أولى الإسلام المرأة اهتمامًا كبيرًا ونظر إليها نظرة تكريمٍ واعتزازٍ، فالمرأة في الإسلام هي الأم والأخت والابنة والعمة والخالة والجدة والزوجة شريكة الرجل في تحمل مسؤوليات الحياة، وقد كلَّفها الله مع الرجل في النهوض بمهمة الاستخلاف في الأرض، وتربية الأبناء وتنشأتهم تنشئة سوية، وجعلها على درجة واحدة مع الرجل في التكريم والإجلال.
ويؤمن المسلمون بأن الإسلام قد أعطى المرأة حقوقها بعد أن عانت في الجاهلية (ما قبل الإسلام) من ضياعها والتي من أهمها الحق في الحياة.
ويتفق علماء الدين المسلمين إلى حد كبير على أنه في بداية الإسلام وتحديدًا في أوائل القرن السادس الميلادي، وسَّع النبي محمد صلى الله عليه وسلم حقوق المرأة لتشمل حق الميراث والتملك والزواج والنفقة وحقوقًا أخرى.
كما نهى النبي محمد عن الإساءة للنساء وأمر بمعاملتهن بالحسنى والرحمة فقال في حجة الوداع: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله، فاعقلوا أيها الناس قولي».
وفي صحيح الترمذي  يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (أَكْمَلُ المؤْمِنين إيماناً أحْسَنُهم خُلُقاً، وَخِياركم خيارُكم لِنِسائهم). ويقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم أيضا:(اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ) أي عاملوهما برفق وشفقة، ولا تكلفوهما ما لا يطيقانه، ولا تقصِّروا في حقهما الواجب والمندوب.
كما يذكر التاريخ أيضا أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقبل وفاته بأيام قليلة خرج على الناس وكان مريضًا بشدة وألقى آخر خطبة عليهم فكان من جملة ما قاله وأوصى به: «أيها الناس، الله الله في الصلاة، الله الله في الصلاة». بمعنى أستحلفكم بالله العظيم أن تحافظوا على الصلاة، وظل يرددها إلى أن قال: «أيها الناس، اتقوا الله في النساء، اتقوا الله في النساء، اوصيكم بالنساء خيرا».
 
 

- روت 378 حديثًا منها 13 حديثًا متفقًا عليه وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بثلاثة عشر
- توفيت في المدينة المنورة وهي آخر من توفي من أمهات المؤمنين ودُفنت في البقيع
 

 
 
أم سَلَمَة هند بنت أبي أمية المخزومية، إحدى زوجات الرسول محمد، وإحدى أمهات المؤمنين، ومن السابقين إلى الإسلام، كانت زوجة لأبي سلمة بن عبد الأسد، وهاجرت معه الهجرة الأولى إلى بلاد الحبشة، وعند الهجرة إلى المدينة المنورة منعها أهلها من الهجرة مع زوجها، ثم خلّوا سبيلها فأخذت ولدها وارتحلت، حتى لقيت عثمان بن طلحة بالتنعيم فأوصلها إلى يثرب، وقيل: إنها أوَّل امرأة خرجت مهاجرةً إلى الحبشة، وأول ظعينةٍ دخلت المدينة. ولمَّا توفي أبو سلمة، تزوجها النبي.
رافقت أم سلمة النبي في عدد من الغزوات، وأُخِذ برأيها يوم الحديبية فأشارت عليه ألا يكلم أحدًا حتى ينحر بُدْنَهُ ويدعو حالقه فيحلق له، فكانت تُوصف «بالرأي الصَّائب والعقل البالغ»، وبعد وفاة النبي كان الصحابة يسألونها عن الأحاديث النبوية، فروت 378 حديثًا وفقًا لبقي بن مخلد منها ثلاثة عشر حديثًا متفقًا عليه، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثلاثة عشر، كما أورد لها الذهبي في مسنده 380 حديثًا، فروت الحديث عن النبي مباشرةً، وروايةً عن أبي سلمة وفاطمة الزهراء، وروى عنها ولداها: عمر بن أبي سلمة، وزينب بنت أبي سلمة، وأخوها عامر بن أبي أمية، وابن أخيها مصعب بن عبد الله بن أبي أمية، وعدد من الصحابة والتابعين.
توفيت أم سلمة في المدينة المنورة، وهي آخر من توفي من أمهات المؤمنين، ودُفنت في مقبرة البقيع.
هي أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.
 
 
ولادتها ونشأتها
 
 
ولدت أم سلمة في مكة المكرمة، وذكر الزركلي في «الأعلام» أنّ ولادتها كانت سنة 28 ق.هـ. نشأت في بيت والدها أبي أمية الذي كان من سادات قريش، وتزوجت من ابن عمها أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي.
 
 
إسلامها وهجرتها إلى الحبشة
 
 
كانت أم سلمة وزوجها أبو سلمة من السابقين إلى الإسلام، ولما رأى النبي ما يصيب أصحابه من أذى زعماء قريش لهم، أمرهم بالهجرة إلى الحبشة، فهاجرت أم سلمة مع زوجها إلى الحبشة. روى ابن هشام في «سيرته» عن أم سلمة خبرًا طويلًا عن الهجرة إلى الحبشة تحدثت فيه عن الأمن والاستقرار الذي لحق بهم حين نزلوها، وكيف أنَّ قريشًا ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي ويقدموا له الهدايا، واتهمتهم في دينهم، وسألوا النجاشي أن يردهم لأهلهم إلا أنَّ النجاشي لم يفصل في شيء حتى استدعى جعفر بن أبي طالب، فسأله، فشرح للنجاشي معالم دينهم وأخلاقهم، وختم حديثه بآيات من سورة مريم، فرفض النجاشي طلب قريش، وفرح المهاجرون بذلك، وقد أنجبت أم سلمة ولدها سلمة هناك.
 
 
الرجوع من الحبشة إلى مكة
 
 
عادت أم سلمة وزوجها إلى مكة بعد أن بلغ المسلمين في الحبشة إسلام أهل مكة، فوجدوا أمر قريشٍ على حاله، وأنّ ما بلغهم من إسلام أهل مكة كان باطلًا، فلم يجرؤ منهم أحدُ أن يدخلَ مكة إلا مستجيرًا أو مستخفيًا، فدخل أبو سلمة وزوجه أم سلمة في جوار خاله أبي طالب. فمشى إليه رجال من بني مخزوم، فقالوا له: يا أبا طالب، لقد منعت منا ابن أخيك محمدًا، فما لك ولصاحبنا تمنعه منا؟ قال: «إنَّهُ اسْتَجَارَ بِي، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِي، وَإِنْ أَنَا لَمْ أَمْنَعْ ابْنَ أُخْتِي لَمْ أَمْنَعْ ابْنَ أَخِي». فبقي أبو سلمة وزوجته في مكة، حتى مات أبو طالب، وبموته نال المشركون من النبي وأتباعه مالم ينالوه في حياته.
 
 
هجرتها إلى المدينة
 
أمر النبي أتباعه بالهجرة إلى المدينة المنورة حوالي سنة 622م بسبب ما كانوا يلاقونه من أذى وعذاب من زعماء قريش خاصة بعد وفاة أبي طالب، فهمّ أبو سلمة وأم سلمة بالهجرة، لكن أهلها منعوا أبا سلمة من السير بها إلى المدينة، فهاجر منفردًا، وأتى بنو عبد الأسد قوم أبي سلمة فحازوا ابنها سلمة إليهم، فظلت أم سلمة في حزن تبكيهم، حتى رقّ أهلها لحالها، وتركوها تلحق بزوجها إلى يثرب، ومعها ابنها سلمة. خرجت أم سلمة مع ابنها تنوي الهجرة إلى يثرب دون رفيق، فرآها عثمان بن طلحة وسألها عن وجهتها، فأخبرته، فأخذ بخطام دابتها، ورحل بها إلى مشارف المدينة، وقفل راجعًا. وفي المدينة أنجبت أم سلمة ثلاثة أولاد هم «درة» و«عمر» و«زينب»، أمّا ولدها «سلمة» فوُلد في الحبشة حسب بعض الروايات، وتقول رواياتٌ أخرى إنها أنجبت جميع أولادها في الحبشة.
رُوي عن مالك بن أنس قال: «هاجرت أم سلمة وأم حَبِيبة إلى أرض الحبشة، ثم خرجت أم سلمة مهاجرة إلى المدينة شرفها الله تعظيمًا وتكريمًا، وخرج معها رجلٌ من المشركين وكان ينزل بناحية منها إذا نَزلت، ويسير معها إذا سارت، ويرحل بعيرها، ويتنحى إذا ركبت، فلما نظر إلى نخل المدينة المباركة قال لها: هذه الأرض التي تريدين، ثم سلم عليها وانصرف»، وعن محمد بن الضّحاك عن أبيه قال: «الرّجل الذي خرج مع أم سلمة عثمان بن طلحة».
 
 
موت زوجها أبي سلمة
 
 
ذكر مصعب الزبيري أنّ أبا سلمة تُوفي بعد غزوة أحد سنة 4 هـ، وقيل تُوفي في جمادى الثانية سنة 3 هـ، وذكر ابن عبد البر إنّه تُوفي بعد غزوة بدر سنة 2 هـ، بينما قال ابن إسحاق: تُوفي بعد غزوة أحد، وقال أبو بكر بن زنجويه: توفي أبو سلمة في سنة أربع من الهجرة بعد مُنصَرفه من أحُد، انتقض به جرح كان أصابه بأحُد، فمات منه، فشهده رسولُ الله، وَكَذا قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: إنه شهد بَدْرًا وأحُدًا فجُرح بها، ثم بعثه النبيُّ محمد على سرية إلى بني أسد في صفَر سنة أربعٍ ثم رجع، فانتقض جرحه، فمات في جمادى الآخرة، ولم يكن لأم سلمة في المدينة بعد وفاة زوجها أحد من ذويها غير صبيةٍ صغارٍ كزَغْبِ القطا، فحزن المسلمون لمصابها أشد الحزن، وأطلقوا عليها اسم «أَيِّمِ العَرَب».
وعن أم سلمة أنّها قالت: « سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ فَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ»، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: يَارَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: «قُولِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُ، وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً»، فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ عز وجل مِنْهُ مُحَمَّدًا ».
 
زواجها من النبي
 
 
بعدما انقضت عدتها من وفاة أبي سلمة خطبها أبو بكر فردته، ثم خطبها عمر بن الخطاب فردته، ثم بعد ذلك خطبها النبي، فقبلت أم سلمة. واختُلف في تاريخ زواجها من النبي، قيل تزوجها قبل وقعة بدر في سنة 2 هـ، فعن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ  قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ مِنَ التَّارِيخِ أُمَّ سَلَمَةَ وَاسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ»، وذكر ابن كثير وغيره أنّ رسول الله دخل بها في شوال سنة 2 هـ بعد وقعة بدر، كما ذكر المزي في «التهذيب» أن النبي تزوجها سنة 2 هـ وبنى بها في شوال، وقيل إن رسول الله تزوجها قبل الأحزاب سنة 3 هـ، وقال ابن حجر العسقلاني: «إنما تزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة أربع على الصحيح ويقال سنة ثلاث... وحلت أم سلمة في شوال سنة أربع وقد نص على ذلك خليفة بن خِياط والواقدي ...»، وذكر ابن حجر أيضًا: «فتزوجها النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في جمادى الآخرة سنة أربع، وقيل سنة ثلاث».
جاء عن أنس أن رسول الله أَوْلَمَ على أم سلمة بتمر وسمن، وعن أنس أيضًا: «أن رسولَ اللهِ - لما تزوجَ أمَّ سلمةَ أمرَ بالنِّطَعَ فبُسِطَ، ثم ألقى عليه تمرًا وسَويقًا فدعا الناسَ فأكلوا». وكان لأم سلمة مكانتها عند النبي، فيروى أن النجاشي أهدى إلى النبي حُلّةً وأواقٍ من مسك، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية مسك، وأعطى أم سلمة بقية المسك والحُلَّة. كما ذكرت عائشة أنّ النبي كان إذا صلّى العصر دخل على نسائه واحدة واحدة، يبدأ بأم سلمة لأنها أكبرهن، ويختم بعائشة.
 
في الغزوات والمشاهد
 
يُذّكر أنّ الصحابي شماس بن عثمان المخزومي قد حُمِلَ من أَحُدٍ إلى المدينةِ المنّورة، وكان بِهِ رَمَقٌ، فأدخلَ على عائشة، فقالت أم سلمة: «ابْنُ عَمّي يُدْخَلُ عَلَى غَيْرِي!»، فقال رسول الله: «احْمِلُوهُ إلَى أُمّ سَلَمَةَ»، فَحُمِلَ إليها فمات عندها، فأمر رسول الله أن يرد إلى أحد، فدفن هناك كما هو في ثيابه التي مات فيها، وكان قد مكث يومًا وليلة، ولكنه لم يذق شيئًا، ولم يصل عليه رسول الله ولم يغسله [كما هو الحال مع الشهداء]. وكانت أم سلمة تذهب إلى قبور شهداء أحد فتسلم عليهم في كل شهر فتظل يومها.
 
 
غزوة الخندق
 
شهدت أم سلمة غزوة الخندق، وعنها أنّها قالت: «مَا نَسِيتُ قَوْلَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يُعَاطِيهِمُ اللَّبَنَ قَدِ اغْبَرَّ شَعْرُ صَدْرِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِ الْخَيْرَ خَيْرُ الْآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ». كما روى الواقدي في «المغازي» عدة روايات تفصيلية عن أم سلمة تتحدث فيها عما عمله المسلمون خلال الغزوة.
 
 
غزوة بني المصطلق
 
 
قيل أنّها شاركت في غزوة بني المصطلق، فقد جاء في إحدى الروايات أن رسول الله أقرع بين نسائه، فأصابت القرعة أم سلمة وعائشة، فخرج بهما معه إلى الغزوة، كما جاء من ضمن أحداث الغزوة أن رسول الله خرج من المدينة حتى انتهى إِلَى الْمُرَيْسِيعِ، وهو مكان الماء، فضرب عليه قبته، ومعه عائشة وأم سلمة.
 
 
يوم الحديبية
 
 
شهدت أم سلمة صلح الحديبية، وفيه رُوي أنّ النبي قال لأصحابه بعدما أُقر الصلح: «قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا»، فتباطأ الصحابة، فقد كان في نفوسهم شيءٌ عن بنود الصلح، فحزن النبي ودخل على أم سلمة وكانت معه في تلك العُمرة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت له: «يانبي الله أتحبُّ ذلك؟ اخرج ثم لاتكلِّم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك وتدعو حالقك فيحلقك»، فخرج فلم يكلِّم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ فنحر وحلق، فلمَّا رأَى أصحابه ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا. قال ابن حجر العسقلاني: «وإشارتها على النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبيّة تدلّ على وفور عقلها وصواب رأيها».
 
 
غزوة خيبر
 
 
شهدت أم سلمة غَزْوَة خَيْبَرَ سنة 7 هـ، وذكرت أنها «سَمِعْتُ وَقْعَ السَّيْفِ فِي أَسْنَانِ مَرْحَبٍ». وأطعمَ رسول الله أمّ سلمة بخيبر ثمانين وسقًا تمرًا، وعشرين وسقًا شعيرًا، أو قمحًا.
كما ورد أن أمَ سنانٍ الأسلميةَ كانت مع أم سلمة في الغزوة، فقد رُوي أن أم سنان أتت النبي عندما أراد التوجّه إلى خيبر وقالت له: «يَارَسُولَ اللَّهِ أَخْرُجُ مَعَكَ فِي وَجْهِكَ هَذَا أَخْرُزُ السِّقَاءَ وَأُدَاوِي الْمَرِيضَ وَالْجَرِيحَ إِنْ كَانَتْ جِرَاحٌ وَلا تَكُونُ وَأَبْصُرُ الرَّحْلَ»، فقال لها النبي: «اخْرُجِي عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَإِنَّ لَكِ صَوَاحِبَ قَدْ كَلَّمْنَنِي وَأَذِنْتُ لَهُنَّ مِنْ قَوْمَكِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ فَإِنْ شِئْتِ فَمَعَ قَوْمِكِ وَإِنْ شِئْتِ فَمَعَنَا»، فقالت: «مَعَكَ»، قَالَ: «فَكُونِي مَعَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَتِي». قَالَتْ: «فَكُنْتُ مَعَهَا».
 
 
فتح مكة
 
 
كانت أم سلمة مع رسول الله يوم فتح مكة، وروي أنّ أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وأخاها عبد الله بن أبي أمية لقيا النبي بنِيقِ العُقَاب فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول، فمنعهما، فَكَلَّمته أُم سلمة فيهما؛ فقالت: «يارسول الله، ابن عمك وابن عمتك وصهرك»، قال: « لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا، أَمَا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الّذي قَالَ لي بِمَكَّةَ مَا قَالَ»، ثم أَذن لهما فدخلا عليه، فأَسلما وحسن إِسلامهما. وذكر أيضًا أنّ أبا رافع ضَرَبَ للنبي قُبّةً بِالْحَجُونِ مِنْ أَدَمٍ، فَأَقْبَلَ النبي حَتّى انْتَهَى إلى القبّة، ومعه أم سلمة وميمونة.
 
 
غزوة تبوك
 
 
روى الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن سعيد، عن عرباض بن سارية قال: «كنت ألزم باب رسول الله  في الحضر والسفر، فرأيتنا ليلة ونحن بتبوك وذهبنا لحاجةٍ، فرجعنا إلى منزل رسول الله وقد تعشى ومن عنده من أضيافه، ورسول الله  يريد أن يدخل في قبته ومعه زوجته أم سلمة بنت أبي أمية....».
 
وفاة النبي
 
 
كان لأم سلمة دور بارز خلال مرض النبي، وتذكر مصادر أهل السنة والجماعة أن النبي لما مرض مرضه الأخير، كانت رغبته أن يُمرّض في بيت عائشة، فأذنت له زوجاته، وفي الموطأ أن أم سلمة كانت تقول: «مَا صَدَّقْتُ بِمَوْتِ النَّبِيِّ  حَتَّى سَمِعْتُ وَقْعَ الْكَرَازِينِ»، كما روي عن أم سلمة قالت: «وَضَعْتُ يَدِي عَلَى صَدَرَ رَسُولُ اللَّهِ  يَوْمَ مات فمرت لي جُمَعٌ آكُلُ وَأَتَوَضَّأُ وَمَايَذْهَبُ رِيحُ الْمِسْكِ مِنْ يَدِي». جاء في «مسند أبي يعلى الموصلي» عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ كَانَ عَلِيٌّ لَأَقْرَبُ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ قُبِضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ غَدَاةً بَعْدَ غَدَاةٍ يَقُولُ: «جَاءَ عَلِيٌّ؟» مِرَارًا. قَالَتْ: وَأَظُنُّهُ كَانَ بَعَثَهُ فِي حَاجَةٍ، قَالَت: فَجَاءَ بَعْدُ، فَظَنَنَّا أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ حَاجَةً، فَخَرَجْنَا مِنَ الْبَيْتِ، فَقَعَدْنَا عِنْدَ الْبَابِ، فَكُنْتُ مِنْ أَدْنَاهُمْ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ عَلِيٌّ فَجَعَلَ يُسَارُّهُ وَيُنَاجِيهِ، ثُمَّ قُبِضَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ»، والحديث رواه أحمد وابن أبي شيبة والحاكم النيسابوري وغيرهم، وصحح البعض هذا الحديث وحسنه آخرون، وذهب البعض إلى أن الحديث ضعيف، وضعفه الألباني.
 
 
حياتها بعد وفاة النبي
 
 
لم تشارك أم سلمة في المعارك التي وقعت بعد وفاة النبي، وذلك امتثالًا لأمره، وقد بقيت وعاشت في المدينة المنورة.
 
 
روايتها للحديث النبوي
 
 
لجأ الكثيرون إليها لسماع الحديث والتفقه في الدين لعلمها بأحكام الشريعة، فقد سمعت أم سلمة من النبي وابنته فاطمة، كما روت عن زوجها الأول أبي سلمة. وروى عنها خلق كثير منهم أم المؤمنين عائشة وأبو سعيد الخدري وابنها عمر بن أبي سلمة وأنس بن مالك وبريدة بن الحصيب الأسلمي وسليمان بن بريدة وأبو رافع وابن عباس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وشقيق بن سلمة وعبد الله بن أبي مليكة والشعبي والأسود بن يزيد ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وشهر بن حوشب ونافع بن جبير بن مطعم وضبة بن محصن وابنتها زينب وهند بنت الحارث وصفية بنت شيبة وصفية بنت أبي عبيد وأم ولدِ إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وعمرة بنت عبد الرحمن وأم محمد بن قيس وعمرة بنت أفعى وجسرة بنت دجاجة وأم مساور الحميري وأم موسى (سرية علي بن أبي طالب) وأم مبشر. وتُعد أم سلمة ثاني أكثر النساء روايةً للحديث بعد أم المؤمنين عائشة، فقد روت 378 حديثًا وفقًا لبقي بن مخلد منها ثلاثة عشر حديثًا متفقًا عليه، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثلاثة عشر، كما أورد لها الذهبي في مسنده 380 حديثًا، ومجموع مروياتها حسب ما ورد في تحفة الأشراف 158 حديثًا، كانت معظم مرويات أم سلمة في الأحكام وما اختص بالعبادات أساسًا كالطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج وفي أحكام الجنائز والآداب والسلوكيات. كما روت في المغازي والمظالم والفتن.
 
 
وفاتها
 
 
اختُلف في تاريخ وفاة أم سلمة، فقيل توفيت في ذي القعدة، وقيل في شهر رمضان، وقيل في ربيع الأول، وقيل في شوال سنة 57 هـ، وقيل 58 هـ، وقيل 59 هـ، وقيل 60 هـ، وقيل 61 هـ، وقيل 62 هـ، وقيل 63 هـ، وقيل 64 هـ، وذكر الدميري أنها توفيت يوم عاشوراء سنة 61 هـ، وقال ابن حزم إنها توفيت في آخر سنة 61 هـ بعدما جاءها نعي الحسين بن علي، كما قال علي النمازي: «سنة 62 - 63 في يوم عاشوراء ماتت أم سلمة على قول»، وجاء في قول آخر أنها توفيت في أول ولاية يزيد بن معاوية، وكانت ولايته لثمانٍ بقين من رجب سنة 60 هـ في اليوم الذي مات فيه معاوية، وروى الطبراني عن الهيثم بن عدي أن أم سلمة توفيت في زمن يزيد بن معاوية سنة 62 هـ. وكانت آخر من توفي من أمهات المؤمنين.
 
 
نزول القرآن فيها
 
 
كانت أم سلمة سببًا في نزول بعض آيات القرآن، فقد ذكر مجاهد بن جبر أنها قالت يومًا: «يارسول الله، تغزو الرجال ولانغزو، وإنما لنا نصف الميراث.» فنزل الوحي بقوله تعالى: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا 
وبقوله: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا