- فرض الطوارئ وأغلق الصحف والمؤسسات الدستورية وامتلأت سجونه بالمعارضين
- شرارة الغضب ضد حكمه اندلعت باغتيال منافسه المعارض «بنينو اكينو»
- أنهك اقتصاد البلاد بالقروض.. و كون ثرورة تقدر بمليارات الدولارات 

 
 
مع وصوله إلى الحكم تحولت بلاده معه إلى الديكتاتورية ونظام حكم الفرد وانتشر الجهل والفقر، وازدادت عمليات الاعتقال والتعذيب، وامتلأت السجون بالمعارضين حتى لا يسمع أي صوت يخالف صوته أو رأي يخالف رأيه.
قام بتزوير الانتخابات وكون ثورة طائلة من أموال الشعب كما أغلق المؤسسات الإعلامية وقيد عمل الصحافة وعلّق نشاطات المؤسسات الدستورية والقضائية إلى أن أصبح يصدر قرارات الإعدام بحق الخصوم من دون محاكمة، ومنح العسكريين المناصب العليا في البلاد.
هو فرديناند ماركوس الذي ولد في 11 سبتمبر 1917 وتوفي في 28 سبتمبر 1989، الرئيس العاشر لجمهورية الفلبين، تولى رئاسة بلاده من 30 ديسمبر 1965 إلى 25 فبراير 1986 عندما فر هو وعائلته بعد إضرابات شهدتها الفلبين ضد حكمه وبناء على نصيحة أمريكية، غادر مع عائلته إلى غوام أولا ثم انتقل إلى هاواي، ومات بعد ذلك بثلاث سنوات، إلا أنه لم يدفن حتى الآن، بسبب إصرار زوجته على دفنه في مقبرة الأبطال القوميين التي يرقد فيها كل رؤساء الفلبين السابقين، إلا أن طلبها يرفض حتى الآن لأن ماركوس كان ديكتاتورا وحكم الشعب بالحديد والنار.
بداية النهاية
 
 
فيما كانت الاضطرابات تشل البلاد بسبب استمرار السياسات القمعية، أقدم ماركوس على اغتيال المعارض “بنينو اكينو» في أغسطس 1980، مما أشعل ثورة غضب في البلاد، وبدأت موجة عارمة من الاحتجاجات، وشارك أكثر من مليونين في مراسم التشييع. 
ظن ماركوس أنه قد تخلص من خصمه العنيد والمنافس له في الانتخابات المقبلة في عام 1986، وكان «أكينو» يمتلك وثائق تتعلق بصحة الرئيس، وقبل اغتياله كان قد وزعها على المقربين له ووسائل الإعلام العالمية بسبب عدم تمكن الصحف الفلبينية من نشر تلك الوثائق بسبب اغلاق الصحف المعارضة وسيطرته على بقية الصحف.
وقامت وسائل الإعلام العالمية بنشر تلك المعلومات الصحف إلى نشرها التي تبرز مرض الرئيس الذي أضحى يعاني من قصور في الكبد وبقع زرقاء في الوجه واليدين وآلام مبرحة في المفاصل مصحوبة بحمى إصابته بالضعف والهزل، وأصبح معها منتفخاً الوجه، خضع على إثرها لعملية زرع كلية اصطناعية بشكل سري في قصره من طرف فريق طبي أمريكي وأصبح ماركوس يعاني من صعوبة في المشي والتنقل، وأوكل لمساعديه بمساعدته على الانتقال من مكان إلى آخر داخل قصره، وأصبح ظهوره في الإعلام قليلا للغاية وبدأت الأنباء تتوالى عن قرب وفاته. 
قررت الولايات المتحدة تغيير من موقفها من دعم نظام ماركوس، وبدأت بدعم المعارضة، بسبب تخوفها من الطاغية العاجز عن حماية قواعدها العسكرية الضخمة في الفلبين وبدأت الولايات المتحدة بتجييش الشعب ضده حتى اصطف كافة أطياف المعارضة والأغلبية الصامتة وراء منافسته كورازون أكينو، التي هددها بالقتل كما فعل لزوجها وتصاعد غضب الشعب الذي أخذ يجوب الشوارع ليلا ونهارا يطالب بإسقاط نظامه.
وكانت الصدمة الكبيرة لنظام ماركوس عندما قرر وزير دفاعه ورئيس أركان الجيش التخلي عنه وقررا دعم منافسته للانتخابات الجديد كوروزان، مُشكلين ضربة قاضية لماركوس الذي عكف على ملازمه قصره طيلة الثمانية عشرة يوما الفاصلة عن يوم الانتخابات الرئاسية ومع استمرار الاضطرابات تدهور الوضع الاقتصادي والأمني للبلاد إلى أصبح الهتاف في الشوارع الموت لماركوس وليس اسقاط ماركوس وفي فبراير 1986 فازت كوروزان أكينو بالانتخابات المبكرة، ورفض ماركوس التخلي عن السلطة فأدخل البلاد في دوامة عنف واضطرابات غير مسبوقة وبدأت حالات انشقاق داخل صفوف الجيش الذي التحم سريعا بالجماهير ورفضت قياداته من الحرس الجمهوري أوامر ماركوس بسحل المتظاهرين وقتلهم خوفا من مذبحة بشرية قد تحدث، بل وانحازوا للشعب ووقفوا ضد الدكتاتور المريض.
وفيما كانت الولايات المتحدة تتابع الموقف عن كثب، دق جرس الهاتف في قصر «ملكانيانجّ» بمانيلا، وكان على الطرف الآخر الرئيس الأمريكى يتحدث من البيت الأبيض.
كانت المخابرات الأميركية قد أبلغت الرئيس ريجان بخطورة الموقف وأكدت له أن حياة الرئيس الفلبينى فى خطر، ولابد من تدخل عاجل لإنقاذ حياته، وجاءت عبارات الرئيس ريجان مختصرة وحاسمة: «سيدى الرئيس ماركوس إن الموقف يوشك أن يفلت من أيدينا، ولم أعد أستطيع حمايتك.. نحن نرحب بك فى الولايات المتحدة، أنت والأسرة ومن شئت من مساعديك.. وهناك طائرة تتجه الآن إلى القصر لتحملكم وسيتولى رجالنا تأمين رحلتكم من القصر إلى الولايات المتحدة».
وعلى الفور، غادر ماركوس مانيلا في 26 فبراير 1986 مُعززا بأربع طائرات أمريكية، وانتهت حقبة ديكتاتورية سوداء من تاريخ الفلبين. وفي عام 1988م أدانت حكومة الولايات المتحدة ماركوس وزوجته إميلدا. وقد شملت الإدانات اتهامهما باختلاس أموال من الفلبين واستخدامها في شراء مبان في الولايات المتحدة. ولكن اشتد المرض على ماركوس، ونتيجة لذلك أسقطت عنه الاتهامات. توفي في منفاه بهاواي، وبرئت زوجته في عام 1990م.
 
 
 
 
وصوله إلى الحكم
 
بعد استقلال الفلبين انتخب ماركوس رئيسًا عام 1965 وسرعان ما بدأ حملة واسعة لتعزيز سلطته على مفاصل الدولة، فأعاد هيكلة الجيش ووضع الأمن والشرطة تحت سلطة القوات المسلحة وأسس فرقة لمكافحة الشغب عزز بها حرسه الجمهوري ووضعها تحت قيادة ابن عمه «فابيان فير» الذي أصبح لاحقًا قائدًا للقوات المسلحة. 
وعمل ماركوس على ضمان ولاء العسكريين له وأغدق عليهم المكافآت ومنحهم سلطات واسعة، وواصل تجميع الثروات بشكل فاحش وأنهك اقتصاد البلاد بالقروض من الدول والمؤسسات الدولية.
وكانت زوجة الديكتاتور الفلبيني «ميلدا» قد استطاعت من توسيع نفوذها في الفلبين وقامت بتوزيع المناصب على اقاربها وبناء ناطحات السحاب في العاصمة مانيلا بصورة استفزت الشعب وانتشر الفساد داخل نظام ماركوس واستولت الحكومة على الشركات الخاصة وقامت بمنحها للمقربين وبدأت المشاكل الاقتصادية ومع اندلعت الاضرابات العمالية، بعد اتساع الهوة بصورة غير مسبوقة بين الأغنياء والفقراء.
ومع انتشار الفساد وتململ الشعب من سياسات ماركوس، بدأت حملات الاحتجاج ضد نظام الحكم الجديد في أواخر الستينيات على شكل اعتصامات نظمها طلاب ومزارعون وعمال ضد سياسات الحكومة.
وشرعت قوى طلابية تابعة للحزب الشيوعي، وقوى أخرى عمالية موالية للكنيسة، بتنظيم احتجاجات واسعة تحولت عام 1971 إلى مظاهرات مطالبة بإسقاط النظام.
اصطدمت الاحتجاجات بالقبضة الأمنية التي فرضها نظام ماركوس التي واجهت التظاهرات بالرصاص وقتل 6 طلاب، الأمر الذي تسبب في تصاعد الغضب فتوسع نطاق الاحتجاجات وشمل الجامعات الفلبينية، إلى أن أعلن عمال النقل إضرابًا عاما تلته مسيرة مشتركة بين العمال والطلاب انتهت بأعمال عنف.
ومع تصاعد الاضطرابات في الفلبين، استطاع ماركوس استغلال مخاوف الولايات المتحدة التي كانت تدعم نظامه من الخطر الشيوعي وأكد للمجتمع الدولي أن الفلبين في معركة حياة أو موت مع الشيوعيين.
وكعادة أي نظام ديكتاتورية، قام بإرهاب الشعب وبث الخوف والرعب في البلاد، فقام بشن هجمات وهمية ضد مسؤولي الدولة، ونفذ تفجيرات في العاصمة مانيلا بهدف كسب التعاطف الدولي حشد الدعم الداخلي والخارجي، ومع تراجع حدة الاحتجاجات، فرض نظام ماركوس قانون الطوارئ في عام 1972.
وفي ظل قانون الطوارئ والأحكام العرفية، قام نظام ماركوس بحل المحكمة العليا، وأغلق الهيئة الدستورية وقضى على أخر ما تبقى من مؤسسات وأغلق المؤسسات الإعلامية والصحف المعارضة.
وبدأ ماركوس في اعتقال وسجن الناشطين المطالبين بالحرية وقام منع التظاهر في عموم البلاد، كما اعتقل القيادات الطلابية والنقابية بما فيهم زعيم الحزب المعارض «بينيجنو أكوينو» المرشح الأقوى لخلافة ماركوس، والذي بقي في السجن حتى 1980 وتشكلت المعارضة المسلحة ضد نظام ماركوس من خلال حركة «الجيش الشعبي الجديد» في الشمال، وهي الجناح العسكري للحزب الشيوعي، والحركة الإسلامية المتمركزة في جزيرة ميندناو في الجنوب.
لم يكن الجيش الشعبي الجديد على تلك الدرجة من القوة ولكن نفوذه توسع مع إعلان قانون الطوارئ وإغلاق المؤسسات الدستورية مما حدا بالمئات من الطلاب للتطوع في صفوفه، لكن ماركوس كان أكثر بطشًا فعمل على قمع هذه الحركة وأرسل 7000 مجند إلى المقاطعات الشمالية، ونجحت عملياته في تقليص متطوعي الجيش الشعبي من 2500 إلى 500 مقاتل بحلول 1974.
وكانت الحركة الإسلامية المسلحة أقوى من نظيرتها الشيوعية وحصلت على دعم من دول مثل ليبيا وماليزيا، إلا أنها لم تكن أوفر حظًا من حيث فشلها في تقويض قوة النظام، فضلاً عن خلافاتها مع المسلحين الكاثوليك.
وكانت الكنيسة الكاثوليكية في الفلبين دائما تحث الشعب على اللجوء إلى العنف المسلح، كما كانت الجهة الوحيدة التي حافظت على استقلاليتها عن النظام، وإبان الإعلان عن قانون الطوارئ تحولت الكنيسة إلى قناة هامة من قنوات المعارضة. وخلال قداس العيد، وجه الكاردينال «جايمي سين» انتقادات حادة لانتهاكات نظام ماركوس بحضور أكثر من 5 آلاف شخص فيما اعتبر أكبر تظاهرة من نوعها ضد ماركوس حتى ذلك الحين، إلا أن الكاردينال رفض بشدة استخدام العنف ضد النظام.
نجحت مساعي الكنيسة في تجنيب الفلبين العنف المسلح، واستطاعت جذب عناصر المعارضة إلى موقف موحد من خلال طاولة حوار واحدة في عام 1980، كما بدأ رموز المعارضة التنسيق فيما بينهم لمواجهة ديكتاتورية نظام ماركوس وبدأت المعارضة في العمل سرا لبدء حركة شعبية سلمية جديدة، وتعاون أعضاؤها مع الكنيسة على كسب الشريحة الصامتة من المجتمع، وأسسوا تنظيمات توجهت للشباب في المناطق النائية لتوعيتهم ضد الخيار المسلح.
في عام 1980 تأسست أيضًا حركة (الأول من أيار) التي انفصلت عن النقابات العمالية الحكومية، وكان لها دور كبير في حشد المسيرات في العام ذاته ومع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية على الحكومة الفلبينية، أجبر ماركوس على إجراء انتخابات مبكرة، و ترشح لخوضها المعارض «بينيجنو أكوينو» من زنزانته وقاطعتها أطياف من المعارضة.
كان قرار ماركوس اجراء انتخابات مبكرة ما هو إلى وسيلة جديدة للتلاعب والهروب من تطلعات الشعب نحو الحرية والديمقراطية الحقيقة، وأعلن ماركوس عن فوزه في الانتخابات إلا أن المعارضة أعلنت أن نظامه سرق الصناديق الاقتراع لصالحه، فخرجت تظاهرات حاشدة.
وواجهت قوات الأمن الاحتجاجات بالقمع وتعرض المئات من الشباب للاعتقال والضرب والسجن.
في 1979 شهدت البلاد تراجعًا اقتصاديًا كبيرًا زاد من حدته سحب صندوق النقد الدولي دعمه للفلبين، مما أجبر كبار التجار على اتخاذ موقف معارض للحكومة، فاضطر ماركوس إلى الإعلان عن إصلاحات جديدة ورفع قانون الطوارئ، لكن فقط بعد أن واصل تنفيذ عمليات اغتيال منظمة ضد المعارضين.