المعجزات تبين قدرة الله عز وجل ولا تضاهيها قدرة أحد. والمعجزة تزيد الرسل تأييدا وتطمئنهم، وتزيد إيمان الناس واقتناعهم بنبيهم وبربهم خالقهم، وكذلك المعجزة تكون حجة الله على خلقه فلو لم تأتهم البينات والادلة لكان حجتهم يوم القيامة بكفرهم أنهم لم يأتهم البلاغ من ربهم، لذا فمن عدل الله تعالى ورحمته إرسال الرسل والانبياء بأدلة وبراهين ومعجزات للناس، ومن ثم يختارون الإيمان بهم أو الكفر ولهم الخيار وعلى الله تعالى الحساب والجزاء.
 والمعجزة  أمر خارق للعادة ، وعندما تأتي على يد أحد الأنبياء تكون من نفس النوع الذي برع به قوم هذا النبي، وهي تعجز الآخرين عن الإتيان بمثلها ، وهناك فرق بين المعجزة والكرامة فالمعجزة خاصة بالرسل والانبياء. أما الكرامة فهي خاصة بأولياء الله الصالحين، كرمهم الله بها للدلالة على صحة الطريقة التي يتبعونها.  
 

- المفسرون اختلفوا في تحديد هويتهم ولكن اتفقوا أن «الرس» بئر عظيم
- كانواعُبَّاداً لشجرة صنوبر غرسها يافث بن نوح وتسمى شاهدرخت

أصحاب الرس هم القوم المذكورون في القرآن في سورة الفرقان وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا و في سورة ق كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ.
هم على قول ابن عباس أهل قرية من قرى ثمود، والرس الذي نسبوا إليه هو بئر في أذربيجان، وسمي هذا البئر بالرس لإنهم رسوا نبيهم فيه “أي أغرقوه فيه ودفنوه” وهم قوم نبي يُقال له حنظلة بن صفوان كذبوه وقتلوه فأهلكهم الله؛ وكانوا عُبَّاداً لشجرة صنوبر غرسها يافث بن نوح وتسمى شاهدرخت.
 
 
مما قيل في كينونة أصحاب الرس
 
 
قيل أنهم أصحاب قرية من قرى ثمود أقيمت على الرس وهو البئر، وأرسل الله إليهم رسول فكذبوه وقتلوه ورموه في ذلك البئر وأغلقوه فوقه؛ فرسا فيه (وقيل رموه فيه حياً). فأهلكهم الله بكفرهم.
وقيل أنهم من أهل مدين، بعث الله إليهم نبيه شعيب، كما بعثه إلى أصحاب الأيكة (شجرة يعبدونها) فكذبوه.. فعذبهما الله بعذابين مختلفين.
 
وقيل هم قوم عبدوا الأصنام وطغوا في كفرهم وعصيانهم، وكانوا يبنون منازلهم حول بئر، فبينما هم حول البئر في منازلهم انهارت بهم وبديارهم، فخسف الله بهم فهلكوا جميعاً.
وقيل أنهم أصحاب يس (من قتلوا حبيب النجار مؤمن آل يس) – فأخذتهم الصيحة (إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29).
 
 
وقيل هم أصحاب الأخدود (وهو قول بعيد لأن أصحاب الأخدود قوم آمنوا بالله فقتلهم ملكهم – وقد أقسم الله بهم في القرآن – فكيف يكونوا هم من أهلكهم الله؟) بدليل قوله تعالى: (وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌِ) والمؤمنون هنا هم أصحاب الأخدود.
 
 
تفسير القرطبي
 
 
قوله تعالى: وعاداً وثمود وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيرا.
 
أي اذكر عاداً الذين كذبوا هوداً فأهلكم الله بالريح العقيم، وثموداً كذبوا صالحاً فأهلكوا بالرجفة.
 
وأصحاب الرس ،والرس في كلام العرب البئر التي تكون غير مطوية، والجمع رساس، قال: تنابلة يحفرون الرساسا يعني آبار المعادن.
 
 
قال ابن عباس: سألت كعباً عن أصحاب الرس قال : صاحب يس الذي قال : يا قوم اتبعوا المرسلين [ يس : 20 ] قتله قومه ورسوه في بئر لهم يقال لها الرس طرحوه فيها، وكذا قال مقاتل.
 
 
وقال علي: هم قوم كانوا يعبدون شجرة صنوبر فدعا عليهم نبيهم، وكان من ولد يهوذا، فيبست الشجرة فقتلوه ورسوه في البئر، فأظلتهم سحابة سوداء فأحرقتهم.
 
 
وقال وهب بن منبه: كانوا أهل بئر يقعدون عليها وأصحاب مواشي، وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم شعيباً فكذبوه وآذوه، وتمادوا على كفرهم وطغيانهم، فبينما هم حول البئر في منازلهم انهارت بهم وبديارهم، فخسف الله بهم فهلكوا جميعاً.
 
 
وقال، وأما أصحاب الرس فقال ابن جُرَيْج، عن ابن عباس: هم أهل قرية من قرى ثمود.
وقال ابن جريج: قال عكرمة: أصحاب الرَسّ بفَلَج وهم أصحاب يس. وقال قتادة: فَلَج من قرى اليمامة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم [النبيل]، حدثنا الضحاك بن مَخْلَد أبو عاصم، حدثنا شبيب بن بشر، حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله: (وَأَصْحَابَ الرَّسِّ) قال: بئر بأذربيجان.
وقال سفيان الثوري عن أبي بُكَيْر، عن عكرمة: الرس بئر رَسوا فيها نبيهم. أي: دفنوه بها.
وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب [القرظي] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود، وذلك أن الله -تعالى وتبارك -بعث نبيا إلى أهل قرية، فلم يؤمن به من أهلها إلا ذلك العبد الأسود، ثم إن أهل القرية عدَوا على النبي، فحفروا له بئرا فألقوه فيها، ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم” قال: “فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره، ثم يأتي بحطبه فيبيعه، ويشتري به طعاما وشرابا، ثم يأتي به إلى تلك البئر، فيرفع تلك الصخرة، ويعينه الله عليها، فيدلي إليه طعامه وشرابه، ثم يردها كما كانت”. قال: “فكان ذلك ما شاء الله أن يكون، ثم إنه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع، فجمع حطبه وحَزم وفرغ منها فلما أراد أن يحتملها وجد سنة، فاضطجع فنام، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائماً، ثم إنه هَبّ فتمطى، فتحول لشقه الآخر فاضطجع، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى، ثم إنه هب واحتمل حُزْمَته ولا يحسبُ إلا أنه نام ساعة من نهار فجاء إلى القرية فباع حزمته، ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يصنع. ثم ذهب إلى الحفيرة في موضعها الذي كانت فيه، فالتمسه فلم يجده. وكان قد بدا لقومه فيه بَداء، فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه”. قال: “فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود: ما فعل؟ فيقولون له: لا ندري. حتى قبض الله النبي، وَأهبّ الأسودَ من نومته بعد ذلك”. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن ذلك الأسودَ لأولُ من يدخل الجنة”. وهكذا رواه ابن جرير—عن ابن حميد، عن سلمة عن ابن إسحاق، عن محمد بن كعب مرسلا. وفيه غرابة ونَكارَةٌ، ولعل فيه إدْرَاجاً ،وأما ابن جرير فقال: لا يجوز أن يحمل هؤلاء على أنهم أصحاب الرس الذين ذكروا في القرآن؛ لأن الله أخبر عنهم أنه أهلكهم، وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم، اللهم إلا أن يكون حدث لهم أحداث، آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم.
 
 
إختلاف المفسرين
 
 
واختلف المفسرون في تحديد هوية أصحاب الرس، ولكنهم اتفقوا على أن «الرس» بئر عظيمة أو حفير كبير، قال ابن عباس، أصحاب الرس أهل قرية من قرى ثمود، والرس بئر بأذربيجان، وقال القرطبي، إن «الرس» في كلام العرب هو البئر التي تكون غير مطوية أي غير مبنية، وقال عكرمة، الرس بئر دفنوا فيها نبيهم، وفي تفسير أبي السعود، أصحاب الرس هم قوم يعبدون الأصنام فبعث الله تعالى إليهم شعيباً فكذبوه، فبينما هم حول الرس إذ انهارت فخسف بهم وبديارهم.
 
وقال الزمخشري، أصحاب الرس، كانوا قوما من عبدة الأصنام أصحاب آبار ومواش، فبعث الله إليهم شعيباً فدعاهم إلى الإسلام، فتمادوا في طغيانهم وفي إيذائه، فبيناهم حول الرس انهارت بهم فخسف بهم وبديارهم.
 
 
جاءت قصة أصحاب الرس، في قول الله تعالى: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا ، وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا)، «سورة الفرقان: الآيتين 38-39»، وقوله: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ، وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ ، وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ)، «سورة ق: الآيات 12 - 14».
 
 
حول البئر ذهب بعض المفسرين إلى أن أصحاب الرس، كانوا يبنون منازلهم حول بئر، فبينما هم حول البئر في منازلهم انهارت بهم وبديارهم، فخسف الله بهم فهلكوا جميعاً، وذكروا أن البئر كانت ترويهم وتكفي أرضهم جميعها، وكان لهم ملك عادل حسن السيرة، فلما مات وبعد أيام، تصور لهم الشيطان في صورته، وقال إني لم أمت، ولكن تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم، ففرحوا أشد الفرح وأمر بضرب حجاب بينهم وبينه، وأخبرهم أنه لا يموت أبدا، فصدق به أكثرهم وافتتنوا به وعبدوه، فبعث الله فيهم نبيا فأخبرهم أن هذا شيطان يخاطبهم من وراء الحجاب، ونهاهم عن عبادته، وأمرهم بعبادة الله، فعدوا عليه فقتلوه وألقوه في البئر، فغار ماؤها وعطشوا بعد ريهم، ويبست أشجارهم وانقطعت ثمارهم، وخربت ديارهم، وتبدلوا بعد الأنس بالوحشة وبعد الاجتماع بالفرقة وهلكوا عن أخرهم، وسكن في مساكنهم الجن والوحوش، فلا يسمع ببقاعهم إلا عزيف الجن وزئير الأسود وصوت الضباع.
 
 
نهر الرس وقيل سموا أصحاب الرس، لأنهم رسوا نبيهم في الأرض، وذلك بعد سليمان عليه السلام وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر يقال له «الرس» من بلاد المشرق، وبهم سمي النهر، ولم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر ولا أعذب منه ولا قرى أكثر ولا أعمر منها، وقد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة وأجروا إليها نهراً من العين، فنبتت الحبة وصارت شجرة عظيمة وحرموا ماء العين والأنهار، فلا يشربون منها ولا أنعامهم، ومن فعل ذلك قتلوه، ويقولون هو حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتنا ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرس الذي عليه قراهم، وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلة من حرير فيها من أنواع الصور ثم يأتون بشاة وبقر فيذبحونها قرباناً للشجرة، ويشعلون فيها النيران بالحطب، فإذا سطع دخان الذبائح في الهواء وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خروا سجداً يبكون ويتضرعون إليها أن ترضى عنهم. فكان الشيطان يجيء، فيحرك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبي أن قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفساً وقروا عينا، فيرفعون رؤوسهم عند ذلك ويشربون الخمر ويضربون بالمعازف، فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ثم ينصرفون.
عيد قريتهم العظمى حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى اجتمع إليها صغيرهم وكبيرهم فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقاً من ديباج عليه من أنواع الصور، وجعلوا له اثنا عشر بابا كل باب لأهل قرية منهم ويسجدون للصنوبرة خارجاً من السرادق ويقربون لها الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة التي في قراهم. فيجيء إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكاً شديداً ويتكلم من جوفها كلاماً جهورياً ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين كلها فيحركون رؤوسهم من السجود، ولا يتكلمون فيكونون على ذلك اثني عشر يوما، لياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون.
فلما طال كفرهم بالله عز وجل وعبادتهم غيره، بعث الله نبيا من بني إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب، فلبث فيهم زماناً طويلاً يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل ومعرفة ربوبيته، فلا يتبعونه، فلما رأى شدة تماديهم في الغي وحضر عيد قريتهم العظمى، قال يا رب إن عبادك أبوا إلا تكذيبي وغدوا يعبدون شجرة لا تضر ولا تنفع، فأيبس شجرهم أجمع وأرهم قدرتك وسلطانك، فأصبح القوم وقد أيبس شجرهم كلها، فهالهم ذلك، فصاروا فرقتين، وأجمعوا رأيهم على قتله، فاتخذوا أنابيب طوالا ونزحوا ما في البئر من الماء، ثم حفروا في قرارها بئرا ضيقة المدخل عميقة وأرسلوا فيها نبيهم، وألقموا فاها صخرة عظيمة، وقالوا نرجو الآن أن ترضى عنا آلهتنا، بقوا يومهم يسمعون أنين نبيهم، حتى مات.
وهم في عيدهم جاءتهم ريح عاصف شديدة الحمرة، فتحيروا فيها وذعروا منها، ثم صارت الأرض من تحتهم تتوقد وأظلتهم سحابة سوداء، فألقت عليهم جمرا، فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص بالنار.
وسياق الآيات يدل على أنهم دمروا وتبروا، وهو الهلاك.
 
 
رواية علي بن أبي طالب
أصحاب الرس فقصتهم كما ورد في رواية عن الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) هي كالتالي :
أتى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم يقال له عمرو .
فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب الرس في أي عصر كانوا ، و أين كانت منازلهم ، و من كان ملكهم ، و هل بعث الله عز و جل إليهم رسولا أم لا ، و بما ذا أهلكوا ، فإني أجد في كتاب الله ذكرهم ، و لا أجد خبرهم ؟
فقال له علي ( عليه السلام ) : “ لقد سألت عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك ، و لا يحدثك به أحد بعدي إلا عني ، و ما في كتاب الله عز و جل آية إلا و أنا أعرف تفسيرها ، و في أي مكان نزلت من سهل أو جبل ، و في أي وقت نزلت من ليل أو نهار ، و إن هاهنا لعلماً جماً ـ و أشار إلى صدره ـ و لكن طلابه يسير ، و عن قليل يندمون لو فقدوني “ .
 
قال : “ كان من قصتهم يا أخا تميم أنهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها “ شاه درخت “ ، كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها “ روشاب “ كانت أنبطت لنوح ( عليه السلام ) بعد الطوفان ، و إنما سموا أصحاب الرس لأنهم رسوا نبيهم في الأرض ، و ذلك بعد سليمان بن داود ( عليه السلام ) و كانت لهم اثنتا عشر قرية على شاطئ نهر يقال له الرس من بلاد المشرق و بهم سمي ذلك النهر ، و لم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه و لا أعذب منه ، و لا قرى أكثر و لا أعمر منها ، تسمى إحداهن أبان ، و الثانية آذر ، و الثالثة دي ، و الرابعة بهمن ، و الخامسة إسفندار ، و السادسة فروردين ، و السابعة أرديبهشت ، و الثامنة خرداد ، و التاسعة مرداد ، و العاشرة تير ، و الحادي عشرة مهر ، و الثاني عشرة شهريورد ، و كانت أعظم مدائنهم إسفندار ـ و هي التي ينزلها ملكهم ، و كان يسمى تركوذ بن غابور بن يارش بن سازن بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم ـ و بها العين و الصنوبرة ، و قد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة و أجروا إليها نهرا من العين التي عند الصنوبرة فنبتت الحبة و صارت شجرة عظيمة ، و حرموا ماء العين و الأنهار فلا يشربون منها و لا أنعامهم ، و من فعل ذلك قتلوه ، و يقولون هو حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتها ، و يشربون هم و أنعامهم من نهر الرس الذي عليه قراهم ، و قد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كُلّه من حرير فيها من أنواع الصور ، ثم يأتون بشاء و بقر فيذبحونها قربانا للشجرة ، و يشعلون فيها النيران بالحطب فإذا سطح دخان تلك الذبائح و قتارها في الهواء ، و حال بينهم و بين النظر إلى السماء خروا للشجرة سجدا ، يبكون و يتضرعون إليها أن ترضى عنهم ، فكان الشيطان يجي‏ء فيحرك أغصانها و يصيح من ساقها صياح الصبي إني قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفسا و قروا عينا ، فيرفعون رءوسهم عند ذلك و يشربون الخمر و يضربون بالمعازف و يأخذون الدستبند ، فيكونون على ذلك يومهم و ليلتهم ثم ينصرفون ، و إنما سمت العجم شهورها بآبان ماه ، و آذر ماه و غيرهما اشتقاقا من أسماء تلك القرى ، لقول أهلها بعضهم لبعض هذا عيد شهر كذا ، و عيد شهر كذا ، حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى اجتمع إليها صغيرهم و كبيرهم فضربوا عند الصنوبرة و العين سرادقا من ديباج عليه من أنواع الصور و جعلوا له اثني عشر بابا كل باب لأهل قرية منهم ، و يسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق و يقربون لها الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة التي في قراهم فيجي‏ء إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا و يتكلم من جوفها كلاما جهوريا و يعدهم و يمنيهم بأكثر مما وعدتهم و منتهم الشياطين كلها ، فيرفعون رءوسهم من السجود و بهم من الفرح و النشاط ما لا يفيقون و لا يتكلمون من الشرب و العزف فيكونون على ذلك اثني عشر يوما و لياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون .