ماهي أجواء رمضان في فرنسا؟. وما دور المساجد خلال هذا الشهر؟. وكيف تتدخل أول مؤسسة تشرف على الشأن الإسلامي بالبلد، أي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، خلال أيامه؟. الأجوبة تجدونها في الريبورتاج التالي.
تسود في حي “باربيس” بباريس، على غرار الأحياء الشعبية الفرنسية، أجواء رمضانية بمناسبة هذا الشهر ترحل بك إلى الدول العربية والإسلامية لما تشهده من طقوس خاصة في رمضان. ففي خضم زحام تختلط فيه جميع الجنسيات والأعمار، يعرض الباعة الحلويات ومستلزمات رمضان.
كما تعرض نساء فطائر على قارعة الطريق بأشكالها ونكهاتها المختلفة، فيما تجدد المحلات التجارية، التي تبيع خلال أشهر السنة مواد التغذية المستهلكة من قبل الجالية العربية والإسلامية، نفسها انسجاما مع هذا الشهر، حيث تعرض موادا لها علاقة برمضان من “شباكية” و”زلابية” وحلويات أخرى.
في ملحمة بمدينة نانتير بضاحية باريس يصطف العديد من الزبائن في طابور في انتظار دورهم لاقتناء اللحوم الحلال. ويقول الزبون أحمد إن الإقبال على هذه المادة يتضاعف خلال هذا الشهر. وتحاول مثل هذه المحلات أن تعرض كل ما يطلبه الزبون الصائم من لبن و”شباكية” وفطائر، بالإضافة إلى مستلزمات الحساء “الحريرة” كما تعرف لدى الجالية ذات الأصول المغربية أو “الشربة” حسب ما يعرف لدى نظيرتها المغاربية.
وتحاول العائلات المسلمة أن تحيي رمضان وفق الطقوس المتعارف عليها في بلدانها الأصلية، حيث نجد على موائد الإفطار أنواعا مختلفة من المأكولات، ولا توجد لدى العائلات عموما مشكلة عبء مصاريف رمضان بالشكل الذي يطرح به في بلدانها الأصلية، لكنها تقر أنها تفتقد تلك الأجواء الرمضانية السائدة هنالك.
الأجواء الرمضانية
تقول سميرة وهي مغتربة مغربية “إنني أفضل الأجواء الرمضانية في المغرب”، مضيفة أن “الجالية المسلمة تفتقد لسماع صوت الآذان في فرنسا”، وتقر بأن هذا الشهر يتطلب “مصاريف كثيرة”، إلا أن هذا لا يمنع من أن “تزين” مائدة الإفطار بعدد من “الشهيوات”، ويقصد بها المأكولات التي لا تعدها الأسر إلا في المناسبات ويتطلب تحضيرها مهارات خاصة ومصاريف إضافية.
وبالنسبة لسهام، الحاصلة على دبلوم في العلوم السياسية، فهي تعتبر أن “الأيام الأولى من رمضان معقدة جدا مادام يجب إيجاد الإيقاع اليومي لحياتنا خلال هذا الشهر”، وترى أن فترة الصيام خلال اليوم “تبقى طويلة بالإضافة إلى التعب الناتج عن نقص النوم”، وتستدرك في ذات السياق قائلة: “لكن حتى الآن لا أشعر بالجوع أثناء الصيام”.
وقالت سهام “أنا محظوظة لأني أتناول وجبة الإفطار مع الأسرة وأستغل هذا الشهر لإعادة تغذية الروح”. وتخلص إلى القول “إن هذا الشهر يحمل لنا أشياء كثيرة أكثر مما يأخذه منا”.
وظيفة المسجد خلال رمضان
قال أنور اكبيبش، نائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ورئيس تجمع مسلمي فرنسا، في تصريح لفرانس 24 إن “المساجد الفرنسية تؤدي عموما وظفيتين في رمضان: اجتماعية وروحية”. وأضاف “يلتقي خلال هذه المناسبة مصلون من جميع الأعمار والطبقات الاجتماعية. ويشهد عددهم ارتفاعا ملموسا خلال هذا الشهر، حيث يقبلون على المساجد لأداء صلاة التراويح”.
وعلق اكبيبش على هذه الأجواء على كونها “تقوي شعور الانتماء إلى نفس العائلة بالنسبة للمصلين. المسجد يتحول إلى فضاء للتناغم الاجتماعي ومد يد المساعدة للمحتاجين والفقراء والعزاب وكل الذين يبحثون عن الدفء الإنساني والأخوة الإسلامية خلال هذا الشهر المقدس”.
وأكد أن “العديد من المساجد تنظم موائد إفطار جماعية بالمناسبة يتجمع حولها عند موعد الآذان العشرات إن لم نقل المئات من الصائمين. وهذا التقليد يتقوى ويعمم اليوم في مجموع المساجد الفرنسية”.
ويوفر المال لموائد الإفطار في المساجد، حسب اكبيبش، “سواء عن طريق مساهمات المصلين حيث يتصدقون بوجبات جاهزة وحلويات وغيرها، أو عن طريق مساهمات بعض المحسنين بتقديم دعم مادي لأجل إفطار الصائم، أو أن المساجد تخصص جزءا من ميزانيتها لهذه الغاية”.
وأضاف اكبيبش أن “المساجد تقوم كذلك بجمع الزكاة حتى أن العملية أصبحت تنجز بطريقة احترافية، ورصد أعداد المحتاجين وتوزيع هذه الأموال في عيد الفطر وقد تكون بعد ذلك على الفقراء. وللإشارة أن عدد الأسر التي تطلب الاستفادة منها تضاعف بشكل كبير مع الأزمة الاقتصادية الحالية.
دور المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية خلال رمضان
قال اكبيبش إن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ومكوناته كـ “تجمع مسلمي فرنسا” يقوم بدور في غاية الأهمية في تأطير وتوجيه المصلين والجالية المسلمة خلال هذا الشهر، وذلك بتحديد تاريخ بدء هذا الشهر وموعد نهايته.
وأشار نائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أن “تقليدا بدأ يتمأسس بتنظيم إفطار مفتوح لكل المكونات الوطنية من ممثلي السلطات العمومية، ممثلي مختلف الديانات، مسؤولي المساجد والجمعيات الثقافية والعباداتية إلى آخره”.
وخلص إلى القول إن “هذا النوع من الإفطار يكون فرصة للاكتشاف الديني لأجل معرفة متقدمة من قبل الآخر لعملية الصيام التي تعتبر من الركائز الخمسة للإسلام. وتكون كذلك فرصة لتذوق طبخ مناطق مختلفة، وهو ما يعطي بعدا من الحفاوة والاحتفالية لهذا الإفطار”.