خطت دولة الكويت خطوات مهمة ورائدة في القوانين والتشريعات المعنية في حقوق الملكية الفكرية كان آخرها موافقة مجلس الأمة في بداية شهر مايو الحالي على المشروع بقانون في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة ما يجعلها رائدة في هذا المجال على المستوى الاقليمي.
 وتتنوع أشكال التعدي على حقوق الملكية الفكرية ومنها نسخ الأقراص المدمجة وتقليد العلامات التجارية من شنط وملابس وغيرها حتى الأدوية والمستحضرات الطبية وكذلك يأتي ضمنها حقوق التعليم والمعرفة ما يستدعي تكثيف التوعية لأفراد المجتمع بحقوقهم وواجباتهم في كل ما يتعلق بالحفاظ على حقوق الملكية الفكرية.
 ويختلط الأمر على العديد من الأشخاص حول فهم مصطلح حقوق الملكية الفكرية بمفاهيمها وعناصرها حتى الآن على الرغم من صدور تشريعات بشأنها منذ عام 1962 حيث تناولت تلك التشريعات ولوائحها التفسيرية بيانات واضحة وجلية للمطلع عليها ما يجعلها مرجعا للتعرف على الاجراءات المتبعة بحفظ حقوق الملكية الفكرية وحمايتها والعقوبات القانونية التي تطبق على من يتعدى عليها.
 ولا يعفي الجهل بالقانون من يخالف حقوق الملكية الفكرية بأنواعها من العقوبات لحفظ حقوق الاخرين بما يملكون من ملكيات فكرية من أشكال متعددة من المخالفات منها سرقة منتجات الأفلام والصور والموسيقى وشعارات الصناعات المختلفة مثل الأدوية والساعات والمنتجات المختلفة.
 وانتشرت مظاهر انتهاك حقوق الملكية الفكرية حتى وصلت مخاطرها الى صحة الناس بسبب تقليد الأدوية المتعددة الأنواع لعلاج الأمراض دون رادع من الضمير أو خوف من القانون في مغامرات الجرائم التي يقوم بها البعض من أجل الكسب السريع من خلال التعدي على حقوق اصحاب المنتجات بسرقة منتجاتهم والغش بمكوناتها الصناعية والإساءة لها بسبب التقليد وكأنها الأصل.
 وقامت دولة الكويت اعترافا منها بأهمية حقوق الفكرية بالتوقيع على اتفاقيات عديدة أبرزها اتفاقية (ال ويبو) عام 1999 في المحفل الدولي التابع للامم المتحدة الخاص بتقديم الخدمات والسياسة العامة ونشر المعلومات وسبل التعاون في مجال الملكية الفكرية ما بين دول العالم.
 ووقعت أيضا على اتفاقية (برن) لحماية المصنفات الأدبية والفنية حيث وقعتها الكويت في شهر نوفمبر الماضي وحرصا منها على الملكية الفكرية فقد أشهرت الكويت أول جمعية من نوعها في المنطقة تعنى بحقوق الملكية الفكرية قبل 11 عاما.
 ولتبيان اهتمام دولة الكويت بحقوق المؤلفين من السرقات الأدبية والثقافية وحتى الفنية قامت وزارة الإعلام ايضا في عام 2001 باستحداث إدارة مختصة بشؤون الملكية الفكرية ووضعت من مهامها الأساسية تطبيق قانون حقوق الملكية الفكرية في الكويت.
 وبعد خمس سنوات صدر قرار بنقل تبعية ادارة الملكية الفكرية من وزارة الاعلام الى وزارة التجارة والصناعة بناء على المرسوم الأميري رقم (291/2006) وتم تغيير مسماها حينذاك إلى (إدارة حق المؤلف) ثم صدر قرار من مجلس الوزراء حمل الرقم 1070 بتاريخ 31 أغسطس 2014 بنقل تبعية إدارة حق المؤلف من وزارة التجارة والصناعة إلى مكتبة الكويت الوطنية التابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لتقوم بمسؤولياتها بالإضافة إلى الاشراف على نظام إيداع المصنفات المحمية وفقا للقانون.
 وفي هذا السياق قال رئيس الجمعية الكويتية لحماية الحقوق الفكرية الشيخ سلمان الداود في تصريح لـ (كونا) أمس السبت ان الجمعية طالبت بإنشاء هيئة مستقلة تعنى بقوانين حقوق الملكية الفكرية في البلاد تكون ذات صلاحيات تنفيذية ورقابية.
تطوير سريع
 واضاف الدواد ان أهمية الهيئة تم ذكرها في لائحة النظام الأساسي لعمل الجمعية ومنها نشر الوعي في تطبيق القانون والقوانين التابعة له والمعلومات المحددة للقطاع التجاري الوطني فيما يتعلق بحقوق التأليف والنشر وحقوق العلامة التجارية إضافة إلى حقوق براءة الاختراع مع تقديم المساعدات الاستشارية والفنية للقطاع الخاص حسب احتياجاته.
 وبين ان حقوق الملكية الفكرية من الأنشطة التي تتطور سريعا لأنها مرتبطة بعاملين أساسيين هما تطور الحركة الاقتصادية وتطور النواحي العلمية والثقافية حيث انهما كلما تطورا اقتضى الأمر مقابلهما تطور القوانين.
 واوضح «اننا جميعا نعاني ظاهرة النسخ التي تستنزف موارد الدول المنتجة لأي مصنف عالمي وتقلل من ثقة الآخر في سوقنا التجاري وكذلك ظاهرة تقليد العلامة التجارية حيث ترتبط الظاهرتين بقانونين منفصلين الأول حماية المستهلك والثاني ضبط الجودة».  وذكر ان «المستهلك لا يميز دائما بين العلامة الاصلية والمقلدة مبينا ان الجمعية وجهت كتبا منذ خمس سنوات إلى وكالات قطع غيار السيارات لأنها مرتبطة بسلامة الركاب ولم يتجاوبوا ولا نعرف السبب فبقي السوق المحلي غارقا بقطع غيار مقلدة».
 وعن الغش في الاغذية قال الداود ان الألوان الزاهية في الحلوى وأكياس الطعام تجذب الاطفال ولذلك نجد كثيرا من المواد المضافة لأطعمة الاطفال من مصادر غير صحية مبينا أن الهيئة المقترحة ستضبط كل هذه المخالفات فيكون تحت مظلتها ادارات حقوق الملكية الفكرية وحماية المستهلك وضبط الجودة والادارة العامة للجمارك وادارة المصنفات الفنية والمكتبة الوطنية المختصة بحقوق المؤلف ويتم التنسيق الفعال بينها.
 وأشار الى انه في الوقت الذي تجمع فيه الهيئة كل هذه المؤسسات ستعمل أيضا على تطوير القوانين كما يقتضي التطور العالمي «مما يعزز الثقة في الاقتصاد الوطني لأن المستثمر يبحث عن قوانين تحميه وان كانت سمعة الكويت جيدة لأن لدينا بورصة ذات شفافية وبنكا مركزيا قويا وعملة مستقرة من أقوى عملات العالم وتنوعا في الاستثمارات فلا يتبقى سوى تعزيز ثقة المستثمر في السوق».
 ولفت الشيخ سلمان الى أن كثيرين يعتقدون أن قوانين الملكية الفكرية تقتصر على استنساخ أقراص ال(دي في دي) بينما هذه القوانين تمس حياة الناس في شتى المناحي مبينا ان «الجمعية وجهت كتابا للتعليم العالي لضمان حق الطلاب في المعرفة بدون احتكار شركات انتاج البرامج لها وأن الجمعية سبق واجتمعت ضمن لجنة مكونة من عميد كلية الحقوق الدكتور جمال الكناس وثلاثة أكاديميين اخرين لبلورة قانون حق المعرفة لأولادنا».
واشار الداود الى حماية مستهلك المنتجات الزراعية في الدول الغربية حيث يسأل المنتج عن كيفية انتاجه للثمار وهل هو انتاج حقلي أم داخل المحميات حيث لابد من أن يكتب على السلعة ما يشير الى ذلك كما بدأت شركات اخرى في إصدار تعريفات محددة لكل ثمرة بعد ظهور ثمار هجين وصار لزاما على منتجي العصائر التحديد على العبوة مكوناتها وهل هي عصائر طبيعية أم مجرد شراب مصنع غير طبيعي ما يؤكد أهمية وجود هيئة تواكب كل هذه التطورات العلمية.  وأوضح انه ظهرت أشكال جديدة من التعديات من أمثلتها القنص الأدبي على صفحات التواصل الاجتماعي كما حدث لأحد الشعراء إذ فوجئ بقصائده ممهورة باسم آخر في صفحة من صفحات (الفيس بوك) فسارع إلى أصدقائه وطلب منهم الابلاغ معه عن هذه السرقة وارسال رسائل إلى إدارة الموقع حتى تم إيقاف الحساب المذكور.
حماية الفكرية
 ومن جانبه قال الكاتب الروائي طالب الرفاعي في تصريح مماثل ل(كونا) ان الملكية الفكرية واحدة من أكثر العبارات ترديدا في ساحات العمل الإبداعي والفكري والأدبي لسبب رئيس هو أن ثورة المعلومات وما تبعها من محركات البحث ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي جعلت من المتاح للجميع وفي جميع بقاع الأرض قراءة ومتابعة ونقل كم هائل من المعلومات وهنا تبرز أهمية حماية الفكرة وحماية النتاج الإنساني الشخصي.
 واضاف الرفاعي ان الدول المتقدمة حرصت في العقدين الأخيرين على تامين أعلى قدر ممكن من الحماية للفكرة بما يضمن نسبها لصاحبها الأصلي دون أي مشاركة من أي شخص أو جهة لتكون في مأمن عن أي سرقة قد يطالها وهذا ما يجعل أي دار نشر حريصة على استخراج رقم معياري أو ما يسمى (آي أس بي ان ان) ليكون بمنزلة عنوان عالمي للكتاب وبما يحدد مسؤولية اي شخص أو جهة في حالة قيامه بمس أي مادة موجودة في هذا الكتاب.
 ولفت إلى أن الملكية الفكرية حاضرة ومصانة بقوة في أمريكا والدول الغربية لكنها وللأسف ليست على القدر نفسه من الحضور في الدول العربية وتكاد الساحة الثقافية العربية تشهد بشكل متكرر حوادث اعتداء وسرقة فكرية أو أدبية والسبب ضعف الرقابة من جهة وعدم تشريع قوانين صارمة ورادعة لمعاقبة السارق من جهة ثانية.
 وبين ان العالم الذي يضج بالنتاج الفكري والإبداعي على مداراللحظة يخلق معه أناس يرصدون ما ينشر ويحاولون جاهدين الاستفادة منه ولذا يلزم أن تحرص الحكومة على تفعيل قوانين الملكية الفكرية ومعاقبة كل من يسيء إليها من سراق الحقوق والقيام بالإجراءات المطلوبة بحقهم.  من ناحيتها قالت الكاتبة ليلى أحمد في تصريح مماثل ان القانون يطبق بالكويت «لكننا نعيش في فوضى تشريعية من ناحية الحقوق المدنية» مشيرة الى انه لكي يحصن ويطبق قانون الملكية الفكرية هناك إجراءات رسمية يجب استيفاؤها منها تسجيل المصنف الأدبي المحلي في قسم الملكية الفكرية التابع للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب والمصنف التجاري محلي أو عربي أو عالمي يسجل لدى وزارة التجارة وأنه مع كل هذا فهناك تحايل كبير عليه لا يشمله بنود القانون.  واضافت احمد انها لم تتعرض شخصيا لأي سرقة لملكية فكرية أو اقتباس لكنها شهدت الكثير من السرقات الفنية ذاكرة ان أحد الكتاب منح فنانا كبيرا وهو منتج أيضا نصا مسرحيا لكي يرى إن كان بالإمكان تجسيده على خشبة المسرح أم لا فجمده ذلك الفنان لسنوات طويلة ثم منحه لكاتب غير محترف أضاف له شخصيتين غير مؤثرتين في بنية النص حيث ان قانون الملكية الفكرية يعتبر الإضافة الجديدة بمثابة عمل جديد ينسب للكاتب الجديد ويسجل باسمه وهو ما يحصل في الإذاعة والمسلسلات والبرامج التلفزيونية.
 وأشارت الى ان ذلك يحدث ايضا في المنتج التجاري في العلامات التجارية العالمية للحقائب حيث تجدها صناعات مقلدة للأصلية من صناعة دول آسيوية وتجدها معروضة علنا وبكثرة في الأسواق الشعبية دون خوف من القانون أو تأنيب للضمير.
 وعن الفارق بين توارد الأفكار والنقل اوضحت أحمد ان الفرق كبير بين توارد الأفكار والنسخ فما «لدينا في مسرحيات الطفل تحديدا يعتبر نسخا عن نصوص عالمية» موضحة ان ظاهرة الاقتباسات الفنية شائعة منذ القدم وهناك اقتباسات قام بها ملحنون كبار كالموسيقار محمد عبدالوهاب والأخوين الرحابنة ولكنهم أضافوا لحنهم الخاص عليه وهذا مشروع فقط لو تم ذكر (المازورة) المقتبسة من الفنان العالمي وهذا غالبا لم يحصل.
 وقالت ان مواد القانون فيها قصور وأنه يجب قبل التفكير في تغليظ العقوبات ان يتم تعديل مواد القانون والغاء ثغرات التحايل عليه وثم بعدها تغليظ العقوبات مؤكدة انه من المهم جدا أن يكون هناك وعي عام حول هذا القانون كإدراجه في مناهج التعليم المدرسي لصفوف المرحلة الثانوية على أن تعتبر مادة رئيسية يمتحن فيها الطالب كما انه من الاهمية بمكان اختيار مراقبين قانونيين على كفاءة عالية ومتابعين بضمير حي لكل إنتاج وإصدارات في السوق المحلي.
 وينص قانون حماية الملكية الفكرية الصادر عام 1999 على انه يتمتع بحماية هذا القانون مؤلفو المصنفات المبتكرة في الآداب والفنون والعلوم أيا كانت قيمة هذه المصنفات أو أنواعها أو الغرض من تاليفها أو طريقة التعبير عنها.
 ويعتبر اي شخص مؤلفا اذا ابتكر المصنف أو نسب إليه عند نشره سواء أكان ذلك بذكر اسمه على المصنف أو بأي طريقة أخرى إلا إذا قام الدليل على خلاف ذلك فيما تشمل الحماية المصنفات المكتوبة والمصنفات التي تلقى شفاها كالمحاضرات والخطب والمواعظ الدينية وما يماثلها والمسرحيات والأعمال الموسيقية سواء اقترنت بالألفاظ أم لم تقترن بها والأعمال التي تؤدى بحركات أو خطوات وتكون معدة ماديا للاخراج وكذلك الأعمال السينمائية والإذاعية السمعية والبصرية وأعمال الرسم والتصوير بالخطوط والألوان أو الرسوم البيانية والعمارة والنحت والفنون والزخرفة والحفر والترجمة.
 واما جزاءات القانون فوفقا للمادة 42 منه فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على خمسمئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على حقوق المؤلف وكل من باع أو عرض للبيع أو للتداول أو أذاع على الجمهور بأي طريقة كانت أو ادخل إلى البلاد أو اخرج منها مصنفا مقلدا ويجوز للمحكمة ان تقضي بمصادرة جميع الأدوات المخصصة للاقتباس والتسجيل والنشر.