ربما قرأ أغلبنا قصة روبنسون كروزو، أو سمع عن طرزان، ولكن لم نعرف أن هناك أسطورة عربية تشبه هذه القصة لدرجة أثارت ريبة الكثيرين واعتبروا أنالقصص الغربية مستلهمة من قصة ابن يقظان.
وتعتبر قصة حي بن يقظان قصة فلسفية أسطورية حول طفل ألقته أمه في اليم خوفاً عليه ليتم تربيته علي يد ظبية أرضعته واعتنت به، وبعد وفاتها بدأ يكتشف حواسه وكينونته ويتعلم أن يكون آدمياً بالتجربة والخطأ، ومثل هذه الأسطورة ذات الأبعاد الفلسفية والدينية، لها بدايات وجذور في الفلسفة العربية والإسلامية و كان أول من ابتدع هذه القصة هو الفيلسوف ابن سينا ولكنها ارتبطت في الأذهان بابن الطفيل أكثر من أي فيلسوف آخر.
وعن تلك القصة الفلسفية العربية العالمية ، يقول الكاتب محمد سيد بركة : حي بن يقظان لابن طفيل، إحدى روائع الأدب العربي الأندلسي في الفكر الإسلامي، كتبها محمد بن عبدالملك بن طفيل فى إسبانيا الإسلامية «الأندلس» في منتصف القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، ووصفت من قبل النقاد بأنها أعظم وأجمل قصة فلسفية صوفية رمزية اضطلعت بها العصور الوسطي. ولذا فقد شغف بقراءتها الأدباء، والفلاسفة، والمتصوفة والمفكرون على مر العصور، ما جعل منها لؤلؤة الأدب والتراث، وكان اهتمامهم بها وتأثرهم بها بالقدر ذاته، كما أنها أثارت حفيظة المترجمين أيضاً فدخلت «حي بن يقظان» إلى لغات أجنبية لم تعهدها العربية من قبل؛ حتى وصلت إلى أكثر من أربعين لغة حية حتى يومنا هذا، لا ينافسها أي عمل عربي آخر في ذلك إلا حكايات «ألف ليلة وليلة».
وحول أبرز المضامين الفكرية في قصة ( حي بن يقظان ) ، يقول استاذ الأدب والنقد العربي بجامعة عين شمس المصرية الدكتور ابراهيم عوض : تمثل القصة العقل الإنسانى الذى يغمره نور العالم العلوى، فيصل إلى حقائق الكون والوجود بالفطرة والتأمل بعد أن تلقاها الإنسان عن طريق النبوة. وتؤكد قصة “حى بن يقظان” على أهمية التجربة الذاتية فى الخبرة الفكرية والدينية. وقد تركت آثارها على كثير من الجامعات والمفكرين، وتُرْجِمَت إلى اللاتينية واللغات الأوروبية الحديثة. وكان ابن طفيل أستاذًا لابن رشد، الذى سماه دانتى: الشارح الأكبر، والذى عن طريقه عرفت أوروبا فى عصر النهضة أرسطو وفلسفته. وقد حدد ابن رشد ثلاثة مستويات لفهم الشريعة والدين، وهى ليست بعيدة عن جوهر ما ذهب إليه ابن طفيل فى “حى بن يقظان”: فهناك فهم العامة للدين، وفهم الخاصة، وفهم خاصة الخاصة، وإن كان للدين جوهر واحد لا يتغير. وقصة “حى بن يقظان” وضعت أيدينا على تباين المستويات لهذا الفهم بشكل روائى قصصى يطرح قضية فلسفية.
وتتجلى براعة ابن طفيل فى مزجه الأفكار الفلسفية الدقيقة بالقصص الشعبى، وفى جهده لتسويغ هذه الأفكار منطقيا وفنيا. وقد ذكر ابن طفيل تأثره فى قصته بفلسفة ابن سينا. وفى قصة “حى بن يقظان” جوانب من النضج القصصى، وإن كان قالب القصة ليس سوى إطار لصب الآراء الفلسفية والصوفية فى النص. وقد قدَّر كثير من النقاد هذا الجهد القصصى لابن طفيل فعدوا “حى بن يقظان” أفضل قصة عرفتها العصور الوسطى جميعًا».
نبذة عن الكتاب
حي بن يقظان لابن طفيل .... رواية تحكي قصة شخص يدعى حي بن يقظان نشأ في جزيرة وحده، وترمز للإنسان، وعلاقته بالكون والدين، واحتوت مضامين فلسفية، وألفها عدة أشخاص وكان أول مؤلف لقصة حي بن يقظان هو الفيلسوف ابن سينا، وفعل ذلك أثناء سجنه، ثم أعاد بناؤها شهاب الدين السهروردي، وبعدها كتبها الفيلسوف الأندلسي ابن طفيل، ثم كانت آخر رواية للقصة من قبل ابن النفيس الذي تنبه إلى بعض المضامين الأصلية الخاصة برواية ابن سينا، والتي لم تكن توافق مذهبه، فأعاد صياغتها لتكون رواية حي بن يقظان عن صالح بن كامل.
إن أشهر مؤلف من بين هؤلاء الأربعة التصقت القصة باسمه هو ابن طفيل. وقد كان لهذه الرواية أثر كبير لدى (جون لوك) الفيلسوف الإنجليزي، الذي كتب كتاباً يصف فيه العقل كصفحة بيضاء خالية من كل القواعد والمعوقات الموروثة.
وكذلك نشرت دورية (المراسلات الفلسفية للجمعية الملكية) مراجعة ممتازة تمتدح كتاب (حي بن يقظان) المترجم، فكانت هذه الرواية هي الأساس لعديد من روائع الفكر والأدب العالمي مثل كتاب (عقيدة القس من جبل السافوا) للفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، وكذلك نجد الأحداث المشتركة واضحة بينها وبين رواية (روبنسون كروزو) للكاتب دانييل ديفو، وقصة ماوكلي فتى الأدغال وشخصية طرزان التي تتحدث معظمها عن سلوك الإنسان عندما يجبر على العيش في بيئة لوحده.
إن ولادة حي بن يقظان تبقى لغزا، ومع ذلك فإن الرواية السائدة تقول أن حي بن يقظان قد ولد ولادة عادية مألوفة من أم هي شقيقة ملك إحدى الجزر الهندية، ومن أب هو قريب لها اسمه يقظان، ولقد كانت شقيقة الملك قد تزوجته خفية بلا علم شقيقها الذي منعها من الزواج، وعندما وضعت المرأة طفلها خشيت من نقمة شقيقها الملك، فوضعت الطفل في تابوت وألقته في البحر. فحملت الأمواج التابوت حتى ألقته على ساحل جزيرة مجاورة هي جزيرة الواق واق. وصادف أن مرت في المكان الذي استقر فيه التابوت ظبية كانت تبحث عن ابنها الذي فقدته فسمعت صوت بكاء الطفل فاتجهت نحوه، وكان أن عثرت على حي الوليد فأرضعته وحضنته.
يكبر حي بن يقظان وتمر حياته في سبع مراحل. أما الأولى فهي إرضاع الظبية لحي وحضانتها ورعايتها له حتى عمر سبع سنوات. ثم بعد ذلك وفاة الظبية وتشريحها من قبل حي لمعرفة سبب الوفاة، وهنا بدأت تتكون عند حي المعرفة عن طريق الحواس والتجربة. أما المرحلة الثالثة فكانت في اكتشاف النار. أما المرحلة الرابعة فكانت في تصفحه لجميع الأجسام التي كانت موجودة حوله، فكان بذلك يكتشف الوحدة والكثرة، في الجسم والروح، واكتشف تشابه الكائنات في المادة واختلافها في الصور. أما المرحلة الخامسة فكانت في اكتشاف الفضاء وهذا شجعه إلى الخروج من رصده إلى معرفة إن العالم قديم وكذلك نشأته. وعند بلوغه الخامسة والثلاثين من عمره، بدأ حي مرحلته السادسة وهي الاستنتاج بعد التفكير، فتوصل إلى أن النفس منفصلة عن الجسد وهو في التوق إلى الموجِد واجب الوجود. وأخيرا، يصر حي بن يقظان، في المرحلة السابعة على أن سعادته تكون في ديمومة المشاهدة لهذا الموجِد الواجب الوجود ورغبته في البقاء داخل حياة رسمها هو لنفسه.
صبّ ابن طفيل في هذه القصة آراءه القائلة بعدم التعارض بين العقل والشريعة أو بين الفلسفة والدين في قالب روائي قصصي. وتمثل القصة العقل الإنساني الذي يغمره نور العالم العلوي، فيصل إلى حقائق الكون والوجود بالفطرة والتأمل بعد أن تلقاها الإنسان عن طريق النبوة. تؤكد قصة حي بن يقظان على أهمية التجربة الذاتية في الخبرة الفكرية والدينية. وقد تركت آثارها على كثير من الجامعات والمفكرين وتُرجمت إلى اللاتينية واللغات الأوروبية الحديثة. في قصة حيّ بن يقظان جوانب من النضج القصصي، وإن كان قالب القصة ليس سوى إطار لصب الآراء الفلسفية والصوفية في النص. وقد قدَّر كثير من النقاد هذا الجهد القصصي لابن طفيل فعدوا حيَّ بن يقظان أفضل قصة عرفتها العصور الوسطى جميعًا.
كان كتاب (الفيلسوف الذي علم نفسه)، الذي نشر في أوروبا عام 1671م، هي الترجمة اللاتينية التي أعدها إدوارد بوكوك للقصة العربية (حي بن يقظان)، لمؤلفها الكاتب العربي الأندلسي ابن طفيل، ولقد أثارت إهتماما واسعا بين أهل العلم والفلاسفة، وكذلك كانت فكرة إن العقل وحده يقود إلى الخالق، قد أحدثت ضجة في الوسط العلمي في حينها مما جعل الكثير من المفكرين والفلاسفة في الغرب يتهافتون على دراستها وعملوا عدة ترجمات لها بلغات أخرى.
كلمة عن الكاتب
ابن طفيل فيلسوف و عالم و طبيب عربي مسلم و رجل دولة وهو من أعظم المفكرين العرب الذين خلفوا الأثار الخالدة في عدة ميادين منها: الفلسفة و الأدب و الرياضيات و الفلك و الطب وقد عرف عند الغرب باسم (باللاتينية: Abubacer) و كان من وزراء الموحدين في وقت عظمتهم ، وكان معاصرا لابن رشد وصديقا له. لم يصل إلينا من كتبه سوى قصة حي بن يقظان أو (أسرار الحكمة الإشراقية) وقد ترجم إلى عدة لغات أجنبية وهي قصة تشتمل على فلسفة ابن طفيل وقد ضمنها آراءه ونظرياته.
هو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي (1100م -1185م ),عربي من بني قيس عيلان بن مضر، وينسب أيضاً فيقال: الأندلسي والقرطبي والإشبيلي ويكنّى بأبي جعفر. هو فيلسوف وفيزيائي وقاض أندلسي ، ولد في وادي آش، على مسافة 53 كم في الشمال الشرقي من قرطبة، ، ثم تعلم الطب في غرناطة وخدم حاكمها. توفي في عام 581 هـ الموافق 1185م في مدينة مراكش، ودفن هناك، واشترك السلطان أبو يوسف في تشييع جنازته.
المصادر
1 - تقرير عن كتاب ( حي بن يقظان ) بقلم الكاتب محمد سيد بركة بجريدة البيان الاماراتية 27 يونيو 2014 .
2 - دراسة بقلم استاذ الأدب والنقد العربي بجامعة عين شمس المصرية الدكتور ابراهيم عوض عن ( حي بن يقظان ) بموقع إكسير ( www.ixiir.com )
-3 مقال عن الكتاب بقلم علياء طلعت في موقع أراجيك www.arageek.com
4 - صفحة ( كتاب عربي علم العالم ) على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك
www.facebook.com/ArabicBookLearnWorld
5 - موقع ويكيبيديا