على غرار باقي المسلمين في مختلف بقاع المعمور، يجدد المسلمون في العاصمة الاتحادية الهندية نيودلهي اللقاء مع شهر رمضان الأبرك في أجواء مليئة بالدلالات الإيمانية، بالرغم من الظروف المناخية الحارة التي تشهدها البلاد خلال هذه الفترة من السنة، والصعوبات المرتبطة بالعيش المشترك.
وقبيل حلول هذا الشهر الفضيل بأيام، تلجأ العديد من الأسر المسلمة إلى رفع وتيرة الاستعدادات لاستقبال اليوم الأول من الصيام وفقا للعادات والتقاليد المحلية الضاربة جذورها في التاريخ، والمستمدة من التلاقح الثقافي والحضاري والديني الذي شهدته المنطقة عبر الأزمنة والعصور.
ففي أواخر شهر شعبان يتغير نمط عيش مسلمي الهند، حيث تبدأ الأسر المسلمة في الاستعداد لاستقبال الشهر المبارك، بداية من تنظيف الدور السكنية وتزيين الشوارع، ودعم جهود الاهتمام بالمساجد على نحو خاص.
ويستقبل المسلمون في الهند شهر رمضان بترحاب كبير، ويحتفلون به من خلال طقوس روحية يؤدون خلالها فريضة الصيام والقيام كباقي المسلمين عبر العالم، لكنهم يتميزون بحسهم التضامني الكبير، حيث يأتون بالطعام إلى المساجد قبل أذان المغرب، ليتم توزيعه في وقت لاحق على الفقراء والمحتاجين.
وفي ما يتعلق بتحديد تاريخ بداية شهر رمضان في الهند، يتم اللجوء إلى اللجنة المركزية لرؤية الهلال، التي تعتمد الرؤية بالعين المجردة من قبل اثنين من المسلمين الموثوق بهم، لكن يلاحظ أن معظم المدن تضم لجنة محلية لرؤية الهلال، مما يتسبب في الغالب في جدال والتباس بشأن تحديد بداية رمضان أو موعد حلول عيد الفطر.
كما أن انتشار المسلمين في أماكن متفرقة في هذا البلد الشاسع والمترامي الأطراف، يؤدي إلى اختلاف في رؤية الهلال من منطقة لأخرى، إضافة إلى اختلاف الناس هناك في اتباع المذاهب الفقهية وما يترتب عليه.
ويكفل الدستور الهندي لمعتنقي الإسلام، ثاني أكبر ديانة بعد الهندوسية، جميع الحقوق المدنية، كما أن الدولة تسهل لهم إقامة شعائرهم بحرية وأمان، لاسيما في المناطق التي يتواجدون فيها بنسبة مكثفة،غير أن ذلك لا يمنع قيام بعض المتطرفين الهندوس بين الفينة والأخرى بانتهاك حرمات المسلمين وأماكن عبادتهم وطقوسهم الدينية، خاصة خلال هذا الشهر المبارك.
ويكتسي شهر رمضان في الهند طابعا خاصا، حيث تتم إضاءة المساجد ومآذنها، وتكثر حلقات قراءة وتلقين القرآن الكريم، وتمتلئ المساجد بالمصلين، في ما يشبه تجددا لحياة الأسر المسلمة خلال هذا الشهر الفضيل الذي يكسر روتينهم اليومي وما تعودوا عليه في باقي شهور السنة.
غير أن الأجواء العامة في العاصمة الاتحادية نيودلهي، كما في عموم الهند، لا توحي بوجود شهر رمضان، إذ لا تغلق المطاعم والمقاهي خلال نهار رمضان، بالنظر إلى أن المسلمين يشكلون أقلية داخل المجتمع الهندي.
وخلال شهر رمضان، تزدهر الحركة التجارية في أسواق وسط المدينة وأحيائها الشعبية، في ما يشبه احتلالا للملك العام وناصية الشوارع من قبل الباعة المتجولين، ممن يعرضون سلعا تستهلك على مائدة الإفطار، منها على الخصوص التمر وعصير المانغو، وعدد من الفواكه المحلية التي تحظى بشعبية كبيرة لدى المواطنين.
ويفطر المسلمون الهنود، كغيرهم في جميع بقاع العالم، على حبات التمر، غير أن بعضهم يفطر بالملح الخالص؛ وذلك اقتداء بما ورد عند بعض أصحاب المذهب الحنفي الذي يفيد بأن “من لم يجد التمر أو الماء ليفطر عليه، يفطر على الملح”، وهي عادة يتميز بها بعض المسلمين في الهند عن سواهم.
وتجتمع كل جماعة في مسجد الحي على طعام الإفطار، حيث يحضر كل فرد ما تيسر له من الطعام والشراب والفواكه، ويشترك الجميع في تناول طعام الإفطار على تلك المائدة، إذ يتوجه الصغار والكبار قبيل أذان المغرب وهم يحملون صحونا وأطباقا تضم أصنافا من المأكولات، متجهين بها نحو المساجد بانتظار وقت الإفطار.
وتشمل مائدة الإفطار الهندية أطباقا خاصة ومتنوعة، من أبرزها أكلة “دهي بهدي” المكونة من الفلفل والجبن، وشربة “الغنجي” المكونة من دقيق الأرز واللحم والبهارات، ومشروب “الهريس” المكون من القمح واللحم والفلفل الحار، وهو المشروب المفضل لدى المسلمين الهنود في رمضان لأنه يمدهم بالطاقة والحيوية طيلة اليوم.
أما المشروبات، فتتنوع بين عصير الليمون واللبن الممزوج بالماء والحليب، على أن بعض الأسر المسلمة في جنوب الهند، تحضر مشروبا يتكون من الأرز والحلبة وجوز الهند لوجبة الإفطار، ويتناولونه بالملاعق المصنوعة من قشور جوز الهند.
ويرتاد مسلمو الهند المساجد بكثرة خلال شهر رمضان للصلاة وتلاوة القرآن، إذ يجتهد عدد منهم في ختم القرآن خلال هذا الشهر، فضلا عن اهتمامهم بحضور صلاة التراويح التي يشد لها الجميع الرحال من أحياء بعيدة.
ويحتفي المسلمون في الهند بليلة القدر بزيارة المقابر وقراءة ما تيسر من القرآن ولبس أحسن الثياب وصلة الرحم والتصدق على الفقراء والمحتاجين.
وتسمى الجمعة الأخيرة من رمضان عند مسلمي الهند بـ “جمعة الوداع”، إذ يعتبرونها مناسبة عظيمة للاجتماع والالتقاء، والتشاور في أمور الدين والدنيا على حد سواء. وتغسل الشوارع والساحات المجاورة للمساجد ليلة الخميس السابقة ليوم الجمعة الأخيرة من رمضان، كما يتم منع الناس من المرور، حيث يبقى هذا الحظر ساري المفعول إلى وقت الانتهاء من صلاة الجمعة.
وتجدر الإشارة إلى أن المسلمين في الهند يشكلون ثاني أكبر تجمع مسلم بعد إندونسيا، إذ يبلغ عددهم نحو 175 مليون مسلم من إجمالي عدد سكان الهند، البالغ عددهم نحو مليارا و250 مليون نسمة (قرابة 17في المائة)، ما يجعل الإسلام الديانة الثانية في الهند بعد الهندوسية.