- ابنِ حَزْمِ يعد من أكبر علماء الأندلس وأكبر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا بعد الطبري وهو إمام حافظ و فقيه ظاهري
- نشأ فِي تَنَعُّمٍ وَرفَاهيَّة وَرُزِقَ ذَكاءً مُفرطًا وَكَانَ وَالِدُهُ مِنْ كُبَرَاء أَهْل قُرْطُبَة المشهود لهم بالخير وسعة العلم وحسن الخُلُق 
- الكثير من الباحثين يشيرون إلى أنه كان صاحب مشروع كامل لإعادة تأسيس الفكر الإسلامي من فقه وأصول فقه
- من أكثر المهتمين بفقه ابن حزم وتراثه من المعاصرين أبو تراب الظاهري وأبوعبد الرحمن بن عقيل و أبو زهرة والإمام الألباني والشيخ مقبل بن هادي الوادعي 

 
 

الإمام ابن حزم الأندلسي ( 384 هـ / 994م -  456 هـ / 1064م)

هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ حَزْمِ الفَارِسِيُّ الأَصْل، ثُمَّ الأَنْدَلُسِيُّ القُرْطُبِيُّ، الفَقِيْهُ، الحَافِظُ، المُتَكَلِّمُ، الأَدِيْبُ، الوَزِيْرُ، الظَّاهِرِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ. وُلِد أَبُو مُحَمَّدٍ بقرطبة في 30 رمضان 384 هـ / 7 نوفمبر 994م وتوفي في 28 شعبان 456 هـ / 15 اغسطس 1064م ، يعد من أكبر علماء الأندلس وأكبر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا بعد الطبري، وهو إمام حافظ. فقيه ظاهري، ومجدد القول به، بل محيي المذهب بعد زواله في الشرق. ومتكلم، أديب، وشاعر، ونسابة ، وعالم برجال الحديث ، وناقد محلل، بل وصفه البعض بالفيلسوف. وزير سياسي لبني أمية، سلك طريق نبذ التقليد وتحرير الأتباع. قامت عليه جماعة من المالكية وشـُرد عن وطنه. توفي في منزله في أرض أبويه منت ليشم المعروفة بمونتيخار حالياً، وهي عزبة قريبة من ولبة.

طفولته وتربيته 

نشَأَ الإمام ابن حزم فِي تَنَعُّمٍ وَرفَاهيَّة، وَرُزِقَ ذَكاءً مُفرطًا، وَكَانَ وَالِدُهُ مِنْ كُبَرَاء أَهْل قُرْطُبَة. ويشير الكثيرون ممن ترجم للشيخ (رحمه الله)، أو درس تاريخه ونشأته أن الشيخ نشأ بين مجموعة من النساء، ومن ثَمَّ كان له من الصفات كذا وكذا. والواقع أن الشيخ (رحمه الله) قد هيَّأ له الله نساءً فُضْلَياتٍ قُمْنَ على تربيته وتعليمه، ونلحظ ذلك من كونه حفظ القرآن على أيديهن، إضافةً إلى ذلك كان والد الشيخ من العلماء الكبار المشهود لهم بالخير وسعة العلم وحسن الخُلُق.

منزلته العلمية

مجتهد مطلق، وإمام حافظ، كان شافعي الفقه، فانتقل منه إلى الظاهرية، وافق العقيدة السلفية في بعض الأمور من توحيد الأسماء والصفات وخالفهم في أخرى وكل ذلك كان باجتهاده الخاص، وله ردود كثيرة على الشيعة والصوفية والخوارج واليهود والنصارى . 
أصلَّ ابن حزم ما يعرف عادة بالمذهب الظاهري وهو مذهب يرفض القياس الفقهي الذي يعتمده الفقه الإسلامي التقليدي، وينادي بوجوب وجود دليل شرعي واضح من القرآن أو من السنة لتثبيت حكم ما، لكن هذه النظرة الاختزالية لا توفي ابن حزم حقه فالكثير من الباحثين يشيرون إلى أنه كان صاحب مشروع كامل لإعادة تأسيس الفكر الإسلامي من فقه وأصول فقه.
كان الإمام ابن حزم ينادي بالتمسك بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة ورفض ما عدا ذلك في دين الله، لا يقبل القياس والاستحسان والمصالح المرسلة التي يعتبرها محض الظن. يمكن أن نقلّص من حدّة الخلاف بينه وبين الجمهور، حول مفهوم العلة وحجيتها، إذا علمنا أن كثيرًا من الخلاف قد يكون راجعا إلى أسباب لفظية أو اصطلاحية.

منهجه في البحث 

بدأ ابن حزم طلبه للعلم بحفظ القرآن الكريم، ثم رواية الحديث، وعلم اللسان، فبلغ في كل ذلك مرتبة عالية، ثم اتجه من بعد ذلك إلى الفقه، فدرسه على مذهب الإمام مالك؛ لأنه مذهب أهل الأندلس في ذلك الوقت، ولكنه كان مع دراسته للمذهب المالكي يتطلع إلى أن يكون حرًّا، يتخير من المذاهب الفقهية ولا يتقيد بمذهبٍ؛ ولذلك انتقل من المذهب المالكي إلى المذهب الشافعي، فأعجبه تمسُّكه بالنصوص، واعتباره الفقه نصًّا أو حملاً على النص، وشدة حملته على من أفتى بالاستحسان.
ولكنه لم يلبث إلا قليلاً في الالتزام بالمذهب الشافعي، فتركه لما وجد أن الأدلة التي ساقها الشافعي لبطلان الاستحسان تصلح لإبطال القياس، وكل وجوه الرأي أيضًا. ثم بدا له أن يكون له منهجٌ خاصٌّ وفقه مستقل، فاتجه إلى الأخذ بالظاهر، وشدَّد في ذلك، حتى إنه كان أشدَّ من إمام المذهب الأول داود الأصفهاني.

أهم ملامح شخصيته 

كان ابن حزم رحمه الله مفسرًا، محدثًا، فقيهًا، مؤرخًا، شاعرًا، مربيًا، عالمًا بالأديان والمذاهب. ويزداد هذا الأمر وضوحًا باطِّلاعنا على هذا الكمِّ الهائل من مؤلفاته في شتى الميادين العلمية. وذكر الشيخ محمد أبو زهرة (رحمه الله) أن الإمام ابن حزم كان يتصف بالصفات التالية:1- قوة الحافظة.2- البديهة الحاضرة. 3- عمق التفكير والغوص في الحقائق. 4 -الصبر.    5- الجَلَد. 6- المثابرة. 7- الإخلاص. 8- الصراحة في الحق.  9- الوفاء. 10- الاعتزاز بالنفس من غير عُجْبٍ ولا خُيَلاء. 11- ووصف ابن حزم أيضًا بالحِدَّة (رحمه الله تعالى).

مناصبه

ولي وزارة للمرتضى في بلنسية، ولما هزم وقع ابن حزم في الأسر وكان ذلك في أواسط سنة (409) هجريه، ثم أطلق سراحه من الأسر، فعاد إلى قرطبة ، وولي الوزارة لصديقه عبد الرحمن المستظهر في رمضان سنة (412) هجريه، ولم يبق في هذا المنصب أكثر من شهر ونصف، فقد قتل المستظهر في ذي الحجة من السنة نفسها، وسجن ابن حزم، وثم أعفي عنه |، وتولى الوزارة أيام هشام المعتد فيما بين سنتي (418-422) هجريه

اهتمام المعاصرين بفقهه :

من أكثر المهتمين بفقه ابن حزم وتراثه من المعاصرين الشيخ أبو تراب الظاهري والشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري وكذلك الشيخ محمد أبو زهرة، والأمام الألباني والشيخ مقبل بن هادي الوادعي وكذلك الأديب سعيد الأفغاني وغيرهم كثير جدا. وفيلسوف عربي آخر هو محمد عابد الجابري يضع ابن حزم ركنا أساسيا في رؤيته لمشروع النهضة العربية الذي لم يتم وإن كانت الرؤية تختلف عن رؤية المرزوقي فهي عند الجابري تبدأ من ابن حزم وابن باجة فابن طفيل إلى ابن رشد والشاطبي وابن خلدون.
ان رؤية ابن حزم الفلسفية التجديدية تجعله ركنا أساسيا في أي قراءة للتراث العربي الإسلامي رغم أن مدرسته الفقهية رفضت أشد الرفض من قبل المدرسة الإسلامية التقليدية التي اعتمدت المذاهب الأربعة للسنة وأغلقت الباب أمام أي تعديل أو اجتهاد. وقد كان ابن حزم من رواد النقد الإسلامي لليهودية والنصرانية وأشار الدكتور أحمد عبد المقصود الجندي إلى أسبقيته بقوله كان أول من قدم منهجا نقديا علميا في نقد العهد القديم 

مؤلفاته :

هو أكبر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا بعد الطبري، ألف ابن حزم في الأدب كتاب طوق الحمامة، وألف في الفقه وفي أصوله، وشرح منطق أرسطو وأعاد صياغة الكثير من المفاهيم الفلسفية، وربما يعتبر أول من قال بالمذهب الاسمي في الفلسفة الذي يلغي مقولة الكليات الأرسطية (الكليات هي أحد الأسباب الرئيسة للكثير من الجدالات بين المتكلمين والفلاسفة في الحضارة الإسلامية وهي أحد أسباب الشقاق حول طبيعة الخالق وصفاته). ذكر ابنه أبو رافع الفضل أن مبلغ تآليف أبي محمد هَذَا فِي الفقه والحديث والأصول والتاريخ والأدب وغير ذَلِكَ بلغ نحو أربع مئة مجلد تشتمل عَلَى قريب من ثمانين ألف ورقة .
ولابن حزم مؤلفات جليلة كثيرة، منها: 1- (الإِيصَال إلى فَهم كِتَاب الخِصَال) ويقع في خَمْسَةَ عَشَرَ أَلف وَرقَة. 2- (الخِصَال الحَافِظ لجمل شرَائِع الإِسْلاَم) مُجَلَّدَان. 3- (المُجَلَّى فِي الفِقْه) مُجَلَّد. 4- (المُحَلَّى فِي شرح المُجَلَّى بِالحجج وَالآثَار) ويقع في ثَمَانِي مُجَلَّدَات. 5- (حَجَّة الوَدَاعِ) مِائَة وَعِشْرُوْنَ وَرقَة. 6- (التَّلخيص وَالتَّخليص فِي المَسَائِل النَّظرِيَّة). 7- (الإِملاَء فِي شرح المُوَطَّأ) أَلف وَرقَة. 8- (الإِملاَء فِي قوَاعد الفِقْه) أَلف وَرقَة أَيْضًا. 9- (الإِحكَام لأُصُوْل الأَحكَام) مُجَلَّدَان. 10- (الفِصَل فِي الملل وَالنِّحل) مُجَلَّدَان كَبِيْرَان. 11- (مُخْتَصَر فِي علل الحَدِيْث) مُجَلَّد. 12- (رِسَالَة فِي الطِّبِّ النّبوِيِّ).

إحراق كتبه ووفاته

يرتبط بمصنفات ابن حزم حادثة خطيرة طالما تكررت بالأندلس كلما ضاق أهلها باحد ممن يخالفهم من العلماء، وهي إحراق كتبه علانية بإشبيلية، بيد أنها لم تفقد من جراء ذلك، فقد كان له جماعة من تلاميذه النجباء الذين قدروا فكره وحافظوا على كتبه التي كانوا يمتلكونها بنسخها ونشرها بين الناس، ولذا فعندما أحصاها ابن مرزوق اليحصبى وهو من المتأخرىن وجدها ثمانين ألف ورقة، وهو نفس إحصاء أبي رافع الفضل في القرن الخامس الهجري /الحادي عشر الميلادي، ويمكن أن نرجع أسباب هذه الحادثة في الآتى :-أولا : ثقة ابن حزم بنفسه عند منازلة كبار فقهاء المالكية، وعدم تردده في تسفيه آراءهم طالما خالفت ما يراه حقاً. ثانيا: تنديده بولاية خلف الحصرى للخلافة بإشبيلية، ومبايعته على أنه هشام المؤيد سنة 325 هـ/1033 م في عهد محمد بن إسماعيل القاضي والد المعتضد بن عباد ، فعندما حل بإشبيلية أوقع به المعتضد أشد إيقاع لما صدر منه من إثارة الناس حول محمد بن إسماعيل رأس الاسرة العبادية. ثالثا: معارضة فقهاء المالكية له وسعيهم لدى السلطان للإيقاع به وإثارة العامة ضده، ومن ثم التقت أغراضهم مع ما كان يرمى إليه المعتضد، فكانت واقعة إحراق كتبه على مسمع ومرأى من الناس. رابعا: نزعة ابن حزم الأموية ودعوته لإعادة حكم الأمويين في الوقت الذي قطع فيه معظم ملوك الطوائف كل صلة بالأموية الأندلسية، وحاول كل واحد منهم أن يحقق استقلالا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، خاصة المعتضد الذي ما وافق على خدعة أبيه بعد وفاته بمبايعة خلف الحصرى بإشبيلية على أنه هشام المؤيد إلا ليصبغ الشرعية على محاولته الاستقلالية، وليرضى أصحاب النزعات الأموية بإمارته. فلما تحقق له ذلك أعلن وفاة الخليفة المزعوم. خامسا: أن ابن حزم لم يكن ينظر إلى أمراء عصره ومنهم المعتضد نظرة إكبار فهو وزير ابن وزير، وما كان له أن ينظر إليهم أكثر من نظرته إلى من دونه أو من ليسوا أكبر منه، وهم يأنفون من ذلك الأمر الذي دفع المعتضد إلى تدبير مؤامرة تجعله ذليلا لا يشمخ براسه عليه ولا على غيره هي إحراق كتبه.
وبالرغم من هذه المؤامرة التي ألمت بابن حزم فلم يتحقق للمعتضد ما كان يصبو إليه من كسر كبريائه وإذلاله، بل ظل الرجل يشمخ بمكانته وعلمه وعقله هنا وهناك دون ضعف ولا ذلة، لكنه آثر السلامة وغادر إشبيلية إلى قريته منت ليشم التي كان يمتلكها ويتردد عليها، وظل بها يمارس التصنيف والتدريس حتى وافته المنية عشية يوم الأحد 28 شعبان 456 هـ/15 يوليو 1063 م وليس كما ذهب البعض من أن وفاته كانت سنة 457 هـ/1064 م، ولا 455 هـ/1063 م لأن أبا رافع ولد ابن حزم هو الذي كتب التاريخ الذي ذكرناه، وهو الأعلم من أي أحد بتاريخ وفاة والده، فضلا عن أن معظم من ترجم لابن حزم ذكروا سنة وفاته كما ذكرها ابنه الفضل

 المراجع

- سير أعلام النبلاء، الذهبي. - الإمام ابن حزم الظاهري إمام أهل الأندلس، محمد عبد الله أبو صعيليك. - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، المقرّي. - رسالة الماجستير (للدكتور عبد الباقي السيد عبدالهادى الظاهري) - كتاب تاريخ علماء الظاهرية (للدكتور عبد الباقي السيد عبدالهادى الظاهري) - طبقات الحفاظ - السيوطي  - الإصابة لابن حجر العسقلاني - معجم الأدباء لياقوت الحموي - البداية والنهاية لابن كثير .