 90 يوما من اجل اتخاذ قرار في هذا الخصوص.واعاد هذا النقاش الى الاذهان تصريحات الرئيس الامريكي التي تعهد من خلالها بتنفيذ وعد انتخابي وهو خفض العجز في ميزان بلاده التجاري مع دول صناعية اخرى.
وقال ترامب بعد فوزه في الانتخابات "يستطيعون (شركات صناعة السيارات الاجنبية) تصنيع سياراتهم في الولايات المتحدة ولكن كل سيارة تدخل الى اراضينا ستعادل الجمارك عليها 35 بالمئة".
وتفرض الولايات المتحدة جمارك بنسبة 5ر2 بالمئة فقط على السيارات الاجنبية فيما يفرض الاتحاد الاوروبي جمارك بنسبة 10 بالمئة على السيارات المستوردة من امريكا.وتعد السوق الامريكية من اهم الاسواق العالمية بالنسبة لقطاع صناعة السيارات الألماني وهو الاكبر والاهم في اوروبا.
ووفق اتحاد صناعة السيارات الألمانية فإن شركات صناعة السيارات الألمانية (دايملر بنز) و(بي ام دبليو) و(فولكس فاغن) و(بورشه) و(اودي) وشركات اجنبية تابعة لها مثل (سيات) و(بينتلي) و(سكودا) وغيرها انتجت في العام الماضي 5ر16 مليون سيارة منها 1ر5 مليون فقط صنعت على الاراضي الألمانية.
ويؤكد الاتحاد ان الشركات الألمانية باعت في السوق الامريكية في العام ذاته 340ر1 مليون سيارة.
وفيما تعتمد شركة (بورشه) بشكل كبير على السوق الامريكية حيث تجني ثلث ارباحها من هذه السوق تبيع (بي ام دبليو) 17 بالمئة من سياراتها و(مرسيدس) 14 بالمئة و(اودي) 12 بالمئة و(فولكس فاغن) 6 بالمئة في السوق الامريكية.
ووفق الاتحاد فإن شركتي (بي ام دبليو) و(مرسيدس) صنعت في العام الماضي 750 ألف وحدة من سياراتها في مصانعها على الاراضي الامريكية وشغلت 118 ألف شخص في تصنيع طرازي (اكس 4) و(اكس 7).
وستتفاوت درجة الضرر الذي سيلحق بالشركات الألمانية بحسب ما اذا كانت هذه الشركة تصنع في الولايات المتحدة ام لا اذ ان شركة مثل (بورشه) تعتمد بشكل كبير على السوق الامريكية ولكنها تصنع فقط في ألمانيا ما يلحق بها اضرارا كبيرة مقارنة مع مواطنتها (بي ام دبليو) التي لها مصانع في الولايات المتحدة والمكسيك التي وقعت معها واشنطن مؤخرا اتفاقية منطقة تجارة حرة.
وهذا يعني ان (بي ام دبليو) ستفلت من الجمارك الامريكية على سياراتها التي تنتج في مصانع امريكية او في مصانع مكسيكية بينما ستتضرر (بورشه) وايضا (اودي) اللتان لا تصنعان على الاراضي الامريكية.
ووفق هذه المعطيات تنتظر شركات صناعة السيارات الألمانية والاوساط السياسية وعشرات الاف الموظفين بفارغ الصبر القرار الذي سيتخذه الرئيس الامريكي في موعد اقصاه منتصف مايو المقبل لاتخاذ اجراء نافذ قد يدخل ضفتي الاطلسي الى ما بات يعرف ب"حرب السيارات".