عادت قضية منع ارتداء الحجاب لتطفو مجددا على سطح فرنسا بين مؤيد ومعارض في جدل محتدم وصل الى حد المطالبة بمنعه امام المدارس عند مرافقة التلاميذ.
وباتت قضية الحجاب في فرنسا تشكل تضييقا غير مسبوق يثير قلق المسلمين رغم أن الأمر أصبح معتادا في السياق السياسي الفرنسي.
فبعد ان صوت مجلس الشيوخ الفرنسي في 29 أكتوبر الماضي على مشروع قانون يمنع ارتداء الحجاب عند مرافقة التلاميذ في النزهات المدرسية لاح الانقسام جليا داخل الحكومة نفسها.
وتقدم حزب الجمهوريين اليميني المعارض الذي يتمتع بالأغلبية في مجلس الشيوخ بمشروع هذا القانون على أن يعرض أمام الجمعية الوطنية قريبا لكي يتم تبنيه بصفة نهائية قبل أن يدخل حيز التنفيذ.
وتغذى هذا المشروع بقوة على سلسلة الحوادث المتطرفة التي تعرضت لها فرنسا في الآونة الاخيرة ما جعل فوهة الانقسام تتوسع في سياق جدل محتدم حول العلمانية والحجاب في فرنسا.
واشتعلت تلك الشرارة من جديد عندما قام النائب عن الحزب اليميني المتطرف جوليان أودول بالتهجم لفظيا على امرأة محجبة ترافق ابنها في نزهة مدرسية طالبا منها خلع حجابها.
وتعرض تصرف هذا البرلماني لانتقادات من بعض الوزراء والمواطنين في حين بدأ البعض الاخر بالتساؤل عما إذا كانت تلك المرأة قد خالفت القانون أم لا.
وفي هذا السياق قال رئيس مؤسسة الاسلام في فرنسا غالب بن شيخ في تصريح لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم الاربعاء ان "فرنسا تعيش حاليا في ازمة متعددة الحلقات وهذه الحلقة وجدت نفسها في زخم اعلامي وصخب وهستيريا بسبب التوتر بين الاحزاب ونظرة الكثير من شرائح المجتمع الفرنسي الى الاسلام والمسلمين بصورة مشينة".
وذكر بن شيخ ان قضية منع الحجاب في فرنسا متعددة العوامل والتداعيات حيث يدخل فيها صراع سياسي الى جانب علم النفس الاجتماعي وذهنية المجتمع الفرنسي المتخوف من كل ما هو اسلامي.
واضاف ان قلق المجتمع الفرنسي من الاسلام يعود الى عدة اسباب منها بعض الضغائن الموروثة منذ الحروب الصليبية وقضايا تعود الى حقبة الاستعمار الفرنسي لشعوب تدين بالدين الاسلامي ناهيك عن الهجمات الارهابية مما جعل الجو مشحونا في فرنسا وفي اوروبا.
وبين ان الكثير من المواطنين الفرنسيين لديهم تلك العقلية التي ترى ان الحجاب فيه تقهقر وتقوقع للمرأة وانه تخلف حضاري لا يتماشى مع الرقي والتقدم ولا يحترم كرامة الانسان.
ودعا في هذا الصدد الى الهدوء والتريث وضبط النفس للتخفيف من حدة التشنج والاحتقان كي لا ينعكس سلبا على المسلمين في فرنسا. من جهته قال المحامي والخبير في القانون الدولي ورئيس جمعية المحامين في فرنسا عبد المجيد بوذان ل(كونا) ان "الحجاب انتشر في فرنسا بشكل كبير جدا في الآونة الاخيرة وبشكل غير مسبوق واصبح رمزا دينيا بارزا في بلاد يحرم قانونها استعمال الرموز الدينية ايا كانت".
واضاف ان الدولة الفرنسية شرعت قوانين جديدة تجدد القانون رقم 1905 الذي ينص على فصل جميع الاديان عن الدولة.
واشار الى القانون الذي سنته فرنسا عام 2000 القاضي بمنع ارتداء اي رمز ديني مثل الحجاب او الصليب او الكيبا اليهودية بشكل واضح خلال العمل في الجهات الرسمية كالاستاذ الجامعي او المعلم او الطبيب.
واكد انه لا يوجد اي تمييز ضد الاسلام بشكل خاص وليس في القانون اي شيء ضد هذا الدين بالذات وكل ما يقال حول هذا الامر هو خطأ جسيم وتفسير وصراع سياسي وليس ديني او قانوني.
وبين ان "قانون فصل الدين عن الدولة هو قانون قديم جدا تم اقراره لكي تنعم فرنسا بالأمن الاجتماعي والسياسي والثقافي بعد ان عاشت في العصور السابقة بفترة عصيبة من الحروب الاهلية اساسها التناحر والتطاحن الديني". واشار الى "ان موضوع الحجاب برز على الساحة في الفترة الاخيرة بسبب توافد المحجبات بشكل كبير الى فرنسا والذي تصادف مع تزايد العمليات الارهابية والتطرف الديني مما جعلها قضية سياسية قسمت المجتمع بين مؤيد ومعارض".
وكل ما يتم طرحه حول الحجاب يأتي نتاجه السلبي على المسلمين في المقام الاول لاسيما المهاجرين منهم الذين باتوا يعيشون في هويتين بسبب الصراع السياسي الذي اوصلهم الى صراع اجتماعي وديني في مجتمع علماني.
واصبحت الجالية المسلمة في فرنسا على مفترق طرق بين الذين يريدون الانسجام في المجتمع وبين من يريد الانزواء والحفاظ على هويتهم بهدوء ومنهم من يرغب بالتحدي او حتى لو اضطرته الظروف ان يلجأ الى جهات متطرفة.