يشكل شهر رمضان الكريم مناسبة ملائمة لتكريس واستدامة قيم التضامن والتقاسم التي ظلت منذ أمد بعيد تسود السنغال، هذا البلد غرب الأفريقي البالغة نسبة المسلمين فيه 95 بالمئة.
ففي بلاد التيرانغا (الضيافة بلغة الولوف المحلية)، يشكل رمضان تجسيدا بليغا لقيم التسامح والتعاون التي تميز الشعب السنغالي، حيث تجتهد الجمعيات الخيرية في تنظيم وتحضير وجبات “اندوغو” الإفطار التضامنية في مختلف أرجاء العاصمة دكار لفائدة الأشخاص المعوزين، أو لفائدة السائقين الذين صادف موعد الإفطار وجودهم في الشارع.
وهكذا، تتجسد روح التقاسم والتسامح التي تبلغ ذروتها خلال هذا الشهر الفضيل، في تكريس تقاليد الكرم والجود والعيش المشترك التي تميز هذا البلد.
وفي هذا الصدد، يبرز تقليد “سكر كور” (سكر رمضان)، الذي يشكل عادة سنغالية بامتياز، والذي يقوم على تقديم هدايا للمقربين من أجل التعبير عن الود خلال هذا الشهر الكريم.
ومع مرور الزمن، أضحى تقليد “سكرو كور” بمثابة واجب على النساء المتزوجات. فمن أجل إثبات تشبثهن بأسرة الزوج، تصرف بعض السنغاليات مئات الآلاف من الفرنكات من أجل اقتناء هذه الهدية، فيما تعتبر كثيرات منهن أن هذا التقليد صعب وفيه الكثير من الإسراف. ومن جهة أخرى، وإذا كانت أزقة العاصمة تعرف نشاطا أقل قبيل وبعد فترة الإفطار، فإن المساجد تعرف إقبالا مكثفا للمؤمنين الذين يؤمونها لأداء الصلاة وتلاوة القرآن.
كما تعرف يوميات سكان دكار خلال شهر رمضان انخفاضا في الوتيرة، حيث تقل ممارسة الرياضة على طول الكورنيش الذي عادة ما يكون غاصا بممارسيها قبل شهر الصيام. أما الأسواق والمحلات الكبرى، فتعرف خلال هذا الشهر إقبالا منقطع النظير من طرف السنغاليين، ما يؤكد أنهم يصرفون ميزانية مهمة خلاله، وذلك على الرغم من انخفاض عدد الوجبات اليومية. وعلى ذكر الوجبات، فإن النساء السنغاليات يجتهدن في تحضير أكلات محلية غنية بالسعرات الحرارية.
وتتزين موائد إفطار السنغاليين بالحليب والتمر والعصائر المحلية (البوي، بيساب..)، وقهوة “توبا”، وغيرها من المشروبات التي تعد عناصر أساسية خلال وجبة الإفطار.
وفي وجبة العشاء، تقدم الأطباق المحضرة أساسا بمادة الأرز التي عادة ما تكون وجبة الغداء الرئيسية في باقي شهور السنة. وهكذا يتم إعداد وجبات من قبيل “تييبودجين” (الأرز بالسمك والخضر)، أو “ياسا” (الأرز بالدجاج أو اللحوم الحمراء)، و”مافي” وغيرها.
السنغال تعتبر معقل الصوفيّة في أفريقيا تتميز بكثرة وتنوع التقاليد المرتبطة بالشهر الكريم خصوصاً العادات الصوفيّة التي انتشرت في غرب أفريقيا من خلال أتباع الطرق فوصلت إلى مالي وموريتانيا وساحل العاج وغامبيا وغينيا .
ما إن يهلّ شهر رمضان حتى يتبارى السنغاليون في إقامة سهرات دينية وأمسيات رمضانية مخصصة لفن الإنشاد وحلقات الذكر ، ويحشد القائمون على الطرق الصوفية كالتجانية والمريدية أتباعهم للمشاركة بكثافة في تلك الحلقات التي تجري بشكل جماعي وتتخللها ابتهالات وتضرعات للتزود بالنفحات الإيمانية ، فالمساجد تتزين بالأنوار ولا تغلق أبوابها في الليالي الرمضانية بل تمتلئ بالمصلين وقراءة القرآن الكريم ، ويكون اغلب روادها من المفتين والعلماء الذين ينظمون الدروس الدينية فيها ، حيث يقاطع الشباب في السنغال السمر الليلي والاستماع إلى الأغاني احتراماً لقدسية هذا الشهر ، فتجدهم يستمعون إلى الأناشيد الدينية ، ومنهم من يتدرب على غناء الموشحات الدينية ورفع الأذان وفق الطريقة الأفريقية المميزة في السنغال .
عند ثبوت رؤية الهلال يسارع المسلمون هناك بالدعاء بعضهم لبعض بالخير والصلاح والفلاح ، وأهل السنغال بصفة عامة يحترمون شهر رمضان ، حتى إن أهل الفسوق والفجور والعصيان ينتهون عما يقترفونه من سيئات ومنكرات خلال هذا الشهر احتراما له ، وفي حال ظهر من أهل المعاصي ما يخل بحرمة هذا الشهر من معصية الله أنكر عليه الجميع ، وغير المسلمين في تلك البلاد هم قلة لا يتدخلون من قريب أو بعيد بأمر المسلمين .
يبدأ المسلمون فطورهم على الماء أو أي شراب ساخن إذ يعتقدون أن الشراب الساخن هو الأنسب لمعدة الصائم من الشراب البارد ، أما الإفطار عندهم يختلف من مكان لآخر، فلكل مكان طعامه المفضل وذوقه الذي يميل إليه ، ومثل ذلك يقال في وجبة السحور، التي لا يزال المسلمون هناك حريصين على التمسك بها ، أما صلاة التراويح تقام في كل المساجد وتصلى ثماني ركعات في أغلب المساجد ، تشارك النساء في حضور تلك الصلاة وأكثر تلك المساجد تلتزم بختم القرآن الكريم مرتين ، مرة في صلاة التراويح ومرة في صلاة التهجد التي تكون في العشر الأواخر من رمضان ، وغالبًا ما يتخلل صلاة التراويح كلمة وعظ وإرشاد من إمام المسجد أو من بعض العلماء في تلك البلاد .
أثناء الصلاة تكون الشوارع خالية من المارة حيث يسارع جميع المسلمين إلى أداء الصلاة ويترك التاجر تجارته والبائع سلعته ويغلق كل واحد دكانه ، تتوقف حركة البيع والشراء حتى تنتهي الصلاة ، ومن كثرة المصلين تكتظ المساجد وتمتلئ الساحات والميادين ، ويفترش كل مصل سجادته الخاصة ، يسعون في السنغال لنشر الثقافة الإسلامية على امتداد البلاد ، إذ تنشط هذه الجماعات في رمضان عن غيره من الشهور في ضم آلاف الشباب والفتيات إلى صفوفها ويساعدهم في ذلك تدين الشعب وارتفاع إيمانياته بسبب الشهر الكريم.