عبدالرحمن سالم العتيقي
يقول الدكتور عبد المحسن الجار الله الخرافي : وُلد العم عبدالرحمن سالم العتيقي في شهر أبريل من سنة 1928، في فريج العتيقي المعروف باسم «سكة عنزة»، وبدأ تعليمه عند الملا عبدالله عبداللطيف العثمان وهو في السادسة من عمره، ثم التحق بمدرسة المباركية حتى الصف الثاني ثانوي وترك الدراسة بسبب المرض الذي أصاب عينيه، ثم قضى عدة أشهر في المعهد الديني، فدرس الفقه الحنبلي، وترك المعهد في عام 1949، فطلب منه الشيخ صباح السالم رحمه الله، أن يعمل في الشرطة فوافق وعمل مترجماً، ثم انتقل مع الشيخ صباح إلى وزارة الصحة.
ويطول الحديث عن العم عبدالرحمن سالم العتيقي، والمناصب التي تقلّدها في حياته المليئة بالإنجازات والنجاحات، ذات الأثر الطيب في حياته وحياة أهل الكويت، حتى وقع عليه الاختيار في عام 1981 لمنصب مستشار صاحب السمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح رحمه الله.
أعماله الخيرية والاجتماعية:
تعددت الأعمال الخيرية والاجتماعية الرائدة للسيد عبدالرحمن العتيقي، فكان أول عمل اجتماعي له.. المساهمة في تأسيس «جمعية الإرشاد الإسلامي»، حيث كان عضواً فيها، وقد تأسست سنة 1952م (جمعية الإصلاح الاجتماعي الآن)، وكانت تهتم بالأمور الدينية وتربية النشء على الأخلاق الفاضلة.
كما أنه رئيس مجلس إدارة جمعية المعوقين، وهو عضو مؤسس منذ عام 1973م، حيث بدأت الجمعية بأربعة أسرة، و أصبحت تضم أربع منشات بالكويت والجهراء والأحمدي والصليبخات، وميزانيتها السنوية مليون دينار كويتي.
ذكرياته خلال الغزو
العم عبدالرحمن العتيقي قال عن ذكرياته خلال أيام الاحتلال العراقي الغاشم : يكفيني رفقة الرجل الفاضل، صاحب الخلق الكريم الشيخ جابر الأحمد الصباح - رحمه الله - لمدة سبعة أشهر، وهي مدة الاحتلال الغاشم.ومن حسن حظي أن صحبت الأمير الراحل هذه الفترة، وقد كنت حين حدث الاحتلال في الطائرة المتجهة من ألمانيا إلى الأردن، حيث يقيم أهلي خلال الإجازة الصيفية، ثم سألت عن الطائرة الذاهبة إلى الرياض، ومنها إلى المنطقة الشرقية، لأكون برفقة الأمير الراحل الشيخ جابر - يرحمه الله - بالدمام.
دوره في تأسيس «بيتك»
أما عن دور عبدالرحمن العتيقي في تأسيس بيت التمويل الكويتي، فيتحدث عنه العم أحمد بزيع الياسين والسيد بدر المخيزيم قائليْن: «ساهم عبدالرحمن العتيقي في تأسيس بيت التمويل الكويتي، من خلال اتخاذ قرار سياسي بالموافقة على تأسيس «بيتك»، ولا شك أن مثل هذا القرار كان يحتاج إلى جرأة شديدة آنذاك، لحداثة التجربة، وصعوبة تقبل البعض للفكرة، ومما يعرف عن عبدالرحمن العتيقي أنه دخل نظيفاً لوزارة المالية وخرج منها نظيفاً، ولا يزال يخدم الكويت كمستشار بالديوان الأميري». ولندع العم عبد الرحمن العتيقي يروي لنا تفاصيل اهتماماته ومقدمات إنشاء «بيتك».. إذ يقول:
«زارني الأخ أحمد البزيع في وزارة المالية، وطرح علىّ الفكرة، فقلت له: لا يمكن أن تقوم الفكرة، لأن البنوك لها قانون، وهذا لا ينطبق عليه قانون البنوك، ولكي تنجح هذه الفكرة لابد أن تكون بمشروع قانون خاص بها، ولا يمكن في ظل مجلس الأمة أن يطرح قانون لهذا، لأن المعارضين أكثر، وهنا توقف الكلام عن هذه الفكرة.
وفي عام 1976م في شهر يوليو، عٌلّقت المادة الرابعة في الدستور لإعطاء الحكومة فترة أربع سنوات، تراجع فيها الدستور وتدرس تنقيحه، وبالتالي تعطلت الانتخابات وحُلَّ مجلس الأمة، وهنا اغتنمت هذه الفرصة.
وكعادتي في زيارتي لمصر في اجتماعات المجلس الاقتصادي رأيت الدكتور عيسى عبده، وقلت له: «حضّر لنا مشروع قانون إنشاء بنك إسلامي بناء على الفكرة التي سبق أن طرحتها..»، فجهز الفكرة وبعثها إلي في وزارة المالية، واغتنمت الفرصة وذهبت بها إلى الشيخ جابر الأحمد الصباح - رحمه الله - الذي لا يرد راغباً في الخير.
وقلت له: هذا مشروع خير، ولا نستطيع أن نجبر كل الناس للذهاب إلى البنوك القائمة الآن، ولا يمكن تطبيق هذا المشروع إلا بقانون، وهذه فرصة لأنك تستطيع تمرير هذا القانون (وكان رئيس مجلس الوزراء وقتها)، وأعتقد أن هذا خير وبركة للبلد، حيث أننا حققنا لكل إنسان رغبته، فمن أراد البنوك العادية موجودة، ومن أراد بيت التمويل يتفضل، وكان اسمه في البداية مختلفا عن اسمه الحالي، وعندما ذهبنا لمجلس الوزراء لعرض القانون وقعه الشيخ جابر رئيس المجلس مباشرة وبلا تردد، حيث كان - رحمه الله - لا يتردد قيد أنملة، فيما يرى فيه المصلحة والخير.
وأحيل القانون إلى مجلس الوزراء، وحدثت عدة مناقشات لكن تمت الموافقة عليه، وذَللت كل العقبات أمام المشروع بسلام، وعُدل الاسم إلى: بيت التمويل الكويتي»، ثم وقعه الأمير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح.
ويضيف العتيقي قائلاً: «لكي تكون سليم النية لا بد أن تخدم المشروع بلا مقابل، وهذه طريقتي باستمرار، وقد سعيت في سبيل الخير، وليس لي مساهمة في التأسيس ولم أشتر أسهماً، ولم أساهم - طوال حياتي - في أي عمل مالي، لا بنوك ولا غيره، حتى لا يقال سعى في هذا المشروع لغرض في نفسه».
العتيقي وقصة «اسمع يا قذافي »
العم عبد الرحمن العتيقي له موقف تاريخي نضيفه هنا بعيدا عن المادة التي نعرضها كنوع من اطلا الاجيال الحالية بمواقف رجالات الكويت .. يقول الكاتب يوسف عبد الرحمن في مقال له بعنوان « الديبلوماسية الكويتية مدرسة في السياسة الخارجية « نشرته الزميلة الانباء في يناير 2014 : يسجل للعم عبد الرحمن العتيقي المواجهة التاريخية الشجاعة عندما رد بكل شجاعة اهل الكويت على افتراءات واقتراحات القذافي في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في القاهرة عقب الغزو العراقي للكويت . وكان القذافي قد قال في مؤتمر القاهرة الذي عقد عقب الاحتلال العراقي انه على الرغم من رفضه أسلوب الغزو العسكري حتى لو كان الهدف هو الوحدة إلا أن ذلك لا يخفي عن اعيننا الخطر الأكبر الذي يهدد الأمة العربية كلها الآن وهو التدخل الاستعماري الأميركي الذي يعمل لمصلحة إسرائيل في الأساس ويهدد كيان العراق والأمة العربية.
واقترح القذافي ان تبادر مجموعة من الرؤساء والملوك إلى إبلاغ صدام بما اتخذته القمة من قرارات، واقترح أن تتكون هذه المجموعة من الرئيسين مبارك والشاذلي بن جديد والملك حسين وارتأى القذافي أن يكون الحل على أساس انسحاب العراق من الأراضي الكويتية والقوات الأجنبية من الخليج في آن معا وضمان حقوق العراق في أصل النزاع سواء ما يتعلق بالتعويضات أو النفط أو مشكلة الحدود.
وعندها قام مستشار سمو الأمير آنذاك عبدالرحمن العتيقي موجها كلامه للرئيس الليبي، اسمع يا معمر إذا كان الموجودون من أهل الكويت أصلهم وتربيتهم تفرض عليهم تجاهلك وعدم الرد أنا راح أرد عليك.
معمر يرد: من أنت؟
العتيقي: مواطن كويتي: وأنا كمواطن كويتي مستعد للتحالف مع الشيطان لعودة بلدي وطرد الاحتلال العراقي.
حاول ياسر عرفات التدخل، لكن العتيقي نظر إليه قائلا: أنت آخر واحد يحق له الكلام.
وتابع مشيرا إلى ملك الأردن: واللي واقف معاك انتو اللي كنتم تأتون لنا تبكون علشان مساعداتكم المالية وأنت ـ قاصدا الحسين بن طلال ـ كنت تتصل بي شخصيا وتحملني رسائل أغلبها طلب مساعدات مالية علشان أنقلها لسمو الأمير ولم يبخل عليكم، والكويت ما بخلت عليكم وعلى شعوبكم وعلى أنفسكم.
وهنا تدخل أحد قادة دول مجلس التعاون الخليجي مناديا مستشار سمو الأمير قائلا له: ما قلته يا أبوأنور صحيح وردك يعبر عنا جميعا، ويقال ان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله هو من أجلسه بجانبه.
دوره في وزارة الخارجية منذ 1961
الشيخ صباح السالم كان قد اطلع على قدرات الرجل وعرف مواهبه، فحرص على أن يصحبه معه إلى وزارة الصحة بعدما انتقل إليها في سنة 1959م، حيث كلفه بعمل دراسة شاملة لوضع الوزارة بشكل عام، ليقدم اقتراحاته للإصلاح، وعين بعدها في مارس سنة 1959م مديراً لدائرة الصحة ومكث فيها مدة ثلاث سنوات.
وفي منتصف عام 1961م أصدر المرحوم الشيخ عبدالله السالم مرسوما أميرياً بتعيين عبدالرحمن العتيقي، كأول مبعوث دبلوماسي للكويت في الأمم المتحدة، ثم أول سفير لها في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى ترؤسه وفد الكويت في المنظمة الدولية. وقد اعتُمدت أوراقه كسفير للكويت من قبل رئيس الولايات المتحدة آنذاك، في مايو سنة 1962م، ولكن عبدالرحمن لم يكن يشعر براحة، نتيجة مرض والدته وبعده عنها، وصعوبة الاتصال بها آنذاك، حيث كانت المكالمة يتم طلبها لتتوفر بعد أسبوع، وكان فرق التوقيت بين الولايات المتحدة الأمريكية والكويت سبع ساعات، وقد توفي والده أيضاً أثناء وجوده بأمريكا.
وبعد عامين - أثبت فيهما عبدالرحمن العتيقي كفاءته وقدراته التنظيمية والإدارية والسياسية والدبلوماسية - وفي عام 1963م أتاه نبأ وفاة والده، فعاد إلى الكويت لتلقى العزاء، ثم رجع إلى أمريكا، فوجد برقية من أمير الكويت الشيخ عبدالله السالم يطلب منه عودته إلى الكويت، ليتولي منصباً سياسياً مهماً، ويتسلم حقيبة وزارية رفيعة، هي وزارة الخارجية، فعاد إلى الكويت وقابل الأمير فأخبره بالخبر، فطلب منه عبدالرحمن العتيقي إمهاله شهرين لترتيب أعمال السفارة في واشنطن، والمكتب الذي يشرف عليه في نيويورك، ثم تسلم الوزارة، وظل فيها أربع سنوات، قدم فيها الكثير، مثل اتفاقية ترسيم الحدود وتهدئة الوضع مع العراق بعد الإطاحة بعبدالكريم قاسم وغيرها.
وفي سنة 1967م، عين وزيراً للمالية والنفط؛ خلفاً للأمير الراحل الشيخ جابر الذي شغل حقيبة وزارة المالية آنذاك، ثم فصلت وزارتا المالية والنفط، وبقي في وزارة المالية. ومن أبرز الأعمال التي شهدتها وزارة المالية إبان توليه حقيبتها، إنهاء إجراءات امتياز البنك البريطاني، وتحويله إلى بنك الكويت والشرق الأوسط. وقد مثّل الكويت في تأسيس منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط “الأوابك”. وفي النهاية، وتقديراً من صاحب السمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح - يرحمه الله - لخدمات عبدالرحمن العتيقي وكفاءته، وقع عليه الاختيار لمنصب مستشار سموه منذ عام 1981م.