شهد سوق الاكتتابات العامة في دول مجلس التعاون الخليجي نشاطا محدودا خلال عام 2015 حيث كانت الاتجاهات التي أظهرها السوق مشابهة لنشاطه المسجل في مرحلة ما بعد الأزمة المالية العالمية في الفترة ما بين عام 2009 وعام 2013. وقد انخفض إجمالي عدد عروض الاكتتاب العام الأولي في المنطقة بنسبة 65 بالمئة على أساس سنوي لتصل إلى 6 صفقات مقابل 17 صفقة في عام 2014. وانخفضت قيمة رأس المال المجمع بنسبة 86 بالمئة على أساس سنوي لتبلغ 1.48 مليار دولار أميركي في عام 2015 بعد ما كادت تقترب من مستوى رأس المال المجمع المرتفع في فترة ما قبل الأزمة المالية في عام 2014 (10.89 مليار دولار أميركي). وظلت الشركات التي تتطلع إلى دخول سوق الاكتتابات حذرة طوال عام 2015 حيث أدى الانخفاض الكبير في أسعار النفط الذي بدأ في عام 2015 وما صاحبه من مخاوف بشأن الأوضاع الجغرافية -السياسية وحالة عدم اليقين بشأن آفاق النمو الاقتصادي العالمي إلى فرض ضغوط سلبية على إصدارات الاكتتابات العامة وأسواق الأسهم. كان سوق الاكتتابات العامة في السعودية أكثر أسواق المنطقة نشاطا في عام 2015 حيث شهد السوق السعودي إدراج 4 إصدارات من أصل 6 إصدارات شهدتها المنطقة. وعلى الصعيد العالمي أيضا، سلكت عروض الاكتتاب العامة الأولية اتجاها تنازليا في عام 2015 وإن كان بوتيرة أبطأ مقارنة بنظيرتها في دول الخليج، حيث انخفض عدد صفقات الاكتتاب بنسبة 2 بالمئة لتصل إلى 1218 صفقة في حين تراجع رأس المال المجمع بنسبة 25 بالمئة بالغا 195.5 مليار دولار أميركي وفقا لتقرير مكتب إرنست آند يونغ. إضافة إلى ذلك، أفاد التقرير أن أسواق منطقة آسيا والمحيط الهادي قد استحوذت على الجزء الأكبر من سوق الاكتتابات العامة الأولية على مستوى العالم في عام 2015 بما يمثل 55 بالمئة من إجمالي صفقات الاكتتاب المنفذة، على الرغم من قيام أسواق الأسهم الصينية بتجميد الأسهم المخصصة للاكتتاب خلال عام 2015. وباستثناء الصفقات التي تم بالفعل الإعلان عن إجرائها في أسواق دول الخليج في عام 2016، من المرجح أن تضطر الشركات المصدرة التي تطمح إلى طرح أسهمها للاكتتاب إلى تأجيل خططها حتى تتحسن ظروف السوق وتهدأ حدة المخاوف المذكورة آنفا بدرجة ملحوظة.
أخذ نشاط الاكتتابات العامة الأولية في دول الخليج في التباطؤ إلى أن توقف في النصف الأخير من عام 2015 حيث لم يتم تسجيل أي عمليات إدراج جديدة خلال النصف الثاني من العام باستثناء إدراج أسهم شركة الأندلس العقارية في السوق السعودي في شهر ديسمبر والذي تم طرحه للاكتتاب. كما شهد نشاط الاكتتابات في الربع الأول من عام 2015 تباطؤا ولكن تسارعت وتيره نموه قد تسارعت في الربع الثاني من عام 2015 حيث تم تسجيل عدد كبير من الإصدارات (خمسة من أصل ستة إصدارات) خلال الربع الأول. وعلى الرغم من أن النصف الثاني من عام 2015 قد اتسم بركود نشاط الشركات خلال عطلات العيد والصيف، إلا أن تباطؤ عمليات الإدراج يعزى بشكل أساسي إلى المعنويات السلبية التي سادت السوق بسبب انخفاض أسعار النفط، وتزايد المخاوف – الجيوسياسية وتنامي حالة عدم اليقين بشأن السياسة الاقتصادية. ونتيجة لذلك، استمر عدد الصفقات في الانخفاض خلال عام 2015 مقارنة بمستواها المرتفع خلال الفترة الممتدة ما بين عام 2011 وعام 2013 (بمتوسط 9 إدراجات). وقد تم جمع رأس المال الكبير المتحصل من السوق الأولي في عام 2014 عن طريق الاكتتاب في أسهم البنك الأهلي التجاري السعودي (NCB) الذي بلغت قيمتها 6 مليارات دولار أميركي. ومع ذلك، تراجعت قيمة رأس المال المصدر بنسبة تزيد عن 69 بالمئة على أساس سنوي في عام 2015 حتى بعد استبعاد الاكتتاب في أسهم البنك الأهلي التجاري.
وفيما يتعلق بالقطاعات التي سجلت أكبر عدد من الاكتتابات العامة الأولية، فقد شهد قطاع الصناعات التحويلية طرح اكتتابين في حين حصد قطاع النقل والمواصلات الجزء الأكبر من رأس المال المطروح للاكتتابات والبالغ قيمته 752 مليون دولار أميركي عن طريق اكتتاب الشركة السعودية للخدمات الأرضية. وعلى مدى الفترة الممتدة ما بين عام 2001 وعام 2015 كان قطاع الخدمات المالية أكثر القطاعات نشاطا في سوق الاكتتابات العامة الأولية في دول الخليج حيث بلغ عدد صفقاته 66 صفقة تلاه قطاعات الصناعات التحويلية والنفط والغاز وقطاع العقار بـ 26 اكتتابا لكل منهم.
بعد أن شهد عام 2014، مشاركة واسعة النطاق من جميع دول الخليج في سوق الاكتتابات العامة الأولية. لم يشهد عام 2015 سوى مشاركة السعودية والكويت وعمان في اكتتابات السوق الأولي. وشهد سوق الاكتتابات الكويتي الذي تراجع بشكل ملحوظ منذ عام 2008 في أعقاب التباطؤ المالي العالمي، أول اكتتاب كبير له منذ ذلك الحين حيث حصد اكتتاب شركة ميزان القابضة إحدى كبريات الشركات العاملة في مجال الأغذية والمشروبات 228 مليون دولار أميركي عن طريق إدراج أسهمها في سوق الكويت للأوراق المالية. أما في عمان، بلغت حصيلة الاكتتاب في أسهم شركة العنقاء للطاقة إحدى شركات الطاقة والمرافق الخدمية حوالي 146 مليون دولار أميركي.
ظل السوق السعودي الطرف الأكثر فعالية في أسواق رأس المال الأولية في المنطقة حيث حصد أكثر من 1 مليار دولار أميركي عن طريق الاصدارات، كما استحوذ على ما يزيد عن نصف الصفقات التي شهدتها أسواق دول الخليج. وبالإضافة إلى اكتتاب شركة السعودية للخدمات الأرضية، قام السوق السعودي بطرح أسهم الشركة السعودية للعدد والأدوات للاكتتاب (بقيمة 134 مليون دولار أميركي) وشركة الشرق الأوسط لصناعة وإنتاج الورق (120 مليون مليون دولار أميركي) في السوق خلال عام 2015.
ومن المرجح أن تشهد الاكتتابات العامة الأولية في دول الخليج بداية بطيئة في عام 2016 حيث يتوقع أن تتوخي الشركات الحذر بشأن جمع رأس المال عن طريق الأسواق الأولية وستترقب مدى اقبال السوق على اصداراتها. ومن المرجح أن تؤجل المزيد من الشركات طرح أسهمها للاكتتاب حتى النصف الأخير من عام 2016 أو إلى ما بعد انقضاء العام المالي حتى تعود حالة الاقبال على المخاطرة إلى الأسواق الأولية ويزول عدم اليقين بشأن أسعار النفط، والظروف غير المواتية المتمثلة في المخاطر الجيوسياسية، والمخاوف المتعلقة بتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وخاصة في الصين.
ومن ضمن الاكتتابات العامة الأولية المزمع إجرائها في منطقة الخليج في العام المقبل الاكتتاب العام في شركة الشرق الاوسط للرعاية الصحية في السعودية حيث ستطرح الشركة 30 بالمئة من أسهمها للاكتتاب (بقيمة 27.6 مليون سهم) عن طريق طرح أسهمها الأولية للبيع.

الاكتتابات العامة الأولية العالمية يسودها تفاؤل حذر

وعلى الصعيد العالمي، على الرغم من النتائج غير المرضية التي حققها سوق الاكتتابات العامة الأولية في عام 2014 الذي يعتبر أفضل الأعوام أداء فإن نشاط السوق في عام 2015 جاء متماشيا مع المتوسط السنوي العالمي على مدى السنوات العشر الماضية والبالغ عددها 1.214 صفقة بحصيلة قدرها 176.1 مليار دولار أميركي وفقا لتقرير أعده مكتب أرنست آند يونغ استنادا إلى البيانات التي جمعها حتى بداية شهر ديسمبر من عام 2015. وقد أفاد التقرير أن سوق الاكتتابات العامة الأولية العالمية قد أظهر اتجاهات مختلطة في جميع المناطق مقارنة مع الاتجاهات المرصودة في عام 2014 ويعزى ذلك بدرجة كبيرة إلى اتساع نطاق خيارات التمويل المتاحة أمام الشركات والتقلب الذي ساد أسواق الأسهم. من جهة ثانية، كان سوق الاكتتابات في منطقة آسيا والمحيط الهادي الوحيد الذي شهد تحسنا في نشاطه في عام 2015 بالمقارنة مع مستواه في عام 2014 إذ بلغ إجمالي عدد صفقاته 673 صفقة بحصيلة قدرها 90.2 مليار دولار أميركي مسجلا زيادة نسبتها 20 بالمئة و8 بالمئة على أساس سنوي. واحتلت منطقة أوروبا والشرق الأوسط والهند وأفريقيا والتي تتضمن أسواق الشرق الأوسط والهند المركز الثاني من ناحية عدد الصفقات والإيرادات. ومع ذلك فقد انخفض رأس المال المجمع بنسبة 10 بالمئة على أساس سنوي وبلغ 67.1 مليار دولار أميركي في حين تراجع عدد الصفقات بنسبة 5 بالمئة على أساس سنوي ووصل إلى 346 صفقة. من جهة أخرى، شهد سوق الاكتتابات العامة في الولايات المتحدة عاما صعبا حيث انخفض عدد الاكتتابات العامة الأولية في أسهم قطاع التكنولوجيا وعزى تقرير آرنست آند يونج السبب في ذلك التراجع إلى الزيادة الملحوظة في ضخ رأس المال الخاص. وانخفض عدد الصفقات بنسبة 41 بالمئة مقارنة بعدد الصفقات المسجل في عام 2014 وبلغ 173 صفقة كما انخفض رأس المال المجمع عن طريق الإصدارات الأولية بنسبة 65 بالمئة ليصل إلى 33.3 مليارات دولار أميركي. ومن المتوقع أن يسود سوق الاكتتابات العامة العالمية تفاؤل حذر في عام 2016 حيث يتوقع أن يؤثر تقلب الأسواق، وعدم اليقين الانتخابي وتداعيات الصدمات الجغرافية السياسية بشكل كبير على أداء أسواق الاكتتابات العامة الأولية في عام 2016.