- نظامه الأمني خطف المعارضين وعذبهم حتى الموت ثم ألقى بهم في النهر والمحيط الأطلسي
- النساء كانت شرارة الثورة ضد نظامه القمعي والشعب تعاطف مع مطالب أمهات المتغيبين
- اختلق أزمة جزر الفوكلاند لإلهاء الشعب عن الفشل الاقتصادي  وتلقى هزيمة ساحقة

سنوات حكمه شهدت العديد من الكوارث والانتهاكات التي لا حصر لها، واتهم بقتل وخطف المعارضين بعد اخضاعهم لتحقيقات يتبعها عمليات تعذيب وحشية ثم يلقي بهم من الطائرات في الأنهار والمحيط الأطلسي حتى يخفي جثثهم.
اتهم بالتخطيط لما يطلق عليه في الأرجنتين «الحرب القذرة» ضد معارضي حكمه العسكري في إطار تنفيذه ما يعرف بعملية «خطة كوندور» التي كانت تطبقها ديكتاتوريات بلدان أميركا اللاتينية بشكل مشترك خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.
هو الديكتاتور خورخي فيديلا، أحد رموز الديكتاتوريات العسكرية في أميركا الجنوبية، حكم الأرجنتين بالحديد والنار بعد قيامه بانقلاب عسكري دموري على الرئيسة المنتخبة في السبعينيات من القرن العشرين إيزابيل بيرون، لكن رياح الحرية والديمقراطية جعلته يقضي نحبه داخل السجن لتطوي الأرجنتين صفحة مؤلمة من تاريخها.
كان خورخي فيديلا الحاكم العسكري المطلق للأرجنتين من 1976 إلى 1981، عاشت بلاده في سنوات حكمه فترة اعتبرت بـ «الحقبة السوداء» من قبل منظمات حقوق الإنسان حيث سجن وقتل وشرد مايقارب 30,000 من المعارضين له.
 
 
 
كما شهدت الأرجنتين خلال فترة حكمه سلسلة من الاخفاقات الاقتصادية والاضطرابات الداخلية كما توترت العلاقات مع شيلي, وبرزت المعارضة العالمية لطريقة حكمه بوضوح أثناء كأس العالم لكرة القدم 1978 حيث امتزجت السياسة بالرياضة، وكانت هناك تهديدات بالمقاطعة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وكان النجم الهولندي يوهان كرويف من بين أكبر هؤلاء المعارضين للنظام الحاكم في الأرجنتين الذي كان يترأسه خورخه فيديلا، ورفض السفر إلى هناك بسبب الموقف السياسي هناك.
بداية النهاية
بينما كان الديكتاتور فيديلا يواصل جرائمه في اخفاء المعارضين قسريا ثم قتلهم والقاء جثثهم في النهر، فكانت شرارة الثورة في الأرجنتين عام 1981 أطلقتها أمهات المتغيبين قصريا.
وفيما كانت امهات المتغيبين يواصلن تحركاتهم ضد مماراسات فيديلا بالاحتجاج وتنظيم الوقفات أمام القصر الرئاسي إلا أن قوات الأمن كانت تحاصرهن وتقوم باعتقالات في صفوفهن أو تفريقهن.
وفيما كانت المعارضة الارجنتينة لا تستطيع توحيد صفوفها وأصبحت أفكارهم وتحركات المعارضة لا جدوى لها، لم تيأس المرأة الارجنيتية من حالة القمع في البلاد، بل واصل النساء التجمع أمام القصر الرئاسي في ميدان مايو.
رأي نظام فيديلا أنه لا يوجد خطر من النساء اللاتي يتظاهرن لمعرفة مصير أبنائهن، إلا أن الحركة النسائية بدأت في التوسع بعد اكتساب عطف الشعب الأرجنتيني الذي تضامن مع مطالب الأمهات المشروعة.
 
 
 
 
وبدأت المعارضة تتوحد خلف مطالب الأمهات، كما تضامن مئات الآلاف من الشعب الارجنتيني إلى مطالبهن واتسعت رقعة الرافضين للنظام وبدأ الاحتجاجات العنيفة ضد نظام فيديلا وخرجت مسيرات ضخمة تطالب باسقاط النظام.
وقابل نظام فيديلا العسكري الاحتجاجات بالقمع والرصاص، إلا أن حركة المعارضة بدأت بالتحرك دوليا، وبدأت نظام فيديلا يواجه ضغوطا دوليا متزايدة، كما اشتدت الأزمة الاقتصادية في الارجنتين مما زاد من الغضب الشعبي.
حاول فيديلا مواجهة الغضب الشعبي بالقمع إلا أنه فشل، ما دفعه إلى التفكير في حيلة توحد الشعب الأرجنتين حول حكمه، فما كان إلا أن اختلق الأزمة المعروفة بجزر الفوكلاند.
حرب الفوكلاند
استهدف الغزو الأرجنتيني لجزر «فوكلاند» استعادة السيطرة على تلك الجزر وضمها للأرجنتين من ناحية، وتحويل أنظار الشعب الأرجنتيني عمَّا تعانيه البلاد من أزمات اقتصادية وتزايد معدلات البطالة وتدهور لقيمة العملة من ناحية أخرى، وعلى ذلك كانت قضيَّة الجزر تمثل مخرجاً وطنيا لإعادة ثقة الشعب في النظام العسكري الحاكم، الذي صوَّر العملية على أنها خطوة وطنية شجاعة لاستعادة حقوق الأرجنتين المغتصبة.
وقال فيديلا للشعب أنه اكتشاف ظواهر بترولية في تلك الجزر توحي بأنها غنية بالبترول، في الوقت الذي أشارت فيه جميع التقارير المتعلقة بالصناعات البترولية في الأرجنتين إلى ضرورة العمل السريع من أجل اكتشاف حقول بترولية جديدة، لأن معظم الحقول في المناطق الوسطى والشمالية من البلاد في طريقها إلى النضوب سريعاً، وأن الفشل في العثور على احتياطيات جديدة سيضع الأرجنتين في مأزق اقتصادي خطير.
تلقى خورخي فيديلا هزيمة عسكرية زادت من السخط الشعبي ضد نظامه، واضطر بعدها المجلس العسكري أن يرحل وتمكن الشعب بعد إصرار ومثابرة من تحديد اختياراته، وتمت الإطاحة بفيديلا عام 1981، وبعدها انقلب العسكر على بعضهم بعضًا، لكن سلسلة الانقلابات انتهت وعادت الأرجنتين إلى الديمقراطية بانتخاب أول رئيس مدني وهو راؤول  الفونسين، الذى وصل إلى السلطة عام 1983.
 
 
محاكمة فيديلا
حوكم خورخي فيديلا محاكمة عادلة، فقضى عقوبته منذُ عام 1985 في السجن مدانا بقتل عشرات الآلاف من الأرواح التي أزهقها في خمس سنوات فقط.
وأصدر القضاء بحق فيديلا عام 1985 حكما بالسجن المؤبد بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لكن الرئيس (حينها) كارلوس منعم منحه عفوا عام 1990، ثم أصدرت المحكمة الفيدرالية حكما بإلغاء ذلك العفو أيدته المحكمة العليا في أبريل 2010.
واعتقل مجددا عام 1998 بتهم سرقة أطفال رضع من معتقلين سياسيين ومنحهم لأسر مؤيدة لنظامه في تلك الفترة، وحكم عليه بخمسين عاما باعتباره “مهندس الخطة” ثم حوكم مرة أخرى مع 29 متهما آخرين بتهم انتهاكات لحقوق الإنسان أثناء حكمه، وصدر في حقه حكم بالسجن المؤبد في ديسمبر 2010.
توفي فيديلا في السجن عن عمر ينهاهز 78 عاما، حاملا معه أسرارا لم يكشفها عن عمليات الاختفاء التي ظل وقعها مؤثرا على اجيال من الارجنتينيين لتفشل الأمهات فى استعادة جثث أبناءهم المفقودين، فيما تم احصاء نحو 350 معسكرا سريا للتعذيب والتصفية على كافة الاراضي خلال الحكم الدكتاتوري في الارجنتين.
 
 
نشأة فيديلا
ولد خورخي فيديلا يوم 2 أغسطس 1925 بمدينة مرسيديس غرب العاصمة بوينس أيرس لأب شغل رتبة عقيد جيش، وكان ترتيبه الثالث بين إخوته السبعة، متزوج وله سبعة أبناء.
وعلى خطى أبيه، تابع فيديلا دراسته بالكلية العسكرية الوطنية ابتداء من عام 1942، وتخرج برتبة ضابط في فرقة المشاة، وانضم لصفوف الجيش عام 1944، ثم تابع دراسته بالكلية الحربية من 1952 وحتى عام 1954، وترقي بعدها إلى رتبة ضابط أركان، وعمل بوزارة الدفاع خلال الفترة ما بين 1958 و1960، وتولى إدارة الأكاديمية العسكرية حتى عام 1962.
تولى منصب مدير الكلية العسكرية عام 1971، ثم ترقى تدريجيا ليصل إلى رتبة جنرال، وعين في أغسطس 1975 في منصب رئيس هيئة أركان الجيش.
وأشرف عام 1975 على حملة عسكرية ضد “حركة الشعب الثورية” بمقاطعة تيسمان، أسفرت عن مقتل العشرات من المسلحين اليساريين.
وقاد يوم 24 مارس 1976 انقلابا عسكريا أطاح بالرئيسة إيزابيل مارتينيز دي بيرون، وتولى الحكم من خلال ترؤسه لمجلس عسكري ابتداء من يوم 29 مارس 1976، وأحكم سيطرته على البلاد بكل أشكال وأنواع القمع، حيث فرض الأحكام العرفية، وقام بحظر التظاهر والاحتجاجات، وألغى الدستور، وانتهج نهج جوبلز، وزير إعلام هتلر، بتغييب عقول المواطنين من خلال أبواقه الإعلامية.
وعاشت البلاد تحت حكمه سنوات وصفتها المنظمات الحقوقية بالسوداء أثناء حكمه، وخلفت مقتل ما بين 15 وثلاثين ألف شخص بينما قالت السلطات حينها إن عددهم يقارب ثمانية آلاف.
اعتبر العسكر كل من لم يؤيد صراحة الانقلاب عدوا وعرضوه للقمع، أي السواد الأعظم من القطاعات الاجتماعية، مع الصمت المتواطئ من جانب الطبقة السياسية.
وعلى المستوى الاقتصادي، تبنى سياسة اقتصاد السوق، لكن الدين الخارجي تضاعف أربع مرات، وانخفضت قيمة العملة المحلية عشرة أضعاف، وتزايدت الفروقات بين الشرائح الاجتماعية.
الحرب القذرة
اتهم فيديلا بالتخطيط لما يطلق عليه في الأرجنتين «الحرب القذرة» ضد معارضي حكمه العسكري في إطار تنفيذه ما يعرف بعملية «خطة كوندور» التي كانت تطبقها ديكتاتوريات بلدان أميركا اللاتينية بشكل مشترك خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، وبقتل وإخفاء المعارضين بعد إخضاعهم لعمليات تعذيب وإلقائهم من الطائرات والمروحيات في نهر «لابلاتا» والمحيط الأطلسي لإخفاء جثثهم.
وتسببت ممارسات فيديلا القمعية في ظهور مصطلح “المغيب قسرا” بأميركا اللاتينية، وظهور حركة اجتماعية بالأرجنتين للمطالبة بحقوق وحرية “المغيبين القسريين” قوامها أمهات هؤلاء المغيبين.
من أبشع الجرائم التي نفذها نظام فيديلا، عندما قام بخطف حوالى 500 طفل من ذوي المعارضة ابان فترة الدكتاتورية ومنحوا بالتبني الى مسؤولين او مقربين من النظام لترتبيتهم كجنود له.
وبينما ترى أغلبية الأرجنتينين فيه مجرما وديكتاتورا، يعتبر فيديلا أن معارضي نظامه “كانوا إرهابيين خطرين أو شيوعيين كان يحاربهم الجيش الأرجنتيني، وأنه كان ينبغي تصفية سبعة إلى ثمانية آلاف شخص، كنا نعلم أن ذلك الثمن الواجب دفعه، لكن لم يكن هناك أي حل آخر، إن كنا نريد كسب الحرب ضد المخربين”.