يشتهر في عرف الماليزيين بأن يكون أول سؤال يصدر منهم عند لقاء صديق أو اجنبي بعد القاء التحية أو قبلها هو (داه ماكان بلوم؟) وتعني "هل تناولت طعامك أم لا؟" الا ان هذا السؤال الفضولي يثير غضب العديد من المغتربين هنا والسياح الأجانب باعتباره تدخلا في خصوصياتهم.
 
ويعتبر هذا أحد الطرق المنتشرة في ماليزيا لتكوين الصداقات وتعزيز العلاقات حيث تعتبر الأطعمة والمأكولات أكثر ما يميز الثقافة الماليزية التي تختزل ارث وتاريخ أهم المطابخ الآسيوية من خلال مكوناتها العرقية وهي الملايوية والصينية والهندية.
 
وقال أستاذ التواصل الثقافي في الجامعة الماليزية الدكتور ماهزان أحمد بهذا الصدد في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) "إن عادة السؤال عن تناول الطعام" عرفت منذ القدم وتعني اهتمام السائل بالشخص الذي امامه ومحاولة للاقتراب منه سواء كان ماليزيا أم غير ماليزي.
 
واوضح أن المأكولات تلعب دورا مهما في الثقافة الماليزية حيث يعتبر تناول المأكولات مع اشخاص آخرين رمزا للمحافظة على الصداقة وتقوية التواصل الاجتماعي بالاضافة الى كونها عادة لاظهار حسن الضيافة والكرم داخل المنزل وخارجه.
واضاف "قد يدعوك السائل بهذا السؤال الى تناول الطعام في مطعم من مطاعم الشوارع أو بيته وقد يكون سؤالا عابرا فقط وذلك لبدء الحديث معك".
 
ودعا الاجانب الى تفهم هذا الامر عند الشعب الماليزي حيث قال "لا تلومونا فلدينا تنوع في الثقافات ما يجعل المطبخ الماليزي غني بالأطعمة المتنوعة والتي أثرت على انطباعات وتصرفات وحديث الشعب وشكلت ثقافة بحد ذاتها".
وأكد أن الأطعمة في الثقافات الانسانية لم تعد مجرد منتجات استهلاكية فحسب بل أصبحت جزءا لا يتجزأ من الثقافة المحلية للتواصل مع العالم الخارجي موضحا أن عملية التواصل من خلال الأطعمة تختلف من ثقافة إلى أخرى حسب المكونات البيئية والفكرية في المحيط الثقافي.
 
أما الشيف الماليزي والممثل الكوميدي رضوان إسماعيل ويعرف باسم (شيف وان) فقال في تصريح مماثل ل(كونا) "إذا أردت مصادقة ماليزي فادعوه الى تناول الطعام أو انتظر دعوته لك".
واضاف "نحن نعلم اننا شعب يعشق الأكل ولا أعرف لماذا يشعر الماليزيون دائما بالجوع" مضيفا "أن أكلاتنا تعرف ثقافتنا ولا شيء غير ذلك فالطعام هو هويتنا".
واوضح أن ظاهرة التجمع على مائدة الطعام هي عادة سائدة في ماليزيا حيث يظهر ذلك جليا في الأعياد والمهرجانات المختلفة للأعراق الرئيسية في البلاد.
 
وتطرق الى عادة تعرف بالبيت المفتوح أو (روماه تيربوكا) والذي ينشر فيه ما لذ وطاب من الأطعمة لاسيما في عيدي الفطر والأضحى عند المسلمين الملايو وغيرهم وعيدي (ديبافالي) و(تاي بوسام) عند الهنود وعيدي رأس السنة الصيني والأنوار عند الصينيين مشيرا الى أنها أعياد رسمية للدولة وعطل رسمية في البلاد.
واستدرك قائلا "قد يعتبر الغرباء أو الأجانب هذا السؤال نوعا من أنواع التطفل والفضول الا أن الماليزيين يعتبرون ذلك من باب المشاركة الاجتماعية" وذلك ملاحظ عند مصادقتك للماليزيين حيث ينتهجون مبدأ "ما هو لك هو لي وماهو لي هو لك" وقد لا تستغرب أن يشاركك كأس الشرب نفسه.
 
وعلى صعيد متصل تحكي السائحة الأمريكية جيسيكا أونيل في مدونتها الالكترونية بأنها استغربت في البداية من توجيه هذا السؤال لها من أشخاص لا تعرفهم الا أنها تفهمت الوضع بعد ذلك قائلة "هذا السؤال يشعرك بأنك في منزلك أو بين أسرتك حيث لا يسألني هذا السؤال سوى والدتي وهو شعور جميل".
 
واعربت أونيل عن حبها لطريقة الماليزيين في تجمعهم على الطاولات في مطاعم الشوارع لمناقشة أمور عديدة في الحياة اليومية وتناول الطعام لاسيما في أوقات مباريات كرة القدم أو تنس الريشة قائلة "من لم يخض هذه التجربة الثقافية الرائعة فكأنه لم يزر ماليزيا".
 
ولعل ثراء المطبخ الماليزي يعتبر سببا رئيسا في تأثر الحياة اليومية للشعب الماليزي بكل ما هو متعلق بالمأكولات والأطعمة بالاضافة الى حب هذا الشعب للأكل فقد يتناول في اليوم الواحد خمس وجبات وهناك طرفة ماليزية معروفة تقول "إن الماليزي إما أنه يأكل أو هو ذاهب لتناول الأكل أو أنه فرغ لتوه من ذلك".