تعيش السينما الايرانية ذروة الازدهار والتألق على المستوى العالمي بعد حصدها للعديد من الجوائز في المهرجانات والمسابقات الدولية في السنوات الاخيرة وذلك رغم الصعوبات التي تواجهها في الداخل.
وما يزيد من قيمة هذه النجاحات هو وجود شروط الرقابة الصارمة من السلطات الايرانية التي تهدف الى ضمان انسجام نصوص الافلام ومحتواها ومشاهدها مع الحالة الاجتماعية والمعتقدات الدينية والثقافية في المجتمع الايراني الامر الذي ساهم في ان تنتج هذه السينما مجموعة من الاعمال ذات القيمة الفنية العالية.
ونالت هذه السينما التي شقت طريقها بسرعة وصعوبة نحو الشهرة العالمية اعجاب الكثير من المشاهدين والنقاد السينمائيين العالميين لانها استطاعت بخصوصيتها الفريدة تحقيق النجاح بعيدا عن مشاهد الاثارة والاغراء والعنف التي غالبا ما تشتهر بها السينما الغربية.
ولابد هنا من الاشارة الى ان المخرج والسيناريست الايراني الراحل عباس كيارستمي كان بمثابة بوابة ايران نحو العالمية من خلال مجموعة من الاعمال ذات القيمة العالية والمرموقة التي قدمها للسينما الايرانية ابرزها فيلم (طعم الكرز) الذي فاز بالسعفة الذهبية بمهرجان كان عام 1997.
ورغم المكانة المرموقة التي تحتلها السينما الايرانية على الصعيد الخارجي لاسيما بعد فوزها ولاول مرة في تاريخها بجائزة الاوسكار في عام 2012 عن فيلم (انفصال نادر عن سيمين) للمخرج الشهير اصغر فرهادي فانها باتت تعاني في الاعوام الاخيرة من انكماش جمهورها المحلي الذي ترك مقاعد صالات العرض شاغرة.
وفي هذا الصدد يقول الممثل الايراني الشاب عباس غزالي في تصريح لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم ان خلو شباك التذاكر وصالات السينما من الرواد يعود الى عدة اسباب منها عدم جودة بعض صالات العرض وضعف محتوى الافلام.
واضاف غزالي الى حد ما يعود ذلك ايضا لارتفاع تكاليف الحياة وقيمة التذاكر وانتشار ظاهرة استنساخ الافلام عبر الاقراص المدمجة بأسعار رخيصة وبعد فترة وجيزة جدا من عرضها في قاعات السينما العالمية دفعت البعض للعزوف عن السينما المحلية.
واعرب عن اعتقاده ان هذه امور تظل هامشية موضحا ان "اصل المشكلة تعود الى جودة الفيلم ومحتواه والتي ينبغي ان تكون بالمستوى المطلوب التي تلبي طموح المشاهد".
ولفت الى ضعف الامكانيات المتاحة امام السينمائيين الايرانيين قائلا " كنا في السابق نعاني من قلة المهارات والمواهب البشرية مع وفرة في المعدات التقنية لكننا اليوم نعيش عكس تلك الحالة حيث اصبحنا نمتلك غزارة في المواهب مع ضعف الامكانيات اللوجستية ".
واعرب عن تفاؤله بتحسن مبيعات شباك التذاكر مع دخول موجة جديدة من السينمائيين الشباب الذين يأخذون على عاتقهم مهمة دفع الحركة الفنية في ايران الى الامام.
واضاف ان السينما الايرانية تحمل الكثير من مقومات النجاح وهذا ما جعلها تتميز في المهرجانات الدولية وتكسب احترام الاخرين على رغم من تمسكها بالأصالة والثقافة الخاصة بها والالتزام بقيمها.
واعتبر ان هذا الالتزام لم يحد من حركة وتطور السينما في بلاده "بل شاهدنا الجوائز العالمية التي حصلت عليها لدى مشاركاتها الدولية خاصة جائزة الأوسكار عام 2012 التي سلطت الاضواء العالمية اكثر على هذه السينما".
ومن جانبه عزا المواطن الايراني قاسم هاشم آبادي الذي يعمل في احد دور العرض في العاصمة طهران في تصريح مماثل ل(كونا) سبب تراجع اقبال الافراد الايرانيين على السينما الى قلة الاعمال الفاخرة المعروضة حاليا على الشاشات.
وقال هاشم آبادي الذي يعمل منذ 35 عاما في هذه المهنة انه " عندما يعرض احد الافلام لمدة شهرين على الشاشة فهذا مؤشر على عدم وجود الاعمال ذات القيمة الفنية والفكرية الجيدة الامر الذي انعكس سلبا على شباك التذاكر ".
واضاف " اذا كان محتوى الفيلم جيدا عندها ستمتلئ المقاعد بغض النظر عن سعر التذكرة " مشيرا الى المبيعات الجيدة التي حققها فيلم (البائع) للمخرج اصغر فرهادي والفيليمين الكوميديين (50 كيلو من الكرز) للمخرج الشاب ماني حقيقي و(أنا لست سالفادور) للمخرج منوجهر هادي.
ولفت الى ان تشابه السيناريوهات واقتباس القصص المتكررة ربما ساهم في عزوف الناس عن السينما فضلا عن قلة الافلام الفكاهية خاصة اذا ما اخذ بنظر الاعتبار ان البعض يرتاد السينما للمتعة والتسلية.
ووصف هاشم ابادي فترة التسعينات من القرن المنصرم بالعصر الذهبي لدور العرض " التي كان يصطف الناس في طوابير امامها ".
وحول ما اذا كانت اجهزة التواصل الالكترونية العصرية قد ساهمت في تراجع عدد رواد السينما اوضح هاشم آبادي " لا اعتقد هذا هو السبب الرئيسي لان الكثير من الافراد سيما عشاق الفن السابع يفضلون مشاهدة الافلام عبر الشاشة العملاقة لما لها من متعة خاصة ".
وفي هذا الصدد يقول الممثل المخضرم علي نصيريان "ان انتاجنا السينمائي لا يرتقي الى المستوى المطلوب مع وجود العدد الهائل من الطاقات والمواهب الفنية وذلك بسبب ضعف التخطيط والاستثمار" فيما اعرب زميله همايون ارشادي عن امله بان يتم انتشال السينما من هذا الواقع وان تتجاوز مرحلة الركود والتراجع الذي تعيشه منذ سنوات.
وتنتج ايران سنويا 80 فيلما يتوقع ان تتخطى عائداتها هذا العام 30 مليون دولار امريكي لتستعيد عافيتها بعد فترة من الركود شهدت هبوطا كبيرا في عائداتها بالاعوام الماضية وصلت الى اقل من 10 ملايين دولار.
وتعرض هذه الافلام في 250 دار للسينما منتشرة في 60 مدينة فقط في حين حرمت اكثر من الف مدينة ايرانية من وجود صالة للعرض وتمتلك العاصمة طهران وحدها 106 قاعات عرض سينمائية.
ويعود تاريخ هذه السينما العريقة الى ما قبل 100 عام أي سنة 1900 عندما كان الملك الايراني مظفر الدين شاه في رحلة الى عدد من البلدان الاوروبية حيث اشترى في وقتها اول آلة تصوير ونقلها الى بلاده إلا ان الحقبة الذهبية لهذه السينما بدأت متأخرة أي اوائل عقد التسعينات بوصول اول افلامها الى المهرجانات الدولية.
وافتتحت اولى صالات العرض السينمائي في ايران عام 1904 بطهران ويعتبر فيلم (دختر لر) (الفتاة اللرية) عام 1940 اول فيلم ايراني ناطق والذي صوره عبدالحسين سبنتا حيث حظي وقتها باقبال كبير من قبل الجمهور وشکل نقطة بداية لصناعة الافلام في ايران.