ضمن أعمال الاجتماع السنوي الرابع عشر عالي المستوى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي تنظمه لجنة بازل للرقابة المصرفية بالمشاركة مع معهد الاستقرار المالي وصندوق النقد العربي والمنعقد في أبو ظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة بتاريخ 11 ديسمبر ألقى محافظ بنك الكويت المركزي الدكتور محمد يوسف الهاشل الكلمة الافتتاحية وحملت عنوان «الرقابة والإشراف: أخطاء الماضي ومخاوف الحاضر» سلط من خلالها الضوء على واقع الرقابة المصرفية والدروس التي تعلمها القطاع المصرفي من الأزمة المالية العالمية.
وجاءت كلمة الدكتور الهاشل في محورين، أولهما يتعلق بواقع الرقابة وما وصلت إليه بعد سنوات من الإصلاحات الرقابية لمعالجة أوجه القصور التي كشفتها الأزمة المالية العالمية، والثانية هي هموم الرقابة والإشراف المستقبلية.
فعلى المحور الأول المتعلق بما وصلت إليه الجهود والإصلاحات الرقابية أوجز المحافظ آثار الأزمة مشيرا إلى أن خسائر الأزمة - طبقاً لأبحاث بنك التسويات الدولي - بلغت ما نسبته 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فضلا عن التكاليف الاجتماعية لارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الإنتاج.
وأشاد الدكتور الهاشل بتحرك قادة العالم حينذاك لمواجهة العواقب والمخاطر التي أحاقت بالنظام المالي، واصفا إياه بأنه تحرك استثنائي مقارنة بأوضاع اليوم التي يغلب عليها طابع تنامي الاتجاهات القومية والمشاحنات التجارية. 
ثم عرج المحافظ الهاشل على أوجه الاختلالات والقصور التي كشفت عنها الأزمة بقوله: «لم يكن التعرف على هذه الاختلالات وأوجه القصور صعباً، فقد كان من الواضح عدم كفاية رأس المال وضعف جودته، وما زاد الأمر سوءاً غياب المصدات والتدابير الوقائية لاحتواء الرفع المالي المفرط. فيما استفادت البنوك الكبرى، التي حال حجمها دون سقوطها، من قوتها في السوق دون أن تتحمل كلفة المخاطر التي تسببت فيها للنظام برمته. كما لم تكن هناك تدابير خاصة بالسيولة، سواء من حيث التمويل أو تغيرات السوق، وكانت الرؤية ضبابية بالنسبة لجهود احتواء المخاطر النظامية من حيث البعد الزمني أو الهيكلي. خلاصة القول، إن الخلل قد كان جليا في كل القواعد التنظيمية جملةً وتفصيلاً». 
كما أكد الدكتور الهاشل أن من أوجه القصور التي كشفت عنها الأزمة المالية العالمية النظرة التي رأت في الإشراف المصرفي عملية تقوم على التحوط الجزئي وحده، إذ ساد الاعتقاد أن استقرار وحدات النظام المالي كلا على حدة كفيل باستقرار النظام ككل، مما أدى إلى تجاهل المخاطر النظامية الآخذة في التنامي.
وأشاد المحافظ في كلمته بالجهود والمبادرات والإجراءات التي اتخذت لمعالجة الأزمة بالقول: «لحسن الحظ، فإن الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية لم تهدر، فقد قطعت البنوك المركزية والجهات الرقابية أشواطاً واسعةً نحو بناء نظام مالي أكثر استقراراً ومتانةً، ولم تتوقف حزمة الإصلاحات الرقابية من قبل لجنة بازل للرقابة المصرفية عند تعديل القواعد الحالية بل طرحت تدابير واسعة النطاق لم تكن موجودة فيما سبق أو أنها لم تكن كافية.
وبفضل هذه الجهود، تمت معالجة القصور إلى حد كبير، وتحسين نظام كفاية رأس المال برفع معدله وتحسين جودته. كما فرضت متطلبات بشأن تكوين المصدات الرأسمالية التحوطية والمصدات المالية ضد التقلبات الاقتصادية، لمساعدة البنوك للمحافظة على هوامش إضافية في صورة مصدات رأسمالية والحد من المخاطر النظامية. وفي السياق ذاته، طبق تدريجيا معيار الرفع المالي لدعم تطبيق معيار كفاية رأس المال.  أما بالنسبة للسيولة، فقد أدى تطبيق معياري نسبة تغطية السيولة وصافي نسبة التمويل المستقر إلى تعزيز قدرة البنوك على مواجهة ضغوط السيولة، وزيادة استقرار هيكل التمويل لديها. ولمواجهة البعد الهيكلي من المخاطر النظامية، أضيفت متطلبات رأسمالية للبنوك ذات الأهمية النظامية، إلى جانب تعزيز خطط الإنعاش وتسوية الأوضاع وتحسين شبكات الأمان، هذا فضلاً عن كثير من التدابير الأخرى».
وجاء في كلمة المحافظ أن هنالك أدلة على أن البنوك غدت أكثر استقرارا مما كانت عليه قبل عقد من الزمن. حتى إن أثر هبوط أسعار النفط في عام 2014 على البنوك الخليجية كان محدوداً رغم تفاوت درجة المتانة من دولة لأخرى. وهناك توافق على أن بنوكنا قد دخلت حقبة تراجع أسعار النفط من مركز قوة معززةً بالإصلاحات الرقابية التحوطية.
وبين المحافظ الهاشل في كلمته أهمية دور الإشراف إلى جانب الرقابة، مؤكدًا أنه دون الإشراف الفعال سيكون من الصعب ضمان التطبيق السلس والآني، أو تحقيق الاستقرار المالي عموماً. وللإشراف الفعال أهمية كبيرة في كشف المخاطر التي يتعرض لها النظام المالي، إذ لا يمكن التنبؤ بكل المخاطر سلفاً، مشددا على ضرورة أن تتسم الجهات الرقابية بالمرونة والسرعة لتصويب الأوضاع بما يتماشى مع الطبيعة المتغيرة للصناعة المصرفية واستجابةً للمخاطر الجديدة.
ثم انتقل الدكتور الهاشل بالحديث إلى الجزء الثاني من الكلمة الذي يتناول المخاطر الناشئة، وقدم مثالين عنها هما: المخاطر السيبرانية، والتغير المناخي.
وعند حديثه عن المثال الأول للمخاطر الناشئة وهو المخاطر السيبرانية، أشار المحافظ إلى أن التطورات التكنولوجية باتت تلقي بظلالها على جميع نواحي العمل المصرفي محدثة تحولاً في عمليات البنوك الداخلية وفي تعاملاتها مع العملاء. ومع تعاظم دور التكنولوجيا من دور مساعد إلى منصة أساسية لكل أنشطة البنوك، تلوح في الأفق احتمالات عالية لنشوء مخاطر جديدة عن أنماط التكنولوجيا واسعة الانتشار والمتشابكة. كما أشار إلى أن أثر حدوث مثل هذه الاحتمالات على أرض الواقع لا يقتصر على الإخلال بالخدمات المالية الحيوية بل يتعدى ذلك لتهديد متانة النظام المصرفي والثقة فيه، ولذلك بات ينظر إلى المخاطر السيبرانية على أنها مخاوف محورية. فعلى سبيل المثال، أشار استطلاع لبنك إنجلترا حول المخاطر النظامية للنصف الثاني من عام 2018 إلى المخاطر السيبرانية كثاني أكبر المخاطر، بعد المخاطر السياسية الناشئة عن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. 
كما أشار المحافظ إلى أنه يجب أن تنعكس المخاطر السيبرانية المتزايدة في المتطلبات الرأسمالية لدى البنوك لمواجهة المخاطر التشغيلية. ورأى في تنامي الوعي بالمخاطر السيبرانية خطوة في الاتجاه الصحيح، لا سيما أن هذه المخاطر تعتبر عظيمة الأثر وإن كانت احتمالاتها منخفضة. مشددًا على أن الاعتماد على رأس المال فقط في مواجهة المخاطر السيبرانية لن يكون كافياً. إذ يتوجب على الجهات الرقابية ضمان تحسين البنوك لمتانتها التشغيلية عبر تعزيز قدرتها على الاستجابة للهجمات السيبرانية والتعافي منها. كما سيتطلب الحد من الهجمات السيبرانية تعاوناً فعالاً بين الجهات الرقابية والقطاع وكذلك خطط طوارئ وتعافٍ مناسبة، بالإضافة إلى تبني جميع المشاركين في بنية الأسواق المالية لممارسات السلامة الصحيحة. وصرح المحافظ أن بنك الكويت المركزي يعكف حالياً على خلق منصة متطورة للتبادل الفعال للمعلومات المتعلقة بالمخاطر السيبرانية وهي منصة يمكن استخدامها لاحقاً على نطاق إقليمي.
كما أشار إلى ضرورة الاستفادة من توجيهات المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية ولجنة المدفوعات والبنية التحتية للسوق (cpmi-iosco) التي تهدف لتعزيز المتانة المعتمدة على التصميم، وتضمين النظام مواصفات أمان سليمة في أوائل مراحله، أي عند صياغة مفاهيمه، مما يساعد على التصدي للمخاطر السيبرانية المحتملة التي يمكن أن تنشأ عن استمرار البنوك في الاعتماد على إرثها التقني.
في مواجهة التغير المناخي
ثم انتقل المحافظ الهاشل للحديث عن المثال الثاني للمخاطر الناشئة وهو مخاطر التغير المناخي، واستعرض بعض الحقائق والأرقام المتعلقة بالتغير المناخي وأثره الاقتصادي والاجتماعي على مستوى العالم، ورحب المحافظ باهتمام واضعي السياسات بهذه القضية بعد سنوات من الإهمال. 
وفي سياق أثر الكوارث المناخية على الاقتصاد بين المحافظ الهاشل أنها ينتج عنها نوعان من المخاطر، أحدهما مادي والآخر متعلق بالتحول الاقتصادي.
حيث يشكل تزايد وتكرار الكوارث المناخية خطراً مادياً كبيراً يلحق الضرر بأصول وضمانات البنوك. كما يمكن للكوارث الطبيعية أن تضر بالبنية التحتية العامة فتؤثر على حياة الأفراد والنشاط الاقتصادي ككل.
أما فيما يتعلق بخطر التحول الاقتصادي، أشار إلى أن الخطر يكمن في الأثر الاقتصادي للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون. حيث يمكن لعوامل مثل تطوير تكنولوجيا رفيقة بالبيئة وتغير الرأي والتوجه العام وإصدار القوانين الجديدة لضبط انبعاثات الكربون أن تحدث نقلة في النشاط الاقتصادي نحو المشاريع الأقل إضرارا بالبيئة. وتبعا لذلك، يمكن لقيمة الأصول كثيفة الكربون أن تنخفض. وتواجه قطاعات النفط والغاز والفحم والخدمات العامة بشكل خاص هذا الخطر على المدى الطويل إذ يمكن لمثل هذا التحول أن يخفض من قيمة أصولها ويهدد الوظائف فيها.
وجاء في كلمة المحافظ أنه «يتوجب على الجهات الرقابية للقطاع تحديد السبيل الأمثل لوضع المخاطر المرتبطة بالمناخ في الاعتبار عند رسم سياساته التحوطية. وسيتطلب هذا توسعة مصفوفة المخاطر لتشمل المخاطر المرتبطة بالمناخ بشكل صريح وتحسين أدوات التحليل المستخدمة لتقييم مدى الخطر الذي تشكله الكوارث المناخية على القطاع المالي. وفي نهاية الأمر، يكمن الحل في تزويد النظام الرقابي بأدوات جديدة تأخذ في الحسبان المخاطر المرتبطة بالمناخ من منظور شمولي بدلا من إضافة بند جديد إلى منظومة المخاطر». 
واختتم المحافظ الهاشل كلمته بقوله: «مع أن الاختلالات التي كشفت عنها الأزمة المالية قد تمت معالجتها إلى حد بعيد إلا أن القدرة على الاستجابة لبعض المخاطر الناشئة مازالت محدودة، وأن السبيل لمواجهة هذه المخاطر يكمن في تبادل المعلومات وتعزيز أطر التعاون والاستجابة لهذه المخاطر بنفس وتيرتها وسرعتها».