أصدر مركز اتجاهات للدراسات والبحوث الذي يرأسه خالد المضاحكة تقريرا مفصلا حول ذكرى رحيل سمو الشيخ سعد العبد الله ، أمير دولة الكويت السابق، وذلك منذ سبعة أعوام, حيث توفى في الثالث عشر من مايو عام 2008، وقد مر تاريخه بمحطات فارقة مختلفة، شملت الاستقلال والبناء والتحرير والتعمير، صبت كلها في هدف محوري هو الإعلاء من شأن الكويت، ونهضتها وتنميتها، واستقرارها وأمنها، وتماسك وحدتها وقوة لحمتها، في الداخل والخارج، في السلم والحرب، داخل الأسرة الحاكمة ومع قطاعات المجتمع معا، وهو ما برز جليا في كلمته التي ألقاها في افتتاح دور الانعقاد العادي الرابع من الفصل التشريعي التاسع لمجلس الأمة في 15 أكتوبر 2001 حيث قال «إن الكويت أولا.. الكويت أولا.. الكويت أولا».
الأمير الرابع عشر
وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ سعد العبد الله يعد أمير دولة الكويت الرابع عشر من سلسلة حكام آل الصباح التي تولت أمانة الحكم منذ ما يقرب من قرنين ونصف. كما أنه يعد الأمير الرابع منذ الحصول على الاستقلال في عام 1961، وشغل موقع «الرجل الثاني» أي ولاية العهد خلال تولي الراحل الشيخ جابر الأحمد مسند الإمارة في الفترة 1978-2006. وقد عرف عن الشيخ سعد بأنه يعد واحدا من أبرز صناع السياسة الكويتية وخاصة في مجالي الدفاع والأمن، على مدى ما يقرب من نصف قرن، حيث كان نائبا لدائرة الشرطة عام 1954، وبقي في هذا المنصب حتى عام 1959، حيث صدر مرسوم أميري بتعيينه نائبا لدائرة الشرطة والأمن العام بعد دمجهما.
رئيس السلطة التنفيذية
وفي أول تشكيل وزاري بعد الدستور (الذي كان عضوا في لجنة إعداده) شغل الشيخ سعد موقع أول وزير للداخلية في 17 يناير 1962 بعد إعلان استقلال الكويت، ثم تولى منصب وزير الدفاع عام 1964، ليجمع بين المنصبين، ثم شكل المجلس الأعلى للدفاع، وحرص على القيام بجولات خارجية بهدف عقد الصفقات التسليحية وتعزيز القدرات الدفاعية للكويت وتنويع مصادر الحصول على السلاح. كما أنه ظل رئيسا للسلطة التنفيذية لمدة خمس وعشرين سنة حيث تسلم رئاسة الحكومة بالفترة من 16 فبراير 1978 وحتى 13 يوليو 2003، حيث قام خلالها بتشكيل عشر حكومات متعاقبة.
مهام ثلاث
وعلى مدى شغله هذه المسؤولية، اهتم الشيخ سعد بثلاث مهام رئيسية، وهي تجديد المؤسسات ومراجعة السياسات وتجنيد القيادات، حيث أمن بأن التعاون الإيجابي البناء بين المؤسسات الدستورية يمثل القاعدة الأساسية للممارسة الديمقراطية وضمان فعاليتها. كما ساهم الشيخ سعد في إصدار العديد من التشريعات الخاصة ببرامج الرعاية الإسكانية وتنمية العمالة الوطنية ونهضة البلاد العمرانية ومواجهة الأزمات الاقتصادية وتحد التهديدات الإرهابية والسير في إجراء التجنيس والوظائف العامة والضمان الاجتماعي، واجتهد في تحديث المرافق العامة وزيادة الخدمات المقدمة للمواطنين، خاصة في مجالات محددة مثل التعليم والصحة والنقل والمواصلات، فضلا عن عنايته بشؤون الثقافة والإعلام ودعم المؤسسات المرتبطة بشؤون البحث العلمي، بخلاف دعم صندوق احتياطي الأجيال القادمة. 
مهندس التحرير
وكان للراحل دور بارز في تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم، والتي تعد من أصعب فترات تاريخ الكويت الحديث، إذ يعتبر الشيخ سعد المهندس الفعلي لعملية التحرير، نظرا للدور الذي لعبه على الأصعدة الداخلية والإقليمية والعالمية، وإشرافه المباشر على تفاصيل إعاشة الكويتيين الرازحين تحت الاحتلال داخل الكويت وخارجها، إلى جانب دعمه للصامدين وعناصر المقاومة في الداخل، وحشد التأييد العربي والإقليمي والدولي في الدول التي زارها أثناء الغزو وبناء تحالف دولي من 134 دولة شاركت في تحرير الكويت. فقد عرف عن الشيخ سعد أنه لا يفرط في ذرة من تراب الوطن أو حبة من رماله. كما عين حاكما عرفيا على البلاد بعد تحريرها، وتولى عملية ضبط الأمن وقاد جهود إعادة الإعمار، حتى أعلن عن انتهاء فترة الحكم العرفي في خريف عام 1991.
صاحب المجهودين
وقد اتسم الشيخ سعد بالصلابة في مواجهة المشكلات الهائلة التي ألمت بالدولة بعد التحرير، حيث ترأس اجتماعات مجلس الوزراء، وحرص على إظهار هيبة الدولة وتعاملها مع «فلول الاحتلال» وإعادة مرافق الدولة للعمل مرة أخرى بشكل يغلب عليه الكفاءة ووضع خطط إعادة العمالة الوافدة الشريفة للمشاركة في معركة إعادة البناء والتعامل مع مشكلة إطفاء آبار النفط (بلغت 732 وفقا لبعض التقديرات) التي أشعلها الجنود العراقيون، وتم الانتهاء منها في سبعة أشهر فقط. لذا، لم يكن غريبا أن يطلق على الشيخ سعد صاحب المجهودين» قائد التحرير وإعادة الإعمار». 
شيوخ الهيبة
وبذلك يؤكد «اتجاهات» أن الشيخ سعد العبد الله الصباح، الابن الأكبر للشيخ عبد الله السالم الصباح الملقب بأبي الاستقلال، ينتمي إلى «شيوخ الهيبة»، في التعامل مع القضايا وتحليل المواقف، واستخدام الموارد وتوظيف القدرات، والذين تواصل عطاؤهم وتراكم رصيدهم، في قيادة الحركة وتوجيه المسار من الإمارة إلى الدولة، في شكل أقرب إلى الخط المستقيم بين أمراء رحلوا وأمراء جاءوا، ليضعوا بصمات قوية في جبين الوطن.