- عرف عنه اطّلاعه الواسع وعلمه الغزير حيث شهد له بذلك الكثير من العلماء
- جعفر الصادق من أئمة الفقه وعالم جليل وعابد فاضل من ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وله مكانة جليلة عظيمة لدى جميع المسلمين
- لُقِبَ بالصادق لأنه لم يُعرف عنه الكذب وقد استطاع أن يؤسس في عصره مدرسة فقهية فتتلمذ على يده العديد من العلماء
- الشيخ أبو زهرة : الإمام الصادق له فضل السبق وله على الأكابر فضل خاص فقد كان أبو حنيفة يروي عنه ويراه أعلم الناس باختلاف الناس وأوسع الفقهاء إحاطة

 

الإمام جعفر الصادق  80 هـ -  148 هـ /  702م – 765م 

 هو الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، رضي الله عنه  (ولد يوم 17 ربيع الأول 80 هـ في المدينة المنورة وتوفي فيها في مساء 25 شوال من سنة 148 هـ)، إمام من أئمة الفقه وعالم جليل وعابد فاضل من ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وله مكانة جليلة عظيمة لدى جميع المسلمين. لُقِبَ بالصادق لأنه لم يُعرف عنه الكذب، وقد استطاع أن يؤسس في عصره مدرسة فقهية، فتتلمذ على يده العديد من العلماء. ومن الجدير بالذِكر أن جعفر الصادق يُعتبر واحداً من أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أتباع الطريقة النقشبندية، وهي إحدى الطرق الصوفيَّة السنيَّة. يقال أنه من أوائل الرواد في علم الكيمياء حيث تتلمذ على يديه أبو الكيمياء جابر بن حيان. كذلك فقد كان عالم فلك، ومتكلماً، وأديباً، وفيلسوفاً، وطبيباً، وفيزيائياً. 

نسبه 

هو: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وقد سُمي باسم «جعفر» تيمناً بجده جعفر الطيار الذي كان من أوائل شهداء الإسلام .
أم أبيه هي: أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب.
أمه هي: فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق .
أمَّا أم أمه فهي: أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق .
وقد اجتمعت في نسبه خصائص ميَّزته عن غيره كما قال الأستاذ عبد الحليم الجندي: «فجعفر قد ولده النبي مرتين. وعليّ مرتين، والصدّيق مرتين، ليدلّ بهذا المجد الذي ينفرد به في الدنيا على أنه نسيج وحده. ومن الناحية الأخرى ولده كِسرى مرتين. ليدلّ الدنيا - من أعلى مواقعها - على أن الإسلام للموالي والعرب. فذلك هو الدين الذي جاء به رسول الله.» 
واعتبره البعض من أتباع التابعين، إلا أن الظاهر أنه قد رأى سهل بن سعد وغيره من الصحابة، وروى عن أبيه، وعن عروة بن الزبير وعطاءٍ ونافع والزهري وابن المنكدر، وله أيضاً عن عبيد بن أبي رافع. وقد وُصف الصادق بأنه مربوع القامة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أبيض الوجه، أزهر، له لمعان كأنه السراج، أسود الشعر، جعده أشم الأنف قد انحسر الشعر عن جبينه فبدا مزهراً، وعلى خده خال أسود. 

الحب الشديد لأبي بكر وعمر 

جاء في تهذيب سير الأعلام للذهبي  «عن سالم بن أبي حفصة قال: سألت أبا جعفر وابنه جعفرًا عن أبي بكر وعمر فقال: يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما فإنهما كانا إمامي هدى ثم قال جعفر: يا سالم أيسب الرجل جده؟ أبو بكر جدي لا نالتني شفاعة محمد 
يوم القيامة، إن لم أكن أتولهما ، وأبرأ من عدوهما”.
 

انشغاله بالعلم

وفي عهد الدولة العباسية تفرَّغ الامام جعفر الصادق لعمله الأهم الذي يعتمد عليه قيام الدين الإسلامي في مواجهة الأفكار الدخيلة والمذاهب الفكريَّة المنحرفة عن الطريق الذي يدعو إليه الإسلام. وقد استغل الإمام جعفر انشغال أبي العبَّاس السفَّاح في بداية العهد العبَّاسي في القضاء على الفتن الصغيرة وتوطيد دعائم الدولة الجديدة، فعمل على نشر العلم والدين والمعرفة، وحضر مجالسه علماء كبار وتناقشوا في أمور الدين والدنيا، ومنهم الإمامين أبو حنيفة النعمان ومالك بن أنس، وقد أدَّت هكذا مناظرات إلى تشكيل المذاهب الإسلاميَّة الكبرى الباقية حتى العصر الحالي. على الرغم من انصراف الإمام جعفر إلى شؤون العلم الديني والدنيوي وابتعاده عن السياسة، وانضم الكثيرون إلى مجالسه واستمعوا لكلامه ومواعظه وإرشاداته فأقدم العبَّاسيّون على اعتقال الصادق غير مرَّة، وزُجَّ بالسجن لفترة من الزمن على أمل أن تنقطع الصلة بينه وبين تلاميذه وقد تحمَّل الصادق ما تعرَّض له من مضايقات من قِبل الحكومة العبَّاسيَّة، وصبر على الألم والاضطهاد، واستمر يقيم مجالسه العلميَّة ومناظراته الدينيَّة مع كبار علماء عصره من المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب والملاحدة.
و بدأ الإمام الصادق بتأسيس نواة علمية ووضع أركان مدرسته الكبرى التي خرّجت الآلاف من الطلاب والعلماء، حتى قال الحسن الوشّاء عند مروره بمسجد الكوفة:«أدركت في هذا المسجد 900 شيخ كلهم يقول: «حدثني جعفر بن محمد»»، مع العلم أن بين الكوفة والمدينة - التي كانت معقل الإمام الصادق - مسافة شاسعة وهذا يدل على مدى التأثير العلمي الذي أحدثه الإمام جعفر الصادق في ربوع العالم الإسلامي. 
 

إشادة العلماء به 

عُرف عن الإمام الصادق اطّلاعه الواسع وعلمه الغزير، حيث شهد له بذلك الأكابر من العلماء، منهم تلميذه الإمام أبو حنيفة حيث نوّه بعلم أستاذه الإمام جعفر الصادق ومقدار فضله حينما سُئل: ««من أفقه من رأيت؟» فأجاب قائلاً: «جعفر بن محمد، لمَّا أقدمه المنصور بعث إليَّ فقال: يا أبا حنيفة إن الناس قد فُتنوا بجعفر بن محمد، فهيّء له مسائلك الشداد، فهيّأت له أربعين مسألة، ثم بعث إليَّ أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر [الصادق]ما لم يدخلن لأبي جعفر [المنصور]، فسلمت عليه فأومأ إليّ فجلست، ثم التفتّ إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة، فقال: نعم أعرفه. ثم التفتّ إليَّ فقال: ألقِ على أبي عبد الله من مسائلك، فجعلت ألقي عليه ويجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعنا، وربما تابعهم، وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على الأربعين مسألة فما أخلّ منها بشيء!» ثم قال أبو حنيفة: «أليس قد روينا: أعلم الناس، أعلمهم باختلاف الناس؟!»»
وقد كتبت أقلام كثيرة حول علم الإمام الصادق، وخصّصت كتباً وفصولاً حول ذلك، منها كتاب «الإمام الصادق» للشيخ محمد أبي زهرة الذي يقول فيه: إن للإمام الصادق فضل السبق، وله على الأكابر فضل خاص، فقد كان أبو حنيفة يروي عنه، ويراه أعلم الناس باختلاف الناس، وأوسع الفقهاء إحاطة، وكان الإمام مالك يختلف إليه دارساً راوياً، وكان له فضل الأستاذية على أبي حنيفة فحسبه ذلك فضلاً. وهو فوق هذا حفيد علي زين العابدين الذي كان سيّد أهل المدينة في عصره فضلاً وشرفاً وديناً وعلماً، وقد تتلمذ له ابن شهاب الزهري، وكثير من التابعين، وهو ابن محمد الباقر الذي بقر العلم ووصل إلى لبابه، فهو ممن جعل الله له الشرف الذاتي والشرف الإضافي بكريم النسب، والقرابة الهاشمية، والعترة المحمدية.
ويدخل في هذا السياق مناظراته العلمية والدينية التي دلّت على علمٍ جمٍ وفضلٍ غزيرٍ، فقد كان للإمام جعفر الصادق كثير من المناظرات مع العلماء وغيرهم في الدين والعلوم الإنسانية المختلفة، وقد اتّبع الإمام الصادق منهجاً منطقياً تسلسلياً في المناظرة والنقاش وهو أسلوب علمي يُبرز مكانته العلمية وقدرته على استحضار كافة جوانب الموضوع وحضور البديهة في الرد.
ولم تكن الأسئلة التي تُطرح على الإمام الصادق مختصة بالمسائل الفقهيّة أو الحديثيّة، فقد كان عصره عصر ترجمةٍ وعلوم، وكان يأتيه علماء ومفكرون متأثرون بتيارات الفلسفة اليونانية التي كانت منتشرة في تلك الحقبة من الزمن،
ويُلاحظ هذا المعنى واضحاً في نقاشات الإمام الصادق مع عبد الكريم بن أبي العوجاء الذي كان يشكّك في الدين والعقيدة الإسلامية من منطلق فلسفي وكلامي، فقد جاء ابن العوجاء إلى الإمام الصادق وأشكل على الآية القرآنية: 
 إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا 
وقال ما مضمونه: إذا عصت الجلود وعذبها الله ثم بدّلها بجلود غيرها وعذبها، فما هو ذنب هذه الجلود الجديدة حتى تُعذب؟ مع أن الجلود الأولى هي التي عصت؟! فأجابه الإمام الصادق: “هي هي، وهي غيرها”، وأوضح له بأنه لو أخذ طابوقة بناء وصبّ عليها الماء ثم عجنها وقولبها مرة أخرى على شكل طابوقة، فهي نفس الطابوقة من حيث وحدة مادتها وهي غير تلك الطابوقة باعتبار شكلها الجديد. وغيرها من المناظرات في شتى المواضيع، والتي أظهرت للعالم الإسلامي مكانته العلمية المرموقة ومنزلته السامية بين علماء المسلمين.

تلامذته

كان جعفر الصادق أحد أبرز العلّامات في عصره، فإلى جانب علومه الدينيَّة، كان عالماً فذّاً في ميادين علوم دنيويَّة عديدة، مثل: الرياضيَّات، والفلسفة، وعلم الفلك، والخيمياء والكيمياء، وغيرها. وقد حضر مجالسه العديد من أبرز علماء عصره وتتلمذوا على يده، ومن هؤلاء أشهر كيميائي عند المسلمين أبو موسى جابر بن حيَّان المُلقب بأبي الكيمياء ، كما حضر مجالسه وتلقّى من علومه اثنان من كبار الأئمة الأربعة هما الإمامان أبو حنيفة النعمان ومالك بن أنس ، وقد نقل الأخير 12 حديثاً عن جعفر الصادق في مؤلفه الشهير «الموطأ»،  بالإضافة إلى واصل بن عطاء مؤسس مذهب المعتزلة.

وفاته

توفي جعفر الصادق سنة 148 هـ، الموافقة لسنة 765م كما نصّت على ذلك بعض المصادر التاريخيّة؛ قال ابن كثير (المتوفى سنة 774 هـ): «ثم دخلت سنة ثمان وأربعين ومائة... وفيها توفي جعفرُ بنُ محمدٍ الصادق».وقال ابن الأثير (المتوفى سنة 630 هـ) في معرض حديثه عن الأحداث التي وقعت في سنة 148 هـ: «وفيها مات جعفر بن محمد الصادق وقبره بالمدينة يُزار هو وأبوه وجده في قبر واحد مع الحسن بن علي بن أبي طالب» وقد كان الإمام جعفر الصادق في آخر لقاءاته مع أبي جعفر المنصور يقول له: « لا تعجل، فقد بلغت الرابعة والستين وفيها مات أبي وجدي» فرأى بعض الباحثين أن هذه الكلمة توحي بأن الإمام جعفر الصادق كان يشعر باقتراب موته. وكان آخر ما أوصى به الإمام الصادق هو الصلاة كما يظهر من بعض 
ودُفن الامام جعفر الصادق في جنَّة البقيع بالمدينة المنورة إلى جانب والده وأجداده وباقي الصحابة.

*المراجع :

 تهذيب سير الأعلام للإمامُ الذهبي  - الإمام الصادق، حياته وعصره وآراؤه الفقهية، محمد أبو زهرة، القاهرة، مطبعة مخيمر. - الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، أسد حيدر، النجف، 4 أجزاء، 1377 هـ.- الإمام جعفر الصادق، عبد الحليم الجندي، دار المعارف، القاهرة.