قال التقرير الصادر عن البنك الوطني امس الاثنين أظهر اقتصاد عمان العديد من المؤشرات التي تنذر بتباطؤ النمو وذلك تماشيا مع تمسك السلطات بالسياسة المالية التقشفية. وشهدت ثقة المستثمر تراجعا كما قامت السلطات بتقليل عدد المشاريع وواجهت الأسواق المحلية تراجعا ملحوظا. ومن المتوقع أن تسجل عمان عجزا ماليا خلال العامين 2016 و2017 إثر استمرار تدني أسعار النفط الأمر الذي سيفرض على السلطات اتباع سياسة مالية تقشفية. إذ قدمت السلطات خطة من شأنها ترشيد وتيرة الإنفاق المتزايدة ورفع مستوى الإيرادات وذلك بعد أن فشلت الإصلاحات السابقة في ترك أثر ملحوظ على المالية العامة خلال العام 2015. ومن المحتمل أن تضرّ هذه الإصلاحات الجديدة بمستوى الطلب المحلي ومعدلات النمو على السواء. كما تشكل السيولة أيضا مصدر قلق رغم أنها بدأت بالتحسن قليلا بعد إصدار سندات عالمية مرتين خلال العام.

وقد استمرت السلطات في الوقت ذاته بتقديم العديد من الإصلاحات وتحسين العلاقات التجارية التي من شأنها دعم النمو على المدى المتوسط إلى المدى البعيد. إذ تبذل الحكومة حاليا جهدا كبيرا لتنويع الاقتصاد بعيدا عن القطاع الحكومي من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والاستثمار الأجنبي لرفع معدلات النمو في القطاع غير النفطي. ومن المحتمل أن تشكل العلاقة الوطيدة بين عمان وإيران مصدر دعم للاقتصاد غير النفطي والقطاع المالي.

 

الناتج المحلي

اظهرت النتائج الاولية نمو الناتج المحلي الحقيقي السنوي في 2015 بنسبة 5.7 بالمئة متفوقا على تقديراتنا للعام والبالغة 3.5 بالمئة. وجاءت الزيادة نتيجة انخفاض في مكون «ضرائب ناقص الاعانات على المنتج». وقد جاء هذا التحسن على خلفية سياسة الترشيد وخفض الدعوم التي اتبعتها الحكومة عام 2015.

ولا تزال هنالك توقعات بتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى متوسط 2.1 بالمئة خلال العامين 2016 و2017 تماشيا مع الضغوطات التي سيفرضها خفض الإنفاق على ثقة الاقتصاد غير النفطي مقابل قوة الانتاج النفطي. ولا تزال ثقة المستهلك ضعيفة لا سيما مع تأثر التوقعات بارتفاع أسعار الجازولين والدعوم الأخرى. كما تنذر مؤشرات الأسواق بوجود تباطؤ في النمو. فقد تراجع عدد العقود العقارية بواقع 4 بالمئة على أساس سنوي في سبتمبر من العام 2016 بينما تراجعت إيرادات الفنادق للشهر الثاني على التوالي بواقع 2 بالمئة على أساس سنوي خلال أغسطس من العام 2016. في الوقت نفسه استمر عدد السيارات المسجلة بالتراجع رغم تحسنه قليلا وذلك بواقع 7 بالمئة في سبتمبر من العام 2016. وبلغ انتاج النفط بالمقابل أعلى مستوياته متخطيا متوسطه البالغ مليون برميل يوميا في الأشهر الأخيرة ما ساهم في رفع توقعاتنا لنمو الناتج المحلي الإجمالي النفطي الحقيقي إلى 2.5 بالمئة من 1.7 بالمئة.

 

 العجز المالي

تخطى العجز المالي الحكومي توقعات الميزانية نظرا لفشل السلطات في خفض المصروفات. إذ تشير البيانات الأولية إلى اتساع العجز إلى 4.4 مليار اعتبارا من أغسطس 2016 مرتفعا عن توقعات الحكومة في الميزانية البالغة 3.3 مليار ريال لكامل العام 2016 ما أدى إلى رفع التوقعات. حيث من المتوقع أن يتسع العجز إلى 5.1 مليار ريال أو 19.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لكامل العام 2016. ومن المتوقع أن يتقلص العجز إلى 13.5 بالمئة في العام 2017. 

ويرجع هذا الاتساع الكبير في العجز إلى بقاء مستويات المصروفات الجارية دون تغيير يذكر والالتفات بدلا إلى البنود الأقل تكلفة في الميزانية. فقد تراجعت المصروفات الجارية بواقع 1.3 بالمئة فقط خلال أغسطس 2016 دون تغيير في المكونين الأكبر حجما من بين بقية المكونات الثانوية. فقد ظلت المصروفات العسكرية ثابتة وتراجعت مصروفات الوزارات المدنية التي تضم الرواتب بنسبة طفيفة بلغت 1.5 بالمئة. حيث أعلنت السلطات مسبقا عن اعتزامها خفض المصروفات المدنية بواقع 10 بالمئة في 2016 إلا أن ذلك يبدو بعيدا عن الواقع. ويعكس هذا صعوبة التغير ضمن بيئة ترتفع فيها التوجهات الشعبوية وتزايد المخاطر الجيوسياسية. وتراجعت في الوقت نفسه المصروفات الاستثمارية بواقع 2.8 بالمئة على أساس سنوي. 

وقد قدمت السلطات حزمة من الإصلاحات بشأن ترشيد الإنفاق في العام 2016 في ظل تراجع أسعار النفط. فقد تم رفع أسعار البنزين ورفع الرسوم الحكومية وضرائب الشركات وخفض الإنفاق في المؤسسات الحكومية. كما قامت السلطات مؤخرا بخفض المزيد من الدعوم ورفع الرسوم وتقديم الخصخصة. إذ ستخفض الحكومة الدعم وترفع أسعار الكهرباء على أصحاب الاستهلاك الثقيل خلال يناير من العام 2017 كما تم رفع الرسوم على تأشيرات الوافدين. كما تنوي الحكومة أيضا جمع ملياري دولار بعد بيع عدد من الشركات التي تملكها السلطنة.

وقد تمكنت السلطات من تمويل العجز بسهولة لما تملكه السلطنة من حيز جيد للاقتراض. فبجانب إصدارها لسندات عالمية بقيمة 2.5 مليار دولار في يونيو قامت السلطنة ببيع سندات عالمية أخرى بقيمة 1.5 مليار دولار وصكوك بقيمة 0.5 مليار دولار في الربع الثالث من العام 2016 والتي لاقت اهتماما واضحا من قبل الدائنين الدوليين. وتتطلع السلطات إلى تمويل 60 بالمئة إلى 70 بالمئة من العجز الجاري من خلال إصدار السندات العالمية. ولا يزال مستوى الدين في عمان ضئيلا مقارنة بالدول الأخرى عند 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015 ومن المتوقع ان يرتفع إلى 23 بالمئة بحلول نهاية العام 2016 وإلى 30 بالمئة بحلول نهاية العام 2017.

 

 تحسن السيولة

شهدت السيولة المصرفية تحسنا بعد نشاط إصدار السندات في يونيو 2016 وحافظ الائتمان الممنوح للقطاع الخاص على متانته محققا اعتدالا ليصل إلى نسبة جيدة بلغت 10 بالمئة على أساس سنوي في أغسطس 2016 ويبدو أنه سينهي العام عند نفس المستوى.

توقف التراجع في نمو الودائع المصرفية. فقد تسارعت ودائع القطاع الخاص مرتفعة في الربع الثالث من العام 2016 بعد أشهر من التراجع بينما توقفت الودائع الحكومية عن تراجعها الذي دام ثمانية أشهر في أغسطس 2016 مضيفة 850 مليون ريال في مايو حتى أغسطس. وقد أدى ذلك إلى تراجع نسبة القروض إلى الودائع لتصل إلى 104 بالمئة. وتراجعت أيضا أسعار فائدة الإنتربنك مسجلة متوسط 0.37 بالمئة في الربع الثالث من العام 2016 متراجعة عن متوسط الربع الأول من العام ذاته والبالغ 0.58 بالمئة. 

لا يزال القطاع المالي في عمان يتمتع بأوضاع متينة. إذ تشير البينات ربع السنوية الأخيرة (مارس 2016) للبنك المركزي، إلى أن مخاطر الائتمان لا تزال منخفضة مع بلوغ القروض المتعثرة في السداد 1.75 بالمئة من إجمالي القروض. كما ارتفعت أيضا الرسملة لتصل نسبة الكفاءة الرأسمالية إلى 15.8 بالمئة في الربع الأول من العام 2016 وبلوغ المستوى الأول من نسبة الرسملة 13 بالمئة في نهاية العام 2015.

أسعار المستهلك

ارتفع معدل التضخم بعد أن قامت السلطات بخفض الدعوم مؤخرا. ومن المتوقع أن يحافظ على ارتفاعه في السنوات القادمة تماشيا مع استمرار السلطات بتحرير أسعار الطاقة والسلع والخدمات ما سيقابل التراجع في أسعار المواد الغذائية والطاقة العالمية. إذ نتوقع معدل التضخم في عمان بواقع 1.5 بالمئة في العام 2016 وبواقع 2.2 بالمئة في العام 2017. وقد ارتفع التضخم في سبتمبر بنسبة جيدة بلغت 1.4 بالمئة على أساس سنوي نتيجة تزايد أسعار السكن والمفروشات المنزلية والنقل والمواصلات.

 

سوق مسقط للأوراق المالية يتفوق على أسواق المنطقة  

استفادت الأسهم العمانية من استقرار أسعار النفط العالمية. فقد ارتفع مؤشر مسقط بواقع 1.4 بالمئة منذ بداية السنة المالية اعتبارا من أكتوبر 2016 متصدرا بذلك أداء الأسواق الإقليمية. وقد تم تقديم العديد من الضوابط الجديدة خلال نوفمبر التي من شأنها إنعاش التداول. وقد يكون لهذه الضوابط أثرا واضحا على حركة السوق لا سيما وأن ثقة المستثمرين لا تزال تواجه ضغوطات إثر تدنّي أسعار النفط.