- أول من تولى منصب الافتاء في مصر وينتمي للحركة الإصلاحية المحافظة ويرى أن الإصلاح بنشر التعليم بين الشعب والتدرج في الحكم النيابي
- في عام 1881 شارك محمد عبده في  ثورة عرابي وبعد فشلها حكم عليه بالسجن ثم بالنفي إلى بيروت لمدة ثلاث سنوات
- قام مع صديقه الأفغاني بتأسيس جريدة «العروة الوثقى» في باريس ولم تستمر لأن المقالات التي كانت تكتب بها أثارت حفيظة الإنجليز والفرنسيين
- تعلم محمد عبده اللغة الفرنسية وأتقنها واطلع على العديد من الكتب والقوانين الفرنسية وترجم كتابا في التربية من الفرنسية إلى العربية

 الإمام محمد عبده  (1266هـ - 1323هـ / 1849م - 1905م)

هو عالم دين و فقيه و مجدد إسلامي مصري ، يعد أحد رموز التجديد في الفقه الإسلامي و من دعاة النهضة والإصلاح في العالم العربي والإسلامي، ساهم بعد التقائه بأستاذه جمال الدين الأفغاني في إنشاء حركة فكرية تجديدية إسلامية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين تهدف إلى القضاء على الجمود الفكري والحضاري و إعادة إحياء الأمة الإسلامية لتواكب متطلبات العصر. وتلقى تعليمه بالجامع الأحمدي، ثم بالأزهر، وصاحَبَ الأفغاني وتتلمذ عليه، وشارك في الثورة العرابية، ثم نُفي من مصر إلى بيروت، وبعد عودته تم تعيينه مفتيًا، وقاد حركة الإصلاح في مصر.

حياته  و تعليمه

ولد محمد بن عبده بن حسن خير الله سنة 1266 هـ الموافق 1849م في قرية محلة نصر بمركز شبراخيت في محافظة البحيرة. لأب تركمانى وأم مصرية تنتمي إلي قبيلة (بني عدي) العربية .وفي سنة 1866م التحق بالجامع الأزهر، وفي سنة 1877م حصل على الشهادة العالمية، وفي سنة 1879م عمل مدرساً للتاريخ في مدرسة دار العلوم وفي سنة 1882م
 
و تعلم القراءة والكتابة في منزل أبيه، وبعد أن جاوز العاشرة من عمره قام والده بإرساله إلى كتاب القرية حيث تلقى دروسه الأولى، وفي سن الخامسة عشر تقريباً، التحق «بالجامع الأحمدي»- جامع السيد البدوي بطنطا- حيث تلقى علوم الفقه واللغة العربية كما حفظ القرآن وجوده.
 
 انتقل بعد ذلك الشيخ محمد عبده إلى الدراسة في الأزهر الشريف، وذلك في عام 1865، وتلقى في هذه الجامعة العلمية والدينية القيمة علومه المختلفة فدرس الفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والبلاغة، وغير ذلك من العلوم الشرعية واللغوية، استمر في الدراسة في الأزهر حتى حصل على الشهادة عام 1877.
 
 حاول محمد عبده الانفتاح على العلوم الأخرى والتي لم يكن الأزهر يهتم بتدريسها في هذا الوقت، ووجد ضالته في بعض الشخصيات التي أثرت في حياته بشكل فعلي منهم الشيخ درويش خضر والذي كان يقدم له النصح دائمًا ، ويوجهه للطريق السليم، ويحثه على ضرورة التعرف على مختلف العلوم الأخرى بجانب العلوم الشرعية والفقهية، وبعد ذلك تعرف محمد عبده على الشيخ حسن الطويل الذي كان على دراية بعدد من العلوم مثل الرياضيات والفلسفة، وتلقى على يديه عدد من الدروس، ثم يأتي دور جمال الدين الأفغاني في حياة محمد عبده حيث نشأت بين الاثنين صداقة قوية مبعثها الدعوة للإصلاح.
 
 قام محمد عبده من خلال هدفه في الدعوة للإصلاح، ونشر التنوير والعلم بالتدريس في العديد من الأماكن منها الأزهر الشريف الذي قام بتدريس المنطق والفلسفة والتوحيد فيه، ودرس في دار العلوم 1879 مقدمة ابن خلدون، كما قام بالتدريس في مدرسة الألسن. 
 
 ألف كتاب في علم الاجتماع والعمران، كما قام بكتابة عدد من المقالات في عدد من الجرائد منها جريدة الأهرام.
قام رياض باشا- رئيس النظار في عهد الخديوي توفيق- بتعيين الإمام محمد عبده في جريدة الوقائع المصرية، وهي الجريدة التي قام رياض باشا بإجراء بعض الإصلاحات عليها وضم بها عدد من الشخصيات البارزة للعمل فيها مثل سعد زغلول، ومحمد خليل، والشيخ محمد عبده، حيث قام محمد عبده بمهمة التحرير والكتابة في القسم الخاص بالمقالات الإصلاحية الأدبية والاجتماعية.

حركة الاصلاح

لقب الامام محمد عبده بـ «زعيم الإصلاح الفكري والديني» وكان ينتمي في تيار حركة الإصلاح إلى المحافظين الذين يرون أن الإصلاح يكون من خلال نشر التعليم بين أفراد الشعب والتدرج في الحكم النيابي. وكان سعد زغلول أيضًا من مؤيدي هذا التيار، وهو عكس التيار الذي يدعو للحرية الشخصية والسياسية مثل المنهج الذي تتبعه الدول الأوروبية، وكان من مؤيدي هذا التيار «أديب إسحاق» ومجموعة من المثقفين الذين تلقوا علومهم في الدول الأوروبية.
اشتراكه في ثورة عرابي .. ورحلته بعد نفيه ثم عودته الى مصر
 
في عام 1881 انهمك الإمام محمد عبده مع ثورة عرابي، وتوالت انتصاراتها؛ فهو الذي وضع يمين القسم الذي أقسمه ضباط وزعماء الثورة عن البلاد، وبعد انهزام الثورة   حكم عليه بالسجن ثم بالنفي إلى بيروت لمدة ثلاث سنوات، وسافر بدعوة من أستاذه جمال الدين الأفغاني إلى باريس عام 1884 ، وأسس صحيفة العروة الوثقى. 
 
 انتقل محمد عبده إلى بيروت حيث مكث بها قرابة العام، ثم انتقل بعدها إلى باريس ليكون بالقرب من أستاذه وصديقه جمال الدين الأفغاني حيث قاما معًا بتأسيس جريدة “العروة الوثقى” ولكن للأسف هذه الجريدة لم تستمر كثيرًا حيث أثارت المقالات التي كانت تكتب بها حفيظة الإنجليز والفرنسيين خاصة، وأنها كانت تتضمن مقالات تندد بالاستعمار، وتدعو للتحرر من الاحتلال الأجنبي بجميع أشكاله، فتم إيقاف إصدارها.
 
عاد مرة أخرى لبيروت حيث قام بتأليف عدد من الكتب، والتدريس في بعض مساجدها، ثم انتقل للتدريس في»المدرسة السلطانية «في بيروت حيث عمل على الارتقاء بها وتطويرها، كما شارك بكتابة بعض المقالات في جريدة «ثمرات الفنون»، وقام بشرح «نهج البلاغة»، و»مقامات بديع الزمان الهمذاني»، وفي بيروت تزوج من زوجته الثانية بعد وفاة زوجته الأولى.
 
 وعين محمد عبده قاضيًا أهليًا في محكمة بنها، ثم في محكمة الزقازيق، وعابدين، ثم مستشارًا في محكمة الاستئناف. 
تعلم محمد عبده اللغة الفرنسية وأتقنها وأطلع على العديد من الكتب والقوانين الفرنسية، كما قام بترجمة كتاب في التربية من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية. وعين قاضيًا بمحكمة بنها 1889 ثم انتقل إلى محكمة الزقازيق ثم محكمة عابدين ثم ارتقى إلى منصب مستشار في محكمة الاستئناف عام 1891. وعين عضوًا في مجلس شورى القوانين في 25 يونيو عام 1890. 

توليه منصب مفتي الديار المصرية 

في 3 يونيه 1899 صدر مرسوم خديوي وقعه الخديوي عباس حلمي بتعيين الشيخ محمد عبده مفتياً للديار المصرية،  وجدير بالذكر أن منصب الإفتاء كان يضاف لمن يشغل وظيفة مشيخة الجامع الأزهر في السابق وبهذا المرسوم استقل منصب الإفتاء عن منصب مشيخة الجامع الأزهر، وصار الشيخ محمد عبده أول مفت مستقل لمصر معين من قبل الخديوي عباس حلمي.
 
 وتبعاً لذلك أصبح عضواً في مجلس الأوقاف الأعلى، بلغ عدد فتاويه 944 فتوى استغرقت المجلد الثاني من سجلات مضبطة دار الإفتاء بأكمله وصفحاته 198، كما استغرقت 159 صفحة من صفحات المجلد الثالث، ظل الشيخ محمد عبده مفتياً للديار المصرية ست سنوات كاملة حتى وفاته عام 1905م .

من فتاويه

كانت له مواقف وفتاوى تمثل فكرا إسلاميا ملائما لروح الوطن وكان يحذر من الغلو والتطرف في الدين وآمن بأن الإصلاح الأخلاقي يجب أن يسبق الإصلاح السياسي وقد فتح باب الاجتهاد لمعالجة العديد من القضايا المعاصرة .
وكانت له فتاوى في العديد من المجالات :
 
-عن الوقف وقضاياه، والميراث ومشكلاته، والمعاملات ذات الطابع المالي والآثار الاقتصادية، مثل البيع والشراء، والإجازة والرهن والإبداع، والوصاية والشفعة والولاية على القصر، والحكر والحجر والشركة وإبراء الذمة، ووضع اليد والديون واستقلال المرأة المالي والاقتصادي، يبلغ عدد فتاواه في ذلك 728 فتوى.
 
-عن مشاكل الأسرة وقضاياها، من الزواج، والطلاق والنفقة والإرضاع والحضانة، والإقرار بالغلام المجهول، وعدد فتاواه في ذلك 100 فتوى.
 
-عن القود والقتل والقصاص، عدد فتاواه في ذلك 29 فتوى.
-فتاوى في موضوعات متنوعة ومختلفة، عدد فتاواه في ذلك نحواً من 87 فتوى.
ونلاحظ أن 80% من الفتاوي تتعلق بمشكلات خاصة بالحياة المالية والاقتصادية وقضاياها.
 في 25 يونيه 1899 عين عضوا بمجلس شوري القوانين، وكان حريصا علي قصر الاهتمام علي الأمور الوطنية الكبرى .
 في عام 1900 أسس جمعية إحياء العلوم العربية لنشر المخطوطات و انتخب رئيسا لها ، كما أن له دور في إنشاء الجامعة المصرية . 

منهجه الاصلاحي :

قام مذهبه في الإصلاح علي ثلاثة محاور هي: الإصلاح الديني.  إصلاح اللغة العربية. الإصلاح السياسي 
وكان إماما واعيا مطلعا حر الفكر، واسع الأفق، كان له أصدقاء عديدون، شرقيون وغربيون، وكان بينه و بين بعضهم مراسلات مثل: جوستاف لوبون، هربرت سبنسر، تولستوي، هانوتو ، بلنت ... و غيرهم .     
و شرع في سنة 1905 أي في ذكري مائة سنة علي ولادة محمد علي، في كتابة سلسلة مقالات تهاجم محمد علي وحكمه وطموحاته .

موقفه من الازهر :

كان محمد عبده قاسياً على مشايخ الأزهر، وكان لا يتورع عن أن يطلق علي الأزهر نعت الإسطبل و المارستان و المخروب، محاولة لإقصاء شيوخ الأزهر التقليديين، ولهذا رد عليه شيوخ الأزهر وكتبوا عن أستاذه الأفغاني كتابا بعنوان» تحذير الأمم من كلب العجم»، وكتبوا عنه كتابا آخر بعنوان: «كشف الأستاذ في ترجمة الشيخ الفشار» وبالرغم من جرأة محمد عبده في التصدي لشيوخ الأزهر إلا أنه صمت عن الرد، ولم يكن هذا الأمر مخالفاً لرغبة السلطات المصرية آنذاك حتى الإصلاحيين في الأزهر أمثال مصطفى المراغي ومصطفي عبد الرازق .
 لم تكن علاقة الشيخ محمد عبده بالخديوي عباس على ما يرام وازدادت سوءاً على مر الأيام، الأمر الذي أدى لمحاولة النيل من محمد عبده بمختلف السبل الممكنة من خلال المؤامرات، ومحاولة تشويه صورته في الصحف وأمام الشعب، وأدى هذا الأمر بالشيخ في نهاية الأمر بتقديم استقالته من الأزهر عام 1905م، وبعد ذلك توفاه الله وهو متأثر بخيبة أمله في إصلاح الأزهر، والمقاومة العنيفة التي واجهها من جانب الخديوي و الانجليز و المشايخ غير الشرفاء لدعوته الإصلاحية، وكتب أبيات شعر قبيل وفاته مباشرة تعبر عن هذا قال فيها : 
 
          ولست أبالي أن يقال محمد                أبلي أم اكتظت عليه المآثم 
          ولكنه دين أردت إصلاحه                 أحاذر أن تقضي عليه العمائم    

أهم مؤلفاته :

رسالة التوحيد. تحقيق وشرح «البصائر القصيرية للطوسي». تحقيق وشرح «دلائل الإعجاز» و»أسرار البلاغة» للجرجاني. الرد على هانوتو الفرنسي. الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية (رد به على إرنست رينان سنة 1902م). تقرير إصلاح المحاكم الشرعية سنة 1899م. شرح نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب - العروة الوثقى مع معلمه جمال الدين الأفغاني.

من تلامذته :

 محمد رشيد رضا -شاعر النيل حافظ إبراهيم الذي قال مرثيته راسما فيها صورة صادقة جياشة لشخصية العالم المخلص وقد أدار حافظ قصيدته على محاور تقوى الإمام وصبره على ما ابتلي به من أذى الحاقدين وموقفه التاريخي في دحض أباطيل المستشرقين وتفسيره للقران الكريم. -الشيخ الشهيد عز الدين القسام والذي كان أول من نادى بالثورة على الإنجليز والصهاينة وتحرير فلسطين من بين أيديهم.-شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي -شيخ الأزهر مصطفى عبد الرازق -شيخ العروبة محمد محيي الدين عبد الحميد -سعد زغلول - قاسم أمين - محمد لطفي جمعة - طه حسين

وفاته:

في الساعة الخامسة مساء يوم 11 يوليو عام 1905م / 7 جمادى الأولى 1323 هـ توفى الشيخ بالإسكندرية بعد معاناة من مرض السرطان عن سبع وخمسين سنة، ودفن بالقاهرة ورثاه العديد من الشعراء.

مراجع

موقع ذاكرة مصر المعاصرة التبع لمكتبة الاسكندرية -الأعمال الكاملة، محمد عبده. ت. محمد عمارة بيروت 1972 المؤسسة العربية للدراسات والنشر ج(3) ص530. -  انظر الكتاب القيم: حقائق عن التصوف، عبد القادر عيسى، حلب 1970 مطبعة البلاغة ص585. – موقع الموسوعة الحرة - كتاب» محمد عبده « تأليف محمود عباس العقاد -  كتاب»رائد الفكر المصري..الإمام محمد عبده « من تأليف عثمان أمين -  كتاب» الإمام محمد عبده في أخباره وآثاره « تأليف رحاب عكاوي .