أعلن الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح اعتزامه تشكيل هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي ستجري خلال مدة أقصاها 90 يوما من اليوم.
وقال بن صالح- في أول خطاب يوجهه للشعب الجزائري مساء اليوم الثلاثاء- "عازمون بالتشاور مع الطبقة السياسية والوطنية على تشكيل هيئة وطنية لها السيادة على قرارتها؛ للتحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة، وتوفير شروطها، على أن تسخر الحكومة والمصالح الإدارية جهودها لمعاونتها في هذا الشأن".
وقال الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح إن "المجلس الدستوري عقد اجتماعه وجوبا يوم 3 أبريل 2019 وتثبت بالاجتماع من الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية، فبلغ شهادة الشغور النهائي إلى البرلمان الذي اجتمع وجوبا اليوم الثلاثاء".
وأضاف بن صالح :"وبمقتضى أحكام المادة 102 من الدستور، يتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوما، ينظم خللها الانتخابات الرئاسية، وذلك هو التزامي أمامكم اليوم".
وقال "إنني، في هذا السياق، وبصفتي رئيس الدولة، أتوجه اليوم إلى الجزائريات والجزائريين قاطبة وحيث ما وجودوا، داخل البلاد وخارجها، لأؤكد للجميع أن الأمر يتعلق بمهمة دستورية لا تعدو أن تكون ظرفية يتعين علي الاضطلاع بها، وفقا لما يمليه علي واجبي الدستوري وأنا عازم على القيام بها بتفان ووفاء وحزم خدمة لمصلحة شعبنا الأبي وإسهامًا مني في تجسيد تطلعاته المشروعة والمسموعة".
وأضاف "كانت أسابيع ترسخت فيها وحدة الشعب وألفته وتجلت فيها الوطنية في أبدع صورها ففتحت لبلادنا أفقا ديمقراطيا جديدا بعثت في مشروعنا الوطني المبني على قيام بيان ثورة نوفمبر المجيدة روحا متجددة حري بنا جميعا الحفاظ على مكاسبها وتثمينها".
وتابع قائلاً "خلال الأسابيع الماضية انبرى شعبنا وعبر على نحو يبعث الإعجاب عن تطلعاته الى التغيير والإصلاح والمشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات ذات الصلة في مستقبله".
ووجه بن صالح التحية إلى الفئات الاجتماعية التي شاركت مشاركة سلمية رصينة ومسؤولة في المسيرات المتتالية التي شهدتها الساحة السياسية منذ يوم 22 فبراير الماضي.
وقال "وهذه التحية أسديها إلى سائر الشعب، وبوجه خاص إلى شبابنا الذين أظهروا وأبهروا العالم بالوجه المشرق الحقيقي والواعد للجزائر، وجه طافح بثقة في النفس باعث فيها الأمل ومتوثب نحو الأفضل".
وأضاف "كنتم شاهدين خلال الأسابيع الماضية مثلي على ما تبذله مؤسساتنا العمومية من جهود من أجل أن تمارس وظائفها بصورة عادية في كنف الهدوء والرصانة والإصرار على الاضطلاع بمعالجة حكيمة ومتحكمة للأزمة السياسية الراهنة بما يخدم المصالح العليا للبلاد عاجلها واجلها".
ووجه بن صالح التحية لقوات الأمن على ما تحلت به من احترافية والتزام في ظروف غالبا ما كانت عصيبة، وقال "كما أرفع تحية الإكبار إلى قوات جيشنا التي لم تتوان قط عن ممارساتها الأساسية لمهمتها الدستورية ولقيادته الحكيمة التي أصرت على الاحتكام للدستور كمرجعية وحيدة من أجل السماح لشعبنا من تحقيق تطلعاته وتجاوز الأزمة الراهنة".
وقال الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح "شعبنا الأبي إذ يخطو اليوم صوب منعرج حاسم من مساره التاريخي، لن ينسى أبدا أولئك الرجال والنساء الذين بذلوا أرواحهم من أجل انتزاع استقلاله وصونه، كما لا ينسى اللائي والذين كافحوا من أجل وحدته، وهويته، وتنميته".
وأضاف "قيم العرفان التي اتسم بها على الدوام أبناء شعبنا تقتضي كذلك أن نسدي أبلغ عبارات الشكر والامتنان إلى كل الذين كان لهم الفضل في بذل ما في وسعهم بذله من أجل تميكن أبناء الجزائر وبناتها من التصالح فيما بينهم، ومن التعايش معا في كنف السلام، وفي الإسهام في إعمار بلاد عصرية، وقوية، ومهابة الجانب بين البلدان".
وأشار إلى أن الجزائر مقبلة على خوض منعرج يتمثل بدايته في مرحلة حاسمة مآلها الدستوري تسليم السلطات إلى رئيس الجمهورية المنتخب ديمقراطيا، وذلك في ظرف زمني لا يمكن أن يتعدى التسعين يوما اعتبارا من تنصيبه رئيسا للدولة، وقال "من الواضح وكما تعلمون، فإن رئيس الدولة المعين لا يمكنه الترشح لرئاسة الجمهورية، ولذلك فإنني أؤكد جازما، في هذا المقام، أن طموحي الوحيد هو القيام بالمهمة الملقاة على عاتقي بأمانة".
وأشار إلى أن هذه المهمة ستتكفل في السياق السياسي الراهن، بتفعيل المادتين 7و8 من الدستور، وقال "وهو ما يتعين علينا الالتزام به والتوجه نحوه، مواطنين وطبقة سياسية ومؤسسات الدولة، حتى نستجمع الشروط لإجراء انتخاب رئاسي شفاف ونزيه نكون جميعا أمناء عليه، ويتيح لشعبنا تجسيد إرادته السيدة وتكريس خياره بكل حرية".
وقال "إنني عازم، بالتشاور مع الطبقة السياسية والمدنية، على القيام، من باب الأولوية والاستعجال، بتشكيل هيئة وطنية جماعية، سيدة في قرارتها، تعهد لها مهمة توفير الشروط الضرورية لإجراء انتخابات وطنية شفافة ونزيهة والاضطلاع بالتحضير لها وإجرائها، وستسخر الحكومة والمصالح الإدارية المعنية لدعمها في أداء مهامها بكل حرية ومرافقتها".
وأضاف "إنها يد صادقة الوعد، حسنة النية، أمدها للجميع لتجاوز الاختلافات والتوجسات، والتوجه نحو عمل جماعي تاريخي في مستوى رهانات المرحلة, قوامه التعاون والتكافل والتفاني للوصول إلى الهدف الأساسي وهو وضع حجر الزاوية الاول لجزائر المرحلة المقبلة".
وأشار إلى أنه سيحرص على إعداد الجانب القانوني المتعلق بهذه الهيئة الوطنية وصياغتها في أقرب وقت، وقال "لكنني سأطلب من طبقتنا السياسية والمواطنين أن تتحلى بالإبداع والإسهام والثقة من أجل أن نبني معا هذا الصرح القانوني الذي سيمهد لبناء نظام سياسي جديد كليا يكون في مستوى تطلعات شعبنا".
وأكد أن أقبال الشعب على ارساء اختياره بحرية وسيادة على ما يريده سيمكنه من تنصيب رئيس جديد للجمهورية في الموعد الدستوري، وقال "هذا الاختيار سيكون اختيارا حرا بقدر ما تكون ظروف ممارسته ظروفا يسودها الهدوء والرصانة والثقة فيما بيننا".
وأشار إلى أن المهم بالنسبة للشعب الجزائري هو أن يختار الشخص والبرنامج اللذين يتجاوبان مع تطلعاته إلى نظام سياسي جديد كفيل بمغالبة التحديات الجسام التي تواجه الجزائر التي ترتضي لنفسها اعتناق الحداثة والديمقراطية والعدالة والتنمية.
وقال "أملي هو أن ننصب قريبا رئيسا جديدا للجمهورية يتولى، ببرنامجه، فتح المرحلة الأولى من بناء الجزائر الجديدة، وأملي هو كذلك أن يشارك المواطنات والمواطنون عن بكرة أبيهم في هذا البناء مشاركة عمادها الإقدام والتفاني".
وأعرب عن يقينه أن مؤسسات البلاد جميعها ستلتزم تماما بإطلاق هذا المشروع الوطني الهام ودعمه ووضع لبنتها فيه، خدمة لوطننا وشعبنا ووفاء للشهداء، وقال "إنني أتوجه إليكم اليوم، ولا يساورني شك، بالنظر لدرجة الوعي التي برهنت عليها مختلف أطياف مجتمعنا، ذلك أن كل الوطنيين الغيورين على رفعة بلدهم والحريصين على مستقبله، سوف لن يتوانوا من أجل مشاركتنا قطع هذه المرحلة وتجاوزها دون تأخير وبكل مسؤولية".
وأضاف "إنني أتوسم في الجميع تجندا أكبر من ذلك الذي شهدناه لحد الان، من أجل مجابهة الرهانات العاجلة والجمة، التي لا مفر لبلادنا من مواجهتها، لاسيما تلك المرتبطة بأمننا القومي والاقليمي، ورهان اصلاحاتنا الاقتصادية والمالية والمؤسساتية العميقة، ورهان تنميتنا الاجتماعية والبشرية المستدامة.