يستهل سوق النفط الخام العام الجديد على خطوة تاريخية طال انتظارها حيث يبدأ تطبيق أول اتفاق لخفض الإنتاج بين 22 دولة من «أوبك» والمنتجين المستقلين بحجم 1.8 مليون برميل يوميا، حيث يتوقع المختصون أن يكون له انعكاسات إيجابية واسعة على استعادة التوازن السوقي بعد قرابة ثلاثة أعوام من تراجع الأسعار بسبب اختلال العلاقة بين العرض والطلب نتيجة تخمة المعروض وتفوقه على الطلب بنحو مليوني برميل يوميا.
واتفاق خفض الإنتاج الذي بدأت أولى بشائره أمس كان ميلادا صعبا وبعد مخاض عسير، سبقه على مدار العام المنصرم مفاوضات ومباحثات مكثفة بين منتجي النفط في العالم، تعثرت منها العديد من المحاولات قبل أن تظهر طاقة النور في أخر النفق وبالتحديد في اجتماع الجزائر في 28 (سبتمبر) الماضي حيث فاجأت «أوبك» السوق لأول مرة بالتوافق بين أعضائها على خفض إنتاج دول المنظمة مجتمعة إلى مستوى 32.5 مليون برميل يوميا.
وتوقع المختصون أن تكون بداية تفاعل السوق اليوم مع تطبيق خفض الإنتاج قوية كردة فعل أولى على هذا الاتفاق الذي وصفته أغلب المؤسسات المالية والاقتصادية في العالم بأنه تاريخي ومحوري وسيشكل ملامح جديدة لسوق النفط حول العالم.
وفي هذا الإطار، توقع لـ الاقتصادية»، الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، أن يحصد النفط الخام خلال الأسبوع الجاري مكاسب سعرية جيدة وربما يسجل الخام قفزات مرتفعة في الأسعار بسبب بدء تطبيق اتفاق خفض إنتاج النفط الخام إضافة إلى الأجواء التفاؤلية المحيطة بالاقتصاد العالمي في العام الجديد.
وأشار ديبيش إلى أن فائض المخزونات وتخمة الإمدادات ستتقلص تدريجيا مع مرور الوقت وذلك في ضوء توقعات بتطبيق ناجح والتزام جيد لاتفاق خفض الإنتاج متوقعا أن يبلغ السوق حالة جيدة من التوازن بحلول منتصف العام الجاري وبالتزامن مع موعد إعادة تقييم اتفاقية خفض الإنتاج منوها إلى أن أغلب الظن أن الأسعار ستكون ما بين 65 و70 دولارا للبرميل.
من ناحيته، يقول لـ «الاقتصادية»، الدكتور آمبرجيو فاسولي مدير مركز دراسات الطاقة في مدينة لوزان السويسرية، أن اللجنة الخماسية المعنية بمراقبة اتفاق خفض الإنتاج تطلع بمهام جسام وستكون بمنزلة رمانة الميزان التي تضمن بلوغ الاتفاق مستويات النجاح المأمولة عبر تقييم أداء المنتجين ومدى التزامهم بالحصص المتوافق على تخفيضها وفق اتفاقي فيينا الأخيرين.
إلى ذلك، أوضح لـ «الاقتصادية»، ردولف هوبر الباحث والمختص في شؤون الطاقة، أن ما تم الاتفاق على خفضه من إنتاج النفط لا يمثل سوى 2 بالمئة من المعروض العالمي، وهو غير كاف لإنعاش الأسعار بشكل مستدام مشيرا إلى أن التوقعات تصب في أن الأسعار ستصل إلى مستوى 70 دولارا خلال شهور قليلة ولكن على الأرجح لن يكون من السهل الحفاظ عليها طويلا.
وأشار هوبر إلى أن الحفاظ على نمو الأسعار بشكل مستدام يتطلب تطوير الاتفاقية وتوسيع مستوى خفض الإنتاج الذي يبلغ – وفق الاتفاق الجديد – 1.2 مليون برميل يوميا إلا أنه ما زال يقل عن فائض المعروض العالمي والذي يبلغ مليوني برميل يوميا ولذا يجب أن يقدم المنتجون بعد ستة أشهر وبعد انتهاء مدة الاتفاقية على تجديدها وفق مستويات خفض إنتاج أكبر للوصول إلى حالة التوازن الكامل في السوق والقضاء على فائض الإمدادات والمخزونات.