لكل أمة من أمم الارض علماء في شتى المجالات الدينية والدنيوية ويكونون محل تقدير واحترام تلك الامم لدورهم في بناء مجتمعاتهم دينيا وفكريا وثقافيا .. والامة الاسلامية مثل باقي الامم لها علماء مسلمون ارسوا دعائم العلوم الدينية والدنيوية وكانوا منارات هداية ليس للعرب والمسلمينن فقط بل للعالم اجمع ، وساهموا في بناء حضار اسلامية في بغداد والقاهرة و دمشق والقيروان والاندلس تلك الحضارة علمت العالم اجمع وقت ان كان ظلام االجهل يلف اوروبا في القرون الوسطى.
ومن الغريب ان هناك من بين المسلمين في هذا الزمان من ارتفع صوته بإهانة الصحابة رضوان الله عليهم وبتحقير كل علماء الاسلام من صدر الاسلام وحتى الان بحجة واهية وهي تجديد الخطاب الديني والتنوير وغيرها من المسميات البراقة التي يراد بها باطل وهو تحقير العلماء .. وبينما تفتخر الامم الاخرى برموزها وعلمائها يريد منا البعض ان نتبرأ من فقهاء الامة الاسلامية الذين اجتهدوا في وضع قواعد العلوم الفقهية والشرعية .!! وعلينا ان ندرك ذلك المخطط الخبيث ..  فما يحدث من هجوم على أئمة المذاهب الفقهية الاربعة وغيرها من المذاهب وعموم علماء الدين الاسلامي من هنا او هناك هدفه إلقاء التراب على كل شيء جميل وعظيم في تاريخنا الإسلامي خاصة الفقهاء والعلماء الذين خدموا الدين الاسلامي  وأسسوا قواعد العلوم الشرعية على مر السنين .. واجتهدوا في استنباط الأحكام الشرعية ... وان كانوا قد اختلفوا في عدد من القضايا  وأسس كل واحد منهم مذهبا فقهيا مستقلا إلا ان اختلافهم كان رحمة بالامة .
وما يدعو للأسف الشديد بأن الكثير من العلماء العباقرة العرب والمسلمين الذين قدموا للبشرية عصارة أفكارهم وساهموا مساهمة فعالة في تطور الحضارة الإنسانية أن تبقى أسماؤهم وأعمالهم مغيبة من ضمير أبناء هذه الأمة وأجيالها وصار بعضهم يسخرون من ماضي أجدادهم الذين سادوا العالم بالعلم في وقت كان العالم غارقاً بالجهل والظلام رغم ان الإنجازات والإسهامات الهائلة للمسلمين التي شملت جميع فنون العلوم والمعرفة ما كانت لتكون لولا هذا الدين العظيم دين الإسلام .
وامام هذه الهجمة الشرسة علينا جميعا ان نفتخر بأجدادنا أئمة المذاهب الفقهية وان نفتخر بعلماء وفقهاء الامة الاسلامية عبر العصور فهؤلاء هم فخرنا وعزنا ودليل نهضتنا الاسلامية قديما وعلى خطاهم نسير لاحياء الامة من جديد .. فمن المسلمات شرعاً وعقلاً أن علماء الأمة الإسلامية هم خيارها عند الله تعالى ، لما عرفوا من الحق كما قال تعالى : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ). [المجادلة/11] من أجل ذلك كله كان العلماء قديماً وحديثاً محط أنظار الأمة الإسلامية ، الذين يؤمل فيهم ما لا يؤمل في غيرهم من النصح للأمة ورعايتها وحمايتها وتفوقها . والعلماء هم الذين تعلموا العلم وأتقنوه وعقلوه ، وعملوا به وعلموه ، العدول الذين استقاموا لله تعالى بالدين والمروءة الذين يخشونه ولا يخشون أحداً سواه . و عالم الشريعة هو الذي يبين شريعة الله وأحكامها ويدعو الناس إليها, والعلماء هم أمناء الله على خلقه،‏ وهذا شرف للعلماء عظيم، ومحل لهم في الدين خطير؛ لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين، وتأويل الجاهلين، والرجوع والتعويل في أمر الدين عليهم، فقد أوجب الحق سبحانه سؤالهم عند الجهل، فقال تعالى: &O4831; فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ &O4830; (سورة النحل: 43).
والمتأمل في أعماق التاريخ الاسلامي والغائص في لُجَتِه؛ ليخرج منه بالعجب العجاب ، فأنت كلما نقبت وقلَّبت في صفحات التاريخ؛ وجدت الكثير والكثير من الفوائد والعبر، والتي قل من عرفها واستفاد منها، فعنصر الشخصية وتأثيرها في البناء الفكري والثقافي للأمم والشعوب؛ كان أمرًا متواترًا عبر التاريخ الإنساني عامة ، ولك أن تتأمل ذلك في شتى المجالات العلمية والاجتماعية والدينية . وقام عدد من العلماء المسلمين بإسهامات عديدة في العلم في مختلف المجالات على فترات متعاقبة من الزمن، كل على حسب اهتماماته سواء كانت علمية تطبيقية أو دينية أو لغوية أو فلسفية أو اجتماعية. فقد قدم ابن سينا كتاب القانون في الطب الذي أضحى مرجعاً أساسياً في الطب لفترات طويلة، كما أن ابن خلدون هو أول من تكلم عن علم العمران، ويعتبر بذلك مؤسس علم الاجتماع الحديث. أما ابن الهيثم فيعتبر المؤسس الأول لعلم المناظر ومن رواد المنهج العلمي. كما عرض الخوارزمي في كتابه (حساب الجبر والمقابلة) أول حل منهجي للمعادلات الخطية والتربيعية، ويعتبر مؤسس علم الجبر. كما برز الإدريسي في الجغرافيا ورسم الخرائط، وقد برز غيرهم الكثير اللذين تمت ترجمة مؤلفاتهم إلى اللاتينية واللغات الأجنبية الأخرى. وقد كان هنالك من هم رعاة للعلم والعلماء من الخلفاء منهم هارون الرشيدوأبو العباس عبد الله المأمون واللذي يعد نفسه عالماً والمعتصم بالله والمتوكل على الله والحاكم بأمر الله، وغيرهم من اللذين عملوا على دعم العلماء في علومهم. 
و “ الوسط “ تنشر على حلقات خلال شهر رمضان المبارك سير مجموعة من علماء الاسلام في مختلف العلوم الدينية والدنيوية من فقهاء ومفسيون محدثين مؤرخين وعلماء في مختلف المجالات قديما وحديثا ،  لابراز دورهم في بناء النهضة الاسلامية قديما فضلا عن تناول سير علماء مسلمون في العصر الحديث ساهموا في يقظة المجتمعات الاسلامية وتقوية الايمان بدين الله في مشارق الارض ومغاربها ، وسنذكر معلومات عن تلك الشخصيات وحياتهم و إنجازاتهم و أدوارهم المهمة منها ما قد نكون سمعنا عنها ومنها ما قد نكون لا نعلم شيئا عنها ليكون هؤلاء العلماء قدوة للاجيال الحالية لصناعة مستقبل مشرق لامتنا العربية والاسلامية .
الامام أبو حنيفة « 80 – 150 هـ 
في احد ايام العام 120 من الهجرة في عهد الدولة الاموية .. وبعد ان انتهى المصلون من صلاة العصر في مسجد الكوفة منارة العلم والعلماء في عصور الاسلام الاولى .. توجهوا الى حيث مجلس الفقه الذي كان يلقيه شيخهم حماد بن أبي سليمان الذي توفي البارحة .. فوجدوا في مجلسه رجلا في الأربعين من عمره ليس غريبا عليهم فقد كان حتى الامس في مقدمة صفوف تلاميذ شيخهم حماد ..  الا انه اليوم صار عالما يدارس تلاميذه – الذين كانوا زملائه حتى سويعات مضت  - ما يعرض له من فتاوى، وما يبلغه من أقضية، ويقيس الأشياء بأشباهها، والأمثال بأمثالها، وقبل انتقاله لدراسة الفقه .. كان له وهو في العشرين من عمره، حلقة خاصة في مسجد الكوفة للحديث في علم الكلام ومجادلة اتباع الفرق الكلامية ..  وعاش 52 سنة من حياته في العصر الأموي، و18 سنة في العصر العباسي، فأدرك دولتين من دول الإسلام ، حتى وضع تلك الطريقة الفقهية التي اشتُق منها المذهب الذي سمي باسمه وانتشر من بعد وفاته في المشارق والمغارب .. كانت قصة وفاته مثالا لصبر العالم أمام بطش السلطان ... حيث رفض تولي ولاية القضاء في بداية حكم الدولة العباسية فكان نصيبه السجن والجلد .. والموت ولم تنحني رأسه حتى لقي ربه .
إنه الإمام أبو حنيفة النعمان صاحب مذهبَ أهل الرأي في الفقه ، وهو أقدم المذاهب الأربعة، وقد نشأ المذهب الحنفي بالكوفة موطن الإمام أبي حنيفة، ثم تدارسه العلماء بعد وفاة شيخه ببغداد، ثم شاع من بعد ذلك وانتشر في أكثر البقاع الإسلامية، فكان في مصر والشام وبلاد الروم والعراق وما وراء النهر، ثم اجتاز الحدود فكان في الهند والصين، حيث لا منافس له ولا مزاحم، ويكاد أن يكون هو المنفرد في تلك الأصقاع إلى الآن.
هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفيّ (80-150هـ / 699-767م) فقيه وعالم مسلم، وأول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي. اشتهر بعلمه الغزير وأخلاقه الحسنة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: «من أراد أن يتبحَّر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة»، ويُعد أبو حنيفة من التابعين، فقد لقي عدداً من الصحابة منهم أنس بن مالك، وكان معروفاً بالورع وكثرة العبادة والوقار والإخلاص وقوة الشخصية، وكان أبو حنيفة يعتمد في فقهه على ستة مصادر هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، والاستحسان، والعُرف والعادة.
وأبوه: هو ثابت بن النعمان بن زوطى بن ماه ، وهناك خلاف في تحديد أنتماءه العرقي ، حيث توجد روايات متعددة ، أهما القول أنه من أصل فارسي وهذه الرواية متداولة ومعروفة و القول أنه من أصل نبطي بابلي ،عراقي قديم  ، وهو ما أثبتته عدد من الدراسات الأكاديمية التاريخية
وجاء في كتاب سير أعلام النبلاء لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي  عن ابوحنيفة : هو الإمام ، فقيه الملة ، عالم العراق أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي ، الكوفي ، مولى بني تيم الله بن ثعلبة يقال : إنه من أبناء الفرس .، ولد سنة ثمانين من الهجرة في حياة صغار الصحابة ، ورأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة.
ونشأ رحمه الله بالكوفة في أسرة مسلمة صالحة غنية كريمة، ويبدو أنه كان وحيد أبويه، وكان أبوه يبيع الأثواب في دكان له بالكوفة، ولقد خَلَف أبو حنيفة أباه بعد ذلك فيه. حفظ أبو حنيفة القرآن الكريم في صغره، شأنه شأن أمثاله من ذوي النباهة والصلاح. وحين بلغ السادسة عشرة من عمره خرج به أبوه لأداء فريضة الحج وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم ومسجده.
وكان أول ما اتجه إليه أبو حنيفة من العلوم علم أصول الدين ومناقشة أهل الإلحاد والضلال، ولقد دخل البصرة أكثر من سبع وعشرين مرة، يناقش تارةً ويجادل ويرد الشبهات عن الشريعة تارة أخرى، وكان يدفع عن الشريعة ما يريد أهل الضلال أن يلصقوه بها . مضى الإمام أبو حنيفة رحمه الله في هذه السبيل من علم الكلام وأصول الدين، ومجادلة الزائغين وأهل الضلال، حتى أصبح عَلَمًا يُشار إليه بالبنان، وهو ما يزال في العشرين من عمره، وقد اتخذ حلقة خاصة في مسجد الكوفة، يجلس إليه فيها طلاب هذا النوع من العلوم. ثم توجَّه أبو حنيفه رحمه الله إلى علم الفقه، وتفقَّه على حمَّاد بن أبي سليمان، حتى صار مقرَّبًا عنده؛ قال حماد: «لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة».
وقعت بالإمام أبي حنيفة محنتان، المحنة الأولى في عصر الدولة الأموية، وسببها أنه وقف مع ثورة الإمام زيد بن علي، ورفض أن يعمل عند والي الكوفة يزيد بن عمر بن هبيرة، فحبسه الوالي وضربه، وانتهت المحنة بهروبه إلى مكة عام 130هـ، وظل مقيماً بها حتى صارت الخلافة للعباسيين، فقدم الكوفة في زمن الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور. أما المحنة الثانية فكانت في عصر الدولة العباسية، وسببها أنه وقف مع ثورة الإمام محمد النفس الزكية، وكان يجهر بمخالفة المنصور في غاياته عندما يستفتيه، وعندما دعاه أبو جعفر المنصور ليتولى القضاء امتنع، فطلب منه أن يكون قاضي القضاة فامتنع، فحبسه إلى أن توفي في بغداد سنة 150هـ، ودُفن في مقبرة الخيزران في بغداد، وبني بجوار قبره جامع الإمام الأعظم عام 375هـ.
منهج الإمام أبي حنيفة
ابتكر الإمام أبو حنيفة رحمه الله نموذجًا منهجيًّا في تقرير مسائل الاجتهاد، وذلك عن طريق عرض المسألة على تلاميذ العلماء في حلقة الدرس ليدلي كلٌّ بدلوه، ويذكر ما يرى لرأيه من حجة، ثم يعقِّب هو على آرائهم بما يدفعها بالنقل أو الرأي، ويصوِّب صواب أهل الصواب، ويؤيده بما عنده من أدلةٍ، ولربما تقضَّت أيام حتى يتم تقرير تلك المسألة. وهذه هي الدراسة المنهجية الحرة الشريفة التي يظهر فيها احترام الآراء، ويشتغل فيها عقل الحاضرين من التلامذة، كما يظهر علم الأستاذ وفضله، فإذا تقررت مسألة من مسائل الفقه على تلك الطريقة، كان من العسير نقدها فضلاً عن نقضها.
قال المُوفَّق المكي: «وضع أبو حنيفة رحمه الله مذهبه شورى بينهم، لم يستبد فيه بنفسه دونهم اجتهادًا منه في الدين، ومبالغة في النصيحة لله ولرسوله والمؤمنين، فكان يلقي مسألة مسألة، يقلِّبها ويسمع ما عندهم ويقول ما عنده، وربما ناظرهم شهرًا أو أكثر من ذلك، حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يثبتها القاضي أبو يوسف في الأصول، حتى أثبت الأصول كلها. وإذا أُشكلت عليه مسألة قال لأصحابه: ما هذا إلا لذنب أذنبته. ويستغفر، وربما قام وصلَّى، فتنكشف له المسألة، ويقول: رجوتُ أنه تيب عليَّ».
انتشار المذهب الحنفي 
يُسمى المذهبُ الحنفي مذهبَ أهل الرأي، وهو أقدم المذاهب الأربعة، وصاحبه هو الإمام أبو حنيفة النعمان، وقد نشأ المذهب الحنفي بالكوفة موطن الإمام أبي حنيفة، ثم تدارسه العلماء بعد وفاة شيخه ببغداد، ثم شاع من بعد ذلك وانتشر في أكثر البقاع الإسلامية، فكان في مصر والشام وبلاد الروم والعراق وما وراء النهر، ثم اجتاز الحدود فكان في الهند والصين، حيث لا منافس له ولا مزاحم، ويكاد أن يكون هو المنفرد في تلك الأصقاع إلى الآن. ويقال لأصحاب المذهب الحنفي أهل الرأي، لأن الحديث كان قليلاً بالعراق، فاستكثروا من القياس ومهروا فيه. ورُوي أن أصحاب أبي حنيفة الذين دونوا مذهبه أربعون رجلاً منهم: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، وأبو الهذيل زفر بن الهذيل العنبري، وأن أول من كتب كتبه أسد بن عمرو.
فقهه وأصول مذهبه
رُوي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: «آخذ بكتاب الله تعالى، فإن لم أجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن لم أجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت بقول الصحابة، آخذ بقول من شئت منهم وأدع قول من شئت منهم، ولا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي وابن سيرين والحسن وعطاء وسعيد بن المسيب -وعدَّد رجالاً- فقوم اجتهدوا، فأجتهد كما اجتهدوا». وقال سهل بن مزاحم: «كلام أبي حنيفة أخذٌ بالثقة وفرارٌ من القبح، والنظر في معاملات الناس وما استقاموا عليه وصلح عليه أمورهم، يمضي الأمور على القياس، فإذا قبح القياس أمضاها على الاستحسان، ما دام يمضي له، فإذا لم يمض له رجع إلى ما يتعامل المسلمون به، وكان يؤصل الحديث المعروف الذي قد أجمع عليه، ثم يقيس عليه ما دام القياس سائغاً، ثم يرجع إلى الاستحسان أيهما كان أوفق رجع إليه». هذه النقول وغيرها تدل على مجموع المصادر الفقهية عند الإمام أبي حنيفة، فهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والإجماع، والقياس، والاستحسان، والعُرف والعادة.
مؤلفاته وأسباب قِلَّتها
لم يكن عصر الإمام أبي حنيفة عصر تأليف وتدوين بالمعنى المعروف فيما بعد، بمعنى أن يخلو العالم إلى نفسه فيكتب أو يملي الأشياء الكثيرة، فلم يكن أبو حنيفة قد فرغ نفسه للتأليف والإملاء، فقد كان يقوم الليل حتى يصبح، فإذا أصبح صلى الصبح ثم جلس يُعلِّم الناس حتى يضحي، ثم ذهب إلى بيته لحاجاته، ثم يخرج إلى السوق لينظرَ في شؤون تجارته ودنياه، ويعودَ مريضاً، أو يشيعَ ميتاً، أو يزورَ صديقاً، وينام بين الظهر والعصر، ثم يجلس بعد العصر لتعليم الناس والإجابة على أسئلتهم إلى الليل، وهكذا. والتدريس شغله عن التأليف، وهو فوق ذلك مرجع طلاب العلم وشُداته، يقصدونه من الكوفة والبصرة وداني البلاد وقاصيها، لذا لم تكن لأبي حنيفة تآليف كثيرة تتناسب مع مكانته العلمية العظيمة. 
ولقد ثبت عن الإمام أبي حنيفة أنه ألف في علم الكلام كتابي «الفقه الأكبر» و»الفقه الأوسط»، وكتاب «العالم والمتعلم»، وكتاب «الرسالة» إلى مقاتل بن سليمان صاحب التفسير، وكتاب «الرسالة» إلى عثمان البتي فقيه البصرة، وكتاب «الوصية» وهي وصايا عدة لأصحابه .
كما أملى الإمام أبو حنيفة وكتب الأحاديث النبوية الشريفة، فقد أخذ أحاديث كثيرة من رواته الأعلام، حتى جمع منه صناديق، وانتخب الآثار التي قال بها من أربعين ألف حديث، وقد أخذ حديث الكوفة والعراق وغيرها، غير أنه شُغل عن رواية الحديث بفقه الحديث وفهمه وجمع نصوصه. وقد رُوي عن يحيى بن نصر بن حاجب أنه قال: سمعت أبا حنيفة رحمه الله تعالى يقول: «عندي صناديق من الحديث ما أخرجت منها إلا اليسير الذي يُنتفع به». ولقد جُمع حديث أبي حنيفة في سبعة عشر مسنداً، وكان أبو حنيفة أول من صنف في الحديث النبوي الشريف مرتباً على أبواب الفقه
وفاة أبي حنيفة
وقال إسحاق بن إبراهيم الزهري ، عن بشر بن الوليد قال : طلب المنصور أبا حنيفة فأراده على القضاء ، وحلف ليلين فأبى ، وحلف : إني لا أفعل . فقال الربيع الحاجب : ترى أمير المؤمنين يحلف ، وأنت تحلف ؟ قال : أمير المؤمنين على كفارة يمينه أقدر مني ، فأمر به إلى السجن ، فمات فيه ببغداد .
وبذلك تُوفِّي رحمه الله ببغداد سنة 150هـ/ 767م وقيل توفي في اليوم الذي وُلد فيه الإمام الشافعي، وكانت وفاته في بغداد، ودفن في مقبرة الخيزران. يقول ابن كثير: “وصُلِّي عليه ببغداد ست مرات لكثرة الزحام، وقبره هناك رحمه الله”. وشيعت بغداد كلها جنازة فقيه العراق، والإمام الأعظم، ولقد قُدِّر عدد من صلوا عليه بخمسين ألفاً، حتى لقد صلى أبو جعفر نفسه على قبره بعد دفنه ، وصحَّ أن الإمام لما أحس بالموت سجد، فمات وهو ساجد. وقد أوصى أبو حنيفة أن يُدفن في أرض طيبة لم يجر عليها غصب، وألا يدفن في أرض قد اتُّهم الأميرُ بأنه غصبها، حتى يُروى أن أبا جعفر عندما علم ذلك قال: «من يعذرني من أبي حنيفة حياً وميتاً». *المراجع : - أبو حنيفة: حياته وعصره - آراؤه وفقهه، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، الطبعة الثانية - أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء، وهبي سليمان، دار القلم. - البداية والنهاية، الحافظ ابن كثير. -سير أعلام النبلاء لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي - عروبة أبي حنيفة، د.ناجي معروف الأعظمي