تسود حالة من الترقب انتظارا لما سيسفر عنه الاجتماع الوزاري لمنظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» الذي يعقد يوم الجمعة المقبل في مقر المنظمة في العاصمة النمساوية فيينا، وتسبقه ندوة دولية يشارك فيها أغلب الوزراء في الدول المنتجة تحت مظلة «أوبك» وخارجها.
 
وتوقع مختصون نفطيون أن تستمر حالة التذبذب في أداء سوق النفط في الأسبوع الجديد، مشيرين إلى أن الاجتماع يعقد في ظروف أقل توترا نسبيا من الاجتماع السابق، ولكن تعود قضية خفض الإنتاج لتلقي بظلالها على الاجتماع، خاصة في ضوء عودة إنتاج النفط الأميركي الصخري للارتفاع وتنامي الدولار الأميركي ووفرة المعروض على سوق النفط العالمي وكلها عوامل تضغط من جديد في اتجاه خفض الأسعار، التي كانت قد تحسنت كثيرا منذ بدء العام الجاري وعوضت بعض خسائرها السابقة.
 
وقال رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة الدكتور فيليب ديبيش، إن ارتفاع الإنتاج الأميركي قبيل انعقاد المؤتمر الوزاري لمنظمة أوبك يمثل نوعا من الضغط الجديد على المنظمة لبحث قضية خفض الإنتاج ولكن المنظمة وضعت استراتيجية منذ الاجتماع السابق تركز على عدم استهداف مستويات سعرية معينة والتركيز على المنافسة والحفاظ على الحصص السوقية.
وأشار ديبيش إلى أن هذا الاجتماع يجيء وقد زاد عدد الدول المقتنعة بضرورة عدم خفض الإنتاج من داخل «أوبك» وخارجها، حيث أعلنت روسيا قناعتها بعدم ضرورة خفض الإنتاج في ضوء التحسن التدريجي في مستويات الأسعار في السوق كما تستعد إيران لطفرة في صادراتها النفطية بمجرد رفع العقوبات الاقتصادية وتأخذ العراق نفس المنحى وتسعى إلى زيادة صادراتها بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها واعتمادها على النفط الخام بنسبة كبيرة.
 
وأوضح ديبيش أن تسارع وتيرة الإنتاج الأميركي لن تغير منهج «أوبك»، حيث إن الوتيرة كانت أسرع أثناء الاجتماع السابق في (نوفمبر) الماضي وتمسكت أوبك بسقف إنتاجها المستقر منذ تسع سنوات عند 30 مليون برميل يوميا ونجحت في الوصول إلى صادرات قياسية خلال الشهور الماضية في ظل استمرار تحسن الأسعار.
 
وتوقع ديبيش أن تتمسك أوبك وروسيا بحجم الإنتاج، متوقعا استمرار تأثير وفرة المعروض في الأسعار. واعتبر الرهان الأكبر الآن على تحفيز مستويات الطلب العالمي وعلاج مشكلات الانكماش الاقتصادي في عديد من الدول.
 
وذكر ديبيش أن الإنتاج الأميركي سيعود إلى التقلص مرة أخرى إذا تراجعت الأسعار، خاصة أن هناك عوامل ضاغطة أخرى على الأسعار ومنها نمو الدولار وعودة ارتفاع مستوى المخزونات النفطية في الولايات المتحدة.
 
من جهته، يرى سباستيان جرلاخ رئيس مجلس الأعمال الأوروبي، أن حالة عدم الاستقرار في السوق ستستمر بعض الوقت بسبب وجود عديد من العوامل القوية الدافعة لارتفاع الأسعار والأخرى الدافعة لانخفاض الأسعار حيث تتنازعان التأثير في السوق وأن الأمر يجيء في إطاره الطبيعي بسبب حالة الانخفاض الحادة التي مر بها السوق في النصف الثاني من العام الماضي ولكن السوق يستعيد أداءه القوى تدريجيا.وأضاف جرلاخ أن الأسبوع الجاري الذي سيشهد اجتماع «أوبك» لا شك أن السوق خلاله سيكون في حالة من الترقب انتظارا لنتائج الاجتماع والتفاهمات المتوقعة في الندوة الدولية التي تسبق الاجتماع، مشيرا إلى أن «أوبك» تسعى دوما إلى استقرار السوق وزيادة كفاءته ومن المتوقع أن طفرة العرض الذي عانتها السوق في الفترة الماضية ستظل مؤثرة بعض الشيء ولكن من الواضح أن السوق تصحح نفسها بنفسها وأنها تتجه في أغلب الأحيان للارتفاع والعودة إلى مستويات الأسعار المناسبة للمنتجين والمستهلكين.وشدد جرلاخ على أهمية تأمين إمدادات الطاقة خاصة في عديد من بؤر التوتر في الشرق الأوسط وتحجيم نشاطات التنظيمات المسلحة التي تهدد حاليا بالسيطرة على المنشآت النفطية في سرت في ليبيا وغيرها من البلاد.
ونبه جرلاخ إلى ضرورة التنسيق بين المنتجين والمستهلكين من جانب وبين المنتجين وبعضهم بعضا في الاجتماعات المقبلة للوصول إلى أفضل صيغ التعاون والحفاظ على استقرار ونمو السوق وتقليل الفجوة بين العرض والطلب.
 
ويعتقد مارتن جورجييف المختص النفطي البلغاري، أن التحسنات في مستويات الطلب العالمي ورفع أغلب المؤسسات المالية لتوقعاتها لأسعار النفط الخام جعلا فرص تراجع الأسعار محدودة ومؤقتة مشيرا إلى فكرة خفض الإنتاج كانت أكثر إلحاحا في الاجتماع السابق لأوبك حيث كانت الأزمة في ذروتها أما الاجتماع الجديد يجيء وقد اقتنع عدد كبير من المنتجين الكبار بنجاح استراتيجية الحفاظ على مستويات الإنتاج وتصحيح السوق لنفسه تلقائيا.وأضاف جورجييف أن انتعاش النفط الصخري مؤقت وأن الحفارات النفطية ستعود إلى التوقف بمعدلات متسارعة من جديد لأن المنافسة وضح فيها تفوق الإنتاج التقليدي على نحو كبير ودون الوصول إلى تقنيات عالية تخفض إنتاج الصخري من الصعب أن يعود بقوة إلى المنافسة.وأشار جورجييف إلى أن التقارير الاقتصادية تؤكد وجود انكماش في الاقتصاد الأميركي وضعف في مستويات الطلب، ولكن الدراسات المستقبلية تؤكد أن مركز ثقل الطلب العالمي يتجه بقوة نحو الدول النامية التي تتسارع فيها معدلات الاستهلاك لتلبية أغراض التنمية خاصة في دول آسيا.وفي رأي جورجييف فإن تباين الآراء والمواقف بين المنتجين في الاجتماعات المقبلة سيكون أقل مما سيسهل عمل المنظمة في الفترة المقبلة خاصة مع تبني روسيا و»أوبك» التوجهات نفسها حول الحفاظ على الإنتاج وفى الوقت نفسه تبني سياسات وبرامج تعاون لمساعدة الدول الأكثر تضررا من انخفاض الأسعار مثل فنزويلا والجزائر.وكانت أسعار النفط الخام الأميركي قد اختتمت الاسبوع الماضي على ارتفاع أعلى حاجز 60 دولارا للبرميل وسط الاستقرار السلبي لمؤشر الدولار الأميركي وفقا للعلاقة العكسية عقب التطورات والبيانات الاقتصادية التي تبعتها عن الاقتصاد الأميركي التي أوضحت انكماش أكبر اقتصاد في العالم خلال الربع الأول بنسبة 0.7 بالمئة وفقا للقراءة الثانية للناتج المحلي الإجمالي الأميركي.