هل يقترب الاتحاد الأوروبي من لحظة الحقيقة، ويدرك قادته أن حلم الوحدة لم يكن أكثر من سحابة صيف حان لها أن تنقشع؟ وإلى أي مدى ستصدق توقعات بعض السياسيين والاقتصاديين بأن الاتحاد الأوروبي في طريقه إلى الانهيار؟
وهل يمكن أن تصديق تكهنات مفكرين اقتصاديين بأنه إذا صمد الاتحاد الأوروبي حتى عام 2025 فإن ذلك يعد إنجازا تاريخيا؟ وماذا عن هؤلاء الذين تصل قناعتهم إلى حد اليقين بأن السنوات الخمس المقبلة ستشهد خروج دولة تلو الأخرى من عضوية الاتحاد؟
عديد من الدراسات التي صدرت أخيرا والندوات والمحاضرات التي عقدت في العاصمة البريطانية لندن سعت للإجابة على تلك الأسئلة، يحركها في ذلك تصاعد نبرة الرغبة أو التهديد بالانسحاب من عضوية الاتحاد في بلدان مثل اليونان وبريطانيا، واكتساب أحزاب يمنية رافضة للوحدة مزيدا من النفوذ السياسي في بلدان مثل فرنسا وبعض بلدان أوروبا الشرقية.
وفي استقطاب لوجهات نظر عدد من الاقتصاديين الذين ينتمون إلى مدارس اقتصادية مختلفة حول توقعاتهم تجاه مستقبل هذا التكتل الاقتصادي العالمي، والتعرف على البدائل المتاحة أمام الاقتصاد البريطاني، إذا ما انسحبت لندن من عضويته، حيث أكدوا أن الخسائر الاقتصادية من تفكك الاتحاد ستكون أكثر من انتهاء فكرة الاتحاد الأوروبي.
رئيس معهد الدراسات الاستشرافية في جامعة إكسفورد البروفسير أندروا برين ، يعتبر أن الإبقاء على الاتحاد الأوروبي قرار استراتيجي يصعب التراجع عنه الآن، لكنه يقول إن فكرة الاتحاد لا تزال تدور في فلك وقناعات القادة الأوروبيين فقط، وليس القطاعات الرأسمالية الصغيرة والمتوسطة، التي تعد العامل الحاسم في تحديد مصير أوروبا.
لكن الواقع العملي لم يسمح لهذا التصور النظري بالتحقق بصورة تامة، كما ذكر البروفيسور الاقتصادي، فحدة المنافسة الاقتصادية بين البلدان الأوروبية لا تزال قائمة في عديد من المجالات، والخلاف ظاهر في قضايا مصيرية كالهجرة.
وأضاف برين «لكن المشكلة الكبرى التي لا تجعل فكرة الاتحاد مغرية بالنسبة للكثيرين، هي فشل السياسات الاقتصادية في أن تحقق انعكاسا ملموسا على طبقة رجال الأعمال الصغيرة والمتوسطة، فهذه الطبقة لا تزال ترى أن السوق المحلية وليست السوق الأوروبية هي العامل الأساسي لازدهارها ونموها».
واعتبرت الاستشارية في الاتحاد الأوروبي الدكتورة أماندا جوي أن الاتحاد يقف عند مفترق طرق، وأن الوضع الراهن لا يمكن له أن يستمر، لكنها تحذر من حدوث خلط بين الحاجة الاقتصادية إلى الاتحاد والحاجة السياسية إليه.
وقالت إن الخطورة تكمن في أن يكون قرار الاستمرار سياسيا فقط، ومن وجهة نظرها إذا حدث هذا فإن الانهيار سيكون حتميا، حتى إن ظلت ألمانيا تضخ المليارات من العملة الأوروبية لإبقاء الفكرة حية.
أستاذ الاقتصاد الأوروبي في جامعة إيست لندن الدكتور بيل باكستر أحد المؤيدين لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويعتقد الخروج منه سيكشف عن الوجه الحقيقي للاتحاد باعتباره محاولة ألمانية - فرنسية للسيطرة على أوروبا وتوجيهها في المسار الذي يبتغيانه.
ويشير باكستر إلى أن سعى الاتحاديين إلى الترويج إلى أن اتحاد أوروبا سيجعل لها وضعا اقتصاديا عالميا مميزا، وأنها بوحدتها ستتمكن من مواجهة الدب الروسي، وأن تكون ندا اقتصاديا وعسكريا للولايات المتحدة لم يتحقق، وفي قناعته فإن مشكلة المهاجرين القادمين من بلدان العالم الثالث وتحديدا إفريقيا ستؤدي حتما إلى تفكك الاتحاد، لأنه لا يوجد أي اتفاق أوروبي بشأن كيفية التعامل معها.