سعود عبدالقادر الأحمد

 
 
في أواخر الأربعينيات والخمسينيات كان هناك نائب مشهور في الكونغرس الأمريكي اسمه «جوزيف ريموند مكارثي»، أنشأ هذا الشخص أسلوب سياسي جديد في عهده وهو أسلوب «المكارثي» أو «المكارثسزم»، فما قصة هذا المصطلح؟؟ 
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبح العالم ما بين «شيوعي» و «رأسمالي»، يعني «الاتحاد السوفيتي» و «أمريكا»، في تلك الفترة كانت أمريكا تحارب المنظمات الشيوعية، وكان الأمريكيون يكرهون السوفييت بشكل لا يطاق، وحينها جوزيف مكارثي كان يقصي السياسيون الذين لا يتفقون مع رؤاه، على سبيل المثال كان يقول: هذا الشخص «شيوعي» لأنه بكل بساطة لم يتحدث عن الشيوعية أبداً، بالتالي هو متهم بإخفاء شيوعيته، بحسب النظره المكارثية. 
مكارثي كان يتهم الناس من غير دليل، وكان يملك الكاريزما في حدة الخطابة، لذلك كان هناك من يصفق ويسمع له، كونه نائب في الكونغرس الامريكي ويملك الحصانة، فكان يوجه التهم جزافاً لدرجة أنه وجه اتهامات بالشيوعية إلى الرئيس الأمريكي حينذاك دوايت أيزنهاور ووزير الدفاع الأمريكي جورج مارشال الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 1953، وأيضاً 200 موظف في وزارة الخارجية الأمريكية، لدرجة أن فصلت الوزارة الموظفين من غير دليل قاطع، وتوسعت دائرة الضحايا إلى أكثر من 10 آلاف شخص وتم طردهم من وظائفهم وفق تهم ملفقة لهم زوراً وبهتاناً، ومن أبرز ضحايا المكارثية بتلك الفترة هم: مارتن لوثر كينغ وألبرت أينشتاين وآرثر ميللر وتشارلي تشابلن. 
هكذا أصبحت المكارثية فيما بعد إحدى الأساليب الإيديولوجية لهدم الوطنية وتمزيق المجتمعات، تنطلق من نظرة سياسية تستند على مبدأ المؤامرات وصناعة الرعب والأوهام وتسعى لدمار الأوطان وخلط المفاهيم وتزوير الحقائق واقتناص الفرص لبث الشائعات وتشويه سمعة الناس، وأخذت المكارثية انتشاراً واسعاً في الكثير من البلدان العربية، وأصبح هذا الأسلوب يستخدم بقوة من الطرف الحكومي والمعارض، حيث تتوزع صكوك الشرف والوطنية كأداة لتوجيه الاتهامات بالخيانة لمعارضيها لمجرد كلمة أو رأي أو معارضة فساد حكومي، فتُقذف تلك الاتهامات محشوة بالطابع المكارثي العربي، على سبيل المثال: هذا من الإخوان وهذا ليبرالي وهذا من السلف وهذا معارض وهذا محسوب على فلان.. إلخ. 
لقد أصبح الدين و الوطن والقضية الفلسطينية من أقوى مكارثيات العربية في العصر الكلاسيكي، وهؤلاء المدنسين غلب عليهم حب العلو في الأرض والفساد، فلم ينظروا في عاقبة المعاد، ورأوا أن نجاحهم لا يقوم إلا بتشويه التاريخ و مغالطة الشعوب، وقد لا يتأتى عطاءهم إلا باستخراج الأموال بغير حقها، فصاروا نهّابين وهّابين، فيأكلون أموال الناس ويأخذون عليهم، فتارة يضر بها المجتمع بأكمله وتارة ينفع بها فرداً لضمان صوته في الانتخابات، كقوله تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ؛ [المائدة: 42]. 
تتناثر أموالهم المختلسة وتتبخر على شكل تبرعات وأعمال خيرية يتم الدفاع عنها تحت ذريعة الدين والعمل الصالح، والإسلام بريء من هذه الممارسات الخاطئة.. وأخيراً قل تأييد الناس لمكارثي بسبب توزيعه اتهامات باطلة ومضللة، ودارت الدوائر عليه وقدم إلى المحكمة بتهمة الفساد والتزوير، وأدانه الشعب والحكومة ومات محتالاً بغيضاً.
برودكاست:
إن الجهل بالوقائع التاريخية و الأحداث المفصلية يجعل عامة الناس في موقف محير جداً، حيث الشبهات والأدلة تشير إلى شيءٍ ما، بينما توجه أغلب الصحافة انتقادات و مسميات (نظرية المؤامرة) إلى أصحاب ذلك الفكر بمحاولة تضليل العامة عن الحقائق التي بالعادة تكون صادقة وصادمة، فقد اخترعت وكالة المخابرات المركزية مصطلح (مؤامرة) في عام 1967 لاستبعاد عامة الناس الذين شككوا في روايتهم الرسمية المشبوهة لاغتيال جون كينيدي، ودعت الوكالة أن تم اغتياله بتصرف فردي، وكان جون يردد قبل اغتياله بأن هناك أيادٍ خفية تريد النيل منه..
كما استخدم المصطلح لإقناع العالم أن أحداث 11 سبتمبر كانت مؤامرة من المسلمين ضد الغير مسلمين، وهو ليس أمر مدبر من الداخل لتشويه صورة الدين الإسلامي، فهل نصدق نظريات المؤامرة؟؟