المعجزات تبين قدرة الله عز وجل ولا تضاهيها قدرة أحد. والمعجزة تزيد الرسل تأييدا وتطمئنهم، وتزيد إيمان الناس واقتناعهم بنبيهم وبربهم خالقهم، وكذلك المعجزة تكون حجة الله على خلقه فلو لم تأتهم البينات والادلة لكان حجتهم يوم القيامة بكفرهم أنهم لم يأتهم البلاغ من ربهم، لذا فمن عدل الله تعالى ورحمته إرسال الرسل والانبياء بأدلة وبراهين ومعجزات للناس، ومن ثم يختارون الإيمان بهم أو الكفر ولهم الخيار وعلى الله تعالى الحساب والجزاء.
 والمعجزة  أمر خارق للعادة ، وعندما تأتي على يد أحد الأنبياء تكون من نفس النوع الذي برع به قوم هذا النبي، وهي تعجز الآخرين عن الإتيان بمثلها ، وهناك فرق بين المعجزة والكرامة فالمعجزة خاصة بالرسل والانبياء. أما الكرامة فهي خاصة بأولياء الله الصالحين، كرمهم الله بها للدلالة على صحة الطريقة التي يتبعونها. 
 
 
 
 

- أول من خط بالقلم وعلم  قواعد السياسة المدنية التي انتشرت في ربوع الأرض
- صنع الأدوات والآلات واستخدم الدواب أو الخيول للهجرة وللجهاد
- رسم لقومه المدن فبنت كل فرقة مدنا وأنشئت في زمانه 188 مدينة
- أنزلت عليه ثلاثون صحيفة ودعا إلى وحدانية الله وآمن به ألف إنسان

كان الناس بعد آدم عليه السلام في أول طريق الحياة، لا يملكون معلومات ولا أشياء تساعدهم على العيش، فاحتاجوا لمعرفة الأدوات والمعارف العلمية، وكان كل أهل تلك الأزمنة البدائية صالحين، لا تشوبهم ضلالات ولا كفر، وورد ببعض الأخبار أن الملائكة كانت تظهر عيانا أمامهم وتسلم عليهم.
 
ولما مات آدم قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث، وكان نبياً، فلما حانت وفاته أوصى إلى ابنه أنوش، ثم بعده ولده قينن ثم من بعده ابنه مهلاييل، فلما مات قام بالأمر بعده ولده يرد، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده أخنوخ، وهو إدريس عليه السلام، وكان أول من أعطى النبوة بعد آدم وشيث، وأكثر وأكبر دعوة منهما، لأن الله لم يذكر دعوتهما مطلقا.
ذكره الله في القرآن الكريم مرتين من دون أن يذكر قصته أو قصة القوم الذين أُرسل إليهم، قال تعالى: “وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين” “الأنبياء: 85”، وقال تعالى: “واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً ورفعناه مكاناً علياً” “مريم-56و57”.
 
ويقول أصحاب السير أن إدريس كان صديقاً نبياً ومن الصابرين، أنزلت عليه ثلاثون صحيفة، ودعا إلى وحدانية الله وآمن به ألف إنسان، وهو أحد الرسل الكرام الذين أخبر الله تعالى عنهم في كتابة العزيز، وذكره في القرآن باسمه، وحدث عن شخصه فوصفه بالنبوة والصديقية.
 
ويروى أن إدريس عليه السلام كان خياطا، فكان لا يغرز إبرة إلا قال سبحان الله، فكان يمسي وليس في الأرض أحد أفضل منه عملاً، وكان يسبح الله في اليوم بقدر ما يسبح جميع أهل زمانه في نفس اليوم، لذلك فهو أعلاهم منزلة.
 
 
 
قواعد التمدين
 
 
هو أول من خط بالقلم، وأول من خاط الثياب ولبسها، وأول من نظر في علم النجوم وسيرها، وأول من صنع الأدوات والآلات، وأول من استخدم الدواب أو الخيول للهجرة وللجهاد، وأول من علم السياسة المدنية، ورسم لقومه قواعد تمدين المدن، فبنت كل فرقة من الأمم مدنا في أرضها، وأنشئت في زمانه 188 مدينة.
ويقول المؤرخون إنه ينتسب إلى أمة “السريان” أقدم الأمم، وملتهم هي ملة الصابئين - نسبة إلى صابي أحد أولاد شيث – وقد أخذ الصابئون دينهم عن شيث وإدريس، وإن لهم كتابا يعزونه إلى شيث ويسمونه “صحف شيث”، ويتضمن الأمر بمحاسن الأخلاق، والنهي عن الرذائل، وأصل دينهم التوحيد وعبادة الخالق جل وعلا، ودعا إدريس إلى تخليص النفوس من العذاب في الآخرة، والعمل بالعدل، وحض على الزهد، وأمر بالصلاة والصيام والزكاة وغلظ عليهم في الطهارة من الجنابة، وحرم المسكر وشدد فيه.
ذكر بعض أهل التفسير والأخبار أن سيدنا إدريس اشتهر بالحكمة، وقيل إنه كان في زمانه اثنان وسبعون لساناً يتكلم الناس بها، وقد علمه الله تعالى منطقهم جميعا لُيعّلم كل فرقة منهم بلسانهم.
وذكر ابن منظور في مختصر تاريخ دمشق، عن ابن عباس قال إن إدريس أول نبي بعث بعد آدم، فكان بين موت آدم وبعث إدريس مئتا سنة، لأن آدم عاش ألف سنة إلا أربعين عاما، وولد إدريس وآدم حي فمات آدم وإدريس ابن مئة سنة، فجاءته النبوة بعد موت آدم بمئتي سنة، وكان في نبوته مئة وخمس سنين، فرفعه الله وهو ابن أربعمئة وخمس سنين، وكان الناس من آدم إلى إدريس أهل ملة واحدة متمسكين بالإسلام وتصافحهم الملائكة، فلما رفع إدريس اختلفوا وفتر الوحي.
 
 
 
مكاناً علياً
 
 
اختلف العلماء في مولده ونشأته، فقال بعضهم إن إدريس ولد ببابل، وقال آخرون إنه ولد بمصر، والأول هو الأرجح، وقد أخذ في أول عمره بعلم شيث بن آدم، ولما كبر آتاه الله النبوة، فنهى الناس عن مخالفة شريعة آدم وشيث، فأطاعه نفر قليل، وخالفه جمع غفير كانوا من المنتسبين إلى قابيل، فنوى الرحيل عنهم وأمر من أطاعه منهم بذلك فثقل عليهم الرحيل عن أوطانهم فقالوا له، وأين نجد إذا رحلنا مثل “بابل” فقال إذا هاجرنا رزقنا الله غيره، فخرجوا حتى وصلوا إلى أرض مصر فوقف على النيل وسبح الله، وأقام إدريس ومن معه بمصر يدعو الناس إلى الله وإلى مكارم الأخلاق.
سأل ابن عباس كعب الأحبار عن قول الله تعالى عنه “ورفعناه مكاناً علياً” فقال كعب إن الله أوحى إليه، أني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم “من أهل زمانه” فأحب أن يزداد عملا، فأتاه خليل له من الملائكة، فقال له إن الله أوحى إلي كذا وكذا فكلم ملك الموت حتى ازداد عملا، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدرا، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس، فقال: وأين إدريس؟ قال هو ذا على ظهري، فقال ملك الموت يا للعجب، بعثت وقيل لي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض، فقبض روحه هناك.
 
 
 
السماء الرابعة
 
 
المتفق عليه أنه في السماء الرابعة، وهو قول مجاهد وغير واحد، وقد مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإدريس ليلة الإسراء والمعراج، وهو في السماء الرابعة، فسلم عليه فقال: “... فأتيت على إدريس فسلمت، فقال مرحبا بك من أخ ونبي” “البخاري”.
وفي حياة إدريس بدأ الناس محاولة تخليد ذكرى الصالحين منهم ببناء التماثيل لهم للاقتداء بهم، فنهاهم عن ذلك، وكانت تلك بداية ارتكاب المحرمات، وعند وفاته أوصى إدريس ولده أن يخلصوا عبادة الله وحده.
 
 
 
نسبه
 
 
في التوراة هو “أخنوخ” بن يارد بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم كما في سفر التكوين.
وقيل هو إدريس بن يارد بن مهلائيل وينتهي نسبه إلى شيث بن آدم واسمه عند العبرانيين (خنوخ) وفي الترجمة العربية (أخنوخ) وهو من أجداد نوح.
 
 
 
إدريس في الإسلام
 
 
ذكره القرآن الكريم باسمه في سورة مريم، الآيتين 56 و57 حيث قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا aya-56.png وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا 
“إدريس” هو أحد الأنبياء الكرام الذين أخبر الله عنهم في كتابه العزيز حيث ذكر صراحة أنه نبي، وهو ممن يجب الإيمان بهم تفصيلا أي يجب اعتقاد نبوته على سبيل القطع والجزم لأن القرآن قد ذكره باسمه وحدث عن شخصه فوصفه بالنبوة والصديقية. وهو أول بني آدم أعطي النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام، وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثماني سنين. وقد قال طائفة من الناس أنه المشار الية في حديث معاوية بن الحكم السلمي لما سأل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن الخط بالرمل فقال: “ إنه كان نبي يخط به فمن وافق خطه فذاك “.
يؤمن المسلمون بأن النبي محمد بن عبد الله قد قابل “إدريس” في السماء الرابعة أثناء المعراج في رحلة الإسراء والمعراج.
 
 
 
هل هو إلياس 
 
 
ذهب بعض العلماء من الصحابة ومن بعدهم إلى أنهما -أي إلياس وإدريس- اسمان لنبي واحد، وأن إلياس هو إدريس وإدريس هو إلياس، قال يقول ابن كثير في قصص الأنبياء:
   إدريس قال البخاري ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس واستأنسوا. في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس في الإسراء أنه لما مر به عليه السلام أي بإدريس قاله له مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ولم يقل، كما قال آدم وإبراهيم مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح قالوا فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قالا له.
وهذا ما ذهب إليه الضحاك بن مزاحم وحكاه قتادة ومحمد بن إسحاق .
وقد رجح ابن كثير أنهما مختلفان وأن إلياس ليس هو إدريس، فقال: والصحيح أنه غيره كما تقدم.
 
 
 
ولادته وعمره
 
 
وقد اختلف العلماء في مولده ونشأته، قال بعضهم إنه ولد في فلسطين وقال بعضهم إن “إدريس” ولد ببابل، وقال آخرون إنه ولد بمصر وقيل غير ذلك، وقد أخذ في أول عمره بعلم شيث بن آدم، وقد أدرك من حياة آدم 308 سنوات لأن آدم عمر طويلا زهاء ألف سنة. ولما كبر آتاه الله النبوة فنهى المفسدين من بني آدم عن مخالفتهم شريعة آدم وشيث فأطاعه نفر قليل، وخالفه جمع غفير، فنوى الرحيل عنهم وأمر من أطاعه منهم بذلك فثقل عليهم الرحيل عن أوطانهم فقالوا له، وأين نجد إذا رحلنا مثل بابل؟ فقال: الله رزقنا هاهنا وهو رازقنا غيره، فخرج وخرجوا حتى وصلوا إلى أرض مصر فرأوا النيل فوقف على النيل وسبح الله، وأقام إدريس ومن معه يدعو الناس إلى الله وإلى مكارم الأخلاق.
وقد كانت مدة إقامة “إدريس” في الأرض مايقارب ال800 سنة ثم رفعه الله إليه كما ذكر القرآن وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [
 
 
 
أعماله
 
 
وكانت له مواعظ وآداب فقد دعا إلى دين الله، وإلى عبادة الخالق جل وعلا، وتخليص النفوس من العذاب في الآخرة، بالعمل الصالح في الدنيا وحض على الزهد في هذه الدنيا الفانية الزائلة، وأمرهم بالصلاة والصيام والزكاة وغلظ عليهم في الطهارة من الجنابة، وحرم المسكر من كل شي من المشروبات وشدد فيه أعظم تشديد وقيل إنه كان في زمانه 72 لسانا يتكلم الناس بها وقد علمه الله منطقهم جميعا ليعلم كل فرقة منهم بلسانهم. وهو أول من علم السياسة المدنية، ورسم لقومه قواعد تمدين المدن، فبنت كل فرقة من الأمم مدنا في أرضها وأنشئت في زمانه 188 مدينة. ويعتقد بأنه أول من خط بالقلم ودون الصحف التي أنزلت عليه من الله وأنه أول من خاط الثياب البيض زي الصابئة ولبسها.
 
 
 
وفاته
 
 
وقد أختلف في موته، فعن ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف قال: سأل ابن عباس كعبا وأنا حاضر فقال له: ما قول الله لإدريس وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ؟ فقال كعب: أما “إدريس” فإن الله أوحى إليه: أني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم - لعله من أهل زمانه - فأحب أن يزداد عملا، فأتاه خليل له من الملائكة، فقال له: إن الله أوحى إلي كذا وكذا فكلم ملك الموت حتى أزداد عملا، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدرا، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه “إدريس”، فقال: وأين “إدريس؟ قال: هو ذا على ظهري، فقال ملك الموت: يا للعجب! بعثت وقيل لي اقبض روح “إدريس” في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟! فقبض روحه هناك. فذلك قول الله عز وجل وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا. ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها[8]. وعنده فقال لذلك الملك سل لي ملك الموت كم بقي من عمري؟ فسأله وهو معه: كم بقي من عمره؟ فقال: لا أدري حتى انظر، فنظر فقال إنك لتسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين، فنظر الملك إلى تحت جناحه إلى “إدريس” فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر. وهذا من الإسرائيليات، وفي بعضه نكارة.
وقول ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا قال: “إدريس” رفع ولم يمت كما رفع عيسى. إن أراد أنه لم يمت إلى الآن ففي هذا نظر، وإن أراد أنه رفع حيا إلى السماء ثم قبض هناك. فلا ينافي ما تقدم عن كعب الأحبار.
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا: رفع إلى السماء السادسة فمات بها، وهكذا قال الضحاك. والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح، وهو قول مجاهد وغير واحد. وقال الحسن البصري في قوله تعالى وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا قال: إلى الجنة، وقال قائلون رفع في حياة أبيه يرد بن مهلاييل. وقد زعم بعضهم أن “إدريس” لم يكن قبل نوح بل في زمان بني إسرائيل.
قال البخاري: ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو “إدريس”، واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس في الإسراء: أنه لما مر به قال له مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ولم يقل كما قال آدم وإبراهيم: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قالوا: فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قالا له.
وهذا لا يدل ولابد، قد لا يكون الراوي حفظه جيدا، أو لعله قاله على سبيل الهضم والتواضع، ولم ينتصب له في مقام الأبوة كما أنتصب لآدم أبي البشر، وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن، وأكبر أولي العزم بعد محمد صلوات الله عليهم اجمعين.
 
من أقواله وحكمه
 
وقد اشتهر بالحكمة فمن حكمه قوله:
 
«خير الدنيا حسرة، وشرها ندم».
 
«السعيد من نظر إلى نفسه وشفاعته عند ربه أعماله الصالحة».
 
«الصبر مع الإيمان يورث الظفر».