الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد كتب الله القبول للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين ولكتبه وفتاويه، وانتفع الناس بها، فرأينا أن نلقي مزيد من الضوء على بعض من هذه الفتاوى لينتفع بها القراء ويستزيدون من علم الشيخ العثيمين ، خاصة فيما يتعلق بالشهر الكريم .
 
 
يجوز للمسافر في نهار رمضان الفطر، وذلك باتفاق بين المذاهب الفقهية الأربعة  «الحَنَفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة»؛ بشروط معينة اتفقوا عليها، وشروط أخرى لم يتفقوا عليها.
وشروطِ السفر الذي يُبيح للصائم الإفطار في رمضان هي:
 
 
الشرط الأول
 
أنْ يكون السّفر ممّا يجوز معه قصر الصلاة، وقد ذهب جمهور الفقهاء والعلماء واتفقوا إلى أنّ المسافة التي تقصر فيها الصلاة هي واحدٍ وثمانين كيلو متراً تقريبًا، تزيد أو تنقص قليلًا، والسّفر وإنْ كان مظنّةً للمشقّة عادة، إلا أنّ تحقّقها متفاوتٌ؛ لذا ربط التّشريع الرّخصة بالمسافة، وليس بتحقّق المشقة، وبهذا قال جمهور أهل العلم، وخالفهم بعض الحنفية.
 
 
الشرط الثاني
 
ألّا ينوي المسافر الصائم الإقامة في البلد التي سافَر إليها، وحدّد أهل العلم مدّة الإقامة التي لا يصحّ للمسافر التّرخصّ بعدها، حيث إن الشافعيّة، والمالكيّة: حددوها مدّة أربعة أيامٍ  بلياليها. الحنابلة: ما يزيد على أربعة أيامٍ. الحنفيّة: خمسة عشر يوماً.
 
 
الشروط المُختَلف فيها الإفطار
 
 
الشرط الأوّل
 
اشترط جمهور العلماء من الشافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة أن يكون السفر في أمرٍ مباحٍ ليس فيه معصيةٌ لله تعالى، فلا يجوز الفطر للمسافر لإعطاء، أو أخذ رشوة، أو السعي فيها، كما لا يجوز الفطر للمسافر لقطيعة رحم، لا يجوز الفطر للمسافر لبيع خمر أو شراؤها، أو للتعامل بالربا، وهكذا بالمثل.
 
 
الشرط الثاني
 
يشترط لبدء إنهاء الصوم والبدء بأخذ الرخصة بالفطر عند جمهور العلماء من الشافعيّة، والحنفيّة، والمالكيّة الشروع (البدء) في السفر، ومُفارقة البلد قبل طلوع الفجر وخالفَهم الحنابلة في ذلك؛ حيث قالوا بجواز الإفطار في رمضان للمسافر إن سافر في النهار إن كان السفر مُباحاً، إلّا أنّ الأولى إتمام الصيام.
 
 
الشرط الثالث
 
اشترط جمهور الشافعيّة لجواز الإفطار في السفر ألّا يكون الشخص دائم السفر؛ إذ يحرُم عليه الفطر إن كان كذلك، أمّا إن كان السفر يُسبّب له مَشقّةً وتعب ونصب، فيجب عليه الفطر أخذًا بالرخصة ، فإن كان من دائمي السفر، كالسائقين مثلًا؛ فلا يُرخّص له الإفطار إلّا إن تسبّب له الصيام بتعبٍ، ومشقّةٍ، كالمشقّة التي تجيز التيمم بدلًا من الوضوء، مثل: الخوف على تلف عضوٍ من الأعضاء، أو طول مدّة المرض والمَشقّة، حينئذ يرخص له الفطر.
 
 
< هل الصيام أفضل للمسافر أم الإفطار؟
 
 
-   الأفضل فعل ما تيسر له: إن كان الأيسر له الصيام فالأفضل الصيام، وإن كان الأيسر له الإفطار فالأفضل الإفطار، وإذا تساوى الأمران فالأفضل الصيام؛ لأن هذا فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنته، وهو أسرع في إبراء الذمة، وهذا أهون على الإنسان، فإن القضاء يكون ثقيلاً على النفس، وربما نرجحه أيضاً، لأنه يصادف الشهر الذي هو شهر الصيام، إذاً فله ثلاثة أحوال:
 
1 أن يكون الإفطار أسهل له، فليفطر.
 
2 الصيام أسهل، فليصم.
 
3 إذا تساوى الأمران، فالأفضل أن يصوم.  
 
 
 
< ما هو السفر المبيح للفطر؟
 
 
-   السفر المبيح للفطر وقصر الصلاة هو (38) كيلو ونصف تقريباً، ومن العلماء من لم يحدد مسافة للسفر، بل كل ما هو في عرف الناس سفر فهو سفر، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا سافر ثلاثة فراسخ قصر الصلاة، والسفر المحرم ليس مبيحاً للقصر والفطر، لأن سفر المعصية لا تناسبه الرخصة، وبعض أهل العلم لا يفرق بين سفر المعصية وسفر الطاعة لعموم الأدلة، والعلم عند الله.  
 
 
< ما حكم السفر في رمضان من أجل الفطر؟
 
 
-   الصيام في الأصل واجب على الإنسان، بل هو فرض وركن من أركان الإسلام كما هو معلوم، والشيء الواجب في الشرع لا يجوز للإنسان أن يفعل حيلة ليسقطه عن نفسه، فمن سافر من أجل أن يفطر كان السفر حراماً عليه، وكان الفطر كذلك حراماً عليه، فيجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يرجع عن سفره ويصوم، فإن لم يرجع وجب عليه أن يصوم ولو كان مسافراً، وخلاصة الجواب: أنه لا يجوز للإنسان أن يتحيل على الإفطار في رمضان بالسفر؛ لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يسقطه كما أن التحيل على المحرم لا يجعله مباحاً.  
 
 
< رجل نوى السفر فأفطر في بيته، لجهله، ثم انطلق هل عليه الكفارة قياساً على الجماع في التعمد كقول المالكية؟
 
 
 - حرام عليه أن يفطر وهو في بيته، ولكن لو أفطر قبل مغادرته بيته فعليه القضاء فقط، وليس عليه الكفارة قياساً على الجماع، لأن الجماع يفارق غيره من المحظورات، ولهذا يفسد النسك في الحج والعمرة، ولا يفسده غيره من المحظورات، فالجماع له شأن أعظم، ولا يقاس الأدنى على الأعلى، ومن قال من العلماء: إن من أفطر بأكل أو شرب أو جماع فعليه الكفارة. فقوله ليس بصواب، لأن الكفارة ليست إلا في الجماع.  
 
 
< إذا كنت مسافراً ومكثت ثلاثة أيام هل يحق لي أن أفطر في السفر؟
 
 
-   إذا كنت مسافراً يحق لك أن تفطر في أثناء الطريق، وفي البلد التي مكثت فيها، مثل لو ذهبت إلى مكة للعمرة خمسة أيام أو ستة أيام، افطر في مكة، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة، في ثمانية عشر أو عشرين من شهر رمضان، وبقي مفطراً بقية الشهر ولم يصم، بل كان يأكل ويشرب ويقصر الصلاة، فلك أن تفطر في مكة أثناء سفرك حتى ولو لم يكن في الصوم مشقة، لكن الأفضل أن تصوم إذا لم يشق.  
 
  
< ما حكم صيام المسافر إذا شق عليه؟
 
 
-  إذا شق عليه الصوم مشقة محتملة فهو مكروه، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً قد ظُلل عليه والناس حوله زحام، فقال: «ما هذا؟» قالوا: صائم. قال: «ليس من البر الصيام في السفر» وأما إذا شق عليه مشقة شديدة فإن الواجب عليه الفطر، لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما شكى إليه الناس أنهم قد شق عليهم الصيام أفطر، ثم قيل له: إن بعض الناس قد صام فقال: «أولئك العصاة. أولئك العصاة» وأما من لا يشق عليه الصوم فالأفضل أن يصوم اقتداءً بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث كان كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: كنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان في يوم شديد الحر وما منا صائم إلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الله بن رواحة.  
 
 
< كيف يصوم من سفره مستمر مثل أصحاب الشاحنات؟
 
 
-   إن الله تعالى قد بين حكم هذه المسألة في قوله: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} فسائق الشاحنة مادام مسافراً فله أن يترخص بجميع رخص السفر من القصر والجمع، والفطر في رمضان، والمسح على الخفين ثلاثة أيام وغيرها مما هو معروف في أحكام السفر.
 
وعلى هذا فنقول: يجوز له أن يفطر في هذه الحال ولو كان دائماً يسافر في هذه السيارة؛ لأنه مادام له مكان يأو رجل مسافر وصائم في رمضان نوى الفطر، ثم لم يجد ما يفطر به ثم عدل عن نيته، وأكمل الصوم إلى المغرب، فما صحة صومه؟
 
فأجاب فضيلته بقوله: صومه غير صحيح، يجب عليه القضاء، لأنه لما نوى الفطر أفطر. أما لو قال: إن وجدت ماءً شربت وإلا فأنا على صومي. ولم يجد الماء، فهذا صومه صحيح، لأنه لم يقطع النية، ولكنه علق الفطر على وجود الشيء، ولم يوجد الشيء فيبقى على نيته الأولى. (19 / 183)
 
 
< فإذا قال: كيف أصنع وأنا دائماً في هذه المهنة أسافر دائماً صيفاً وشتاءً؟
 
 
- فنقول له: إذا كنت في أهلك في رمضان يجب عليك أن تصوم، وإذا كنت في غير أهلك فأنت مسافر، ولا يجب عليك أن تصوم، ثم إنه من الممكن أن نقول بأن لك فائدة عظيمة، وهي أنك بدلاً من أن تصوم في هذا الحر الشديد تصوم في أيام الشتاء القصيرة المدة الباردة الجو، وذلك أسهل لك من الصيام في السفر في مثل هذه الأيام الطويلة الشديدة الحر، والله أعلم.
 
 
< في شهر رمضان يكون إقلاع بعض الرحلات وقت أذان المغرب فنفطر ونحن على الأرض وبعد الإقلاع والارتفاع عن مستوى الأرض نشاهد قرص الشمس ظاهراً فهل نمسك أم نكمل إفطارنا؟
 
 
  - لا تمسك، لأنك أفطرت بمقتضى الدليل الشرعي، لقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب وغربت الشمس فقد أفطر الصائم».  
 
 
< في شهر رمضان نكون على سفر ونصوم خلال هذا السفر فيدركنا الليل ونحن في الجو، فهل نفطر حينما نرى اختفاء قرص الشمس من أمامنا أم نفطر على توقيت أهل البلد الذين نمر من فوقهم؟
 
 
-   افطر حين ترى الشمس قد غابت، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» .