- ابن باديس من رجال الإصلاح في الوطن العربي ومؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومن رواد الحركة الإصلاحية والعلمية بالجزائر
- ارتبط اسمه لدى الجزائريين بالعلم  لذلك يحتفلون في 16 أبريل كل عام بيوم العلم تخليدا لذكراه 
- انشغل الشيخ ابن باديس بالجانب العملي من إنشاء للمدارس والكتاتيب والكتابة في الصحف والجرائد ومقاومة الاحتلال الفرنسي من خلال جمعية العلماء المسلمين
- أراد أن يُعلن قيام ثورة كبرى على فرنسا أثناء ضعفها في الحرب العالمية الثانية لولا أنه مرض مرضًا شديدًا توفي على إثره في 1940

 
الإمام عبد الحميد بن باديس (1307هـ - 1889 م /  1358 هـ -1940م )
منذ العام 1830م وقعت الجزائر تحت نير الاحتلال الفرنسي الغاشم، وهي بهذا الاحتلال تُعد إحدى أقدم البلدان احتلالا إذا علمنا أنه انجلى عنها بعد 132 عامًا متصلة، ذاق الجزائريون فيها صنوف العذاب والهوان.و قضى الفرنسيون على دعائم النهضة العلمية في الجزائر والوعي بالسيطرة على الأوقاف، وهدم بعض المساجد الجامعة الكبرى، حتى استحال العلم إلى جهل، ولم تبلغ الجزائر أعتاب القرن العشرين وقد سيطرت الفرنسة عليها، وكادت العربية أن تمحى! في ظل ذلك الواقع البئيس ولد عبد الحميد بن باديس في مدينة قسنطينة شرقي الجزائر.
 
 
المولد والنشأة 
هو الإمام عبد الحميد بن محمد بن المكي بن باديس ، ولد  بمدينة قسنطينة بالجزائر يوم 11 ربيع الثاني 1307 الموافق 4 ديسمبر/كانون الأول 1889  وهو من رجال الإصلاح في الوطن العربي ورائد النهضة الإسلامية في الجزائر، ومؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. ومن رواد الحركة الإصلاحية والعلمية بالجزائر، ، لقب بألقاب عديدة فهو المصلح الثوري، والشاعر الصحفي، والعالم المفسر، والمعلم المربي، والكاتب السياسي، وقد ارتبط اسمه لدى الجزائريين بالعلم، لذلك يحتفلون في 16 أبريل/نيسان من كل عام بيوم العلم تخليدا لذكراه.
وقد نشأ في أسرة عريقة ومتدينة وذات مكانة وجاه، فأبوه محمد المصطفى بن باديس كان حافظا للقرآن ومن أعيان المدينة، واشتغل قاضيا وعضوا في المجلس الجزائري الأعلى، ومن رجال أسرته المشهورين المعز بن باديس الذي أعلن انفصال الدولة الصنهاجية عن الدولة الفاطمية وأعلن فيها مذهب أهل السنة والجماعة. وعرفت الأسرة الباديسية منذ القدم بإنجابها للعلماء والأمراء والسلاطين.
 
 
طلبه للعلم 
بدأ حياة التعلم في الكتاب القرآني على الشيخ محمد المداسي حتى حفظ القرآن عليه، وسنه ثلاثة عشرة سنة. ولشدة إعجابه بجودة حفظه، وحسن سلوكه، قدمه ليصلي بالناس التراويح في رمضان بالجامع الكبير سنتين أو ثلاثا ختم عبد الحميد بن باديس حفظ القرآن وهو ابن ثلاث عشرة عاما على يد الشيخ محمد المداسي و من شدة إعجاب الشيخ بجودة حفظه، وحسن سلوكه، قدمه ليصلي بالناس التراويح في رمضان بالجامع الكبير سنتين أو ثلاثا، وتلقى مبادئ العلوم العربية والإسلامية بجامع سيدي عبد المؤمن على مشايخ أجلاء من أشهرهم العالم الجليل الشيخ حمدان الونيسي القسنطيني ابتداء من عام 1903 وهو من أوائل الشيوخ الذين كان لهم أثر طيب في اتجاهه الديني، ولا ينسى ابن باديس أبداً وصية هذا الشيخ له: «اقرأ العلم للعلم لا للوظيفة»، بل أخذ عليه عهداً ألا يقرب الوظائف الحكومية عند فرنسا
 
 
في جامع الزيتونة بتونس 
وفي سنة (1327 هـ - 1908 م) التحق الشيخ عبد الحميد بجامع الزيتونة، فأخذ عن جماعة من كبار علمائها الأجلاّء، وفي طليعتهم زعيم النهضة الفكرية والإصلاحية في الحاضرة التونسية العلاّمة «محمّد النخلي القيرواني» المتوفى سنة: (1342 هـ - 1923 م)، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور المتوفى سنة: (1393 هـ - 1973 م)، فضلاً عن مربين آخرين من المشايخ الذين كان لهم تأثير في نمو استعداده، وتعهّدوه بالتوجيه والتكوين، كالبشير صفر، وسعد العياض السطايفي، ومحمّد بن القاضي وغيرهم، وقد سمحت له هذه الفترة بالاطلاع على العلوم الحديثة وعلى ما يجري في البلدان العربية والإسلامية من إصلاحات دينية وسياسية، في مصر وفي الشام وغيرهم، ممّا كان لهذا المحيط العلمي والبيئة الاجتماعية، والملأزمات المستمرّة لرجال العلم والإصلاح الأثر البالغ في تكوين شخصيته ومنهاجه في الحياة .
 
في المدينة المنورة 
سافر الإمام الجليل عبد الحميد بن باديس عام 1913 في رحلة طويلة امتدت إلى الحجاز و منه إلى الشام ومصر، لأداء فريضة الحج وزيارة بعض العواصم للاتصال بعلمائها والاطلاع على ما يجري بها ،معتبرا هذه الرحلة تتمة للدراسة. وبعد أداء مناسك الحج والعمرة زار المدينة المنورة وأقام بها، وفي أثناء إقامته بها لقي أستاذه الأول الذي درس عليه في مدينة قسنطينة (فضيلة الشيخ حمدان الونيسي الجزائري) الذي هاجر إلى المدينة المنورة وأقام بها،   زار ابن باديس بعد مغادرته الحجاز بلاد الشام ومصر واجتمع برجال العلم والأدب وأعلام الدعوة السلفية، وزار الأزهر واتصل بالشيخ بخيت المطيعي حاملاً له رسالة من الشيخ الونيس.
 
العودة إلى الجزائر 
عاد ابن باديس إلى الجزائر عام 1913 م واستقر في مدينة قسنطينة، وشرع في العمل التربوي الذي صمم عليه، فبدأ بدروس للصغار ثم للكبار، وكان المسجد هو المركز الرئيسي لنشاطه، ثم تبلورت لديه فكرة تأسيس جمعية العلماء المسلمين، واهتماماته كثيرة لا يكتفي أو يقنع بوجهة واحدة، فاتجه إلى الصحافة، وأصدر جريدة المنتقد  عام 1925 م وكان شعارها «الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء» ثم أوقفت بعد العدد الثامن عشر؛ فأصدر جريدة الشهاب الأسبوعية ، التي بث فيها آراءه في الإصلاح، واستمرت كجريدة حتى عام 1929 م ثم جرائد البصائر   والسنة   والشريعة والصراط ، وكان شعارها مقولة الإمام مالك إمام دار الهجرة: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها».
 
تأسيس جمعية العلماء
 المسلمين الجزائريين 
وذلك في سنة 1931 في نادي الترقي بالجزائر العاصمة. أول توقف صدور للمجلة في شهر شعبان 1328 هـ (سبتمبر 1939) بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وحتى لا يكتب فيها أي شيء تريده منه الإدارة الفرنسية تأييداً لها، وفي سنة 1936 م دعا إلى مؤتمر إسلامي يضم التنظيمات السياسية كافة من أجل دراسة قضية الجزائر، وقد وجه دعوته من خلال جريدة لاديفانس التي تصدر بالفرنسية، واستجابت أكثر التنظيمات السياسية لدعوته وكذلك بعض الشخصيات المستقلة، وأسفر المؤتمر عن المطالبة ببعض الحقوق للجزائر، وتشكيل وفد سافر إلى فرنسا لغرض هذه المطالب وكان من ضمن هذا الوفد ابن باديس والإبراهيمي والطيب العقبي ممثلين لجمعية العلماء، ولكن فرنسا لم تستجب لأي مطلب وفشلت مهمة الوفد.
 
 
العوامل المؤثرة في شخصية
 ابن باديس 
لا شك أن البيئة الأولى لها أثر كبير في تكوين شخصية الإنسان، وفي بلد كالجزائر عندما يتفتح ذهن المسلم على معاناته من فرنسا، وعن معاناته من الجهل والاستسلام للبدع-فسيكون هذا من أقوى البواعث لأصحاب الهمم وذوي الإحساس المرهف على القلق الذي لا يهدأ حتى يحقق لدينه ولأمته ما يعتبره واجباً عليه، وكان ابن باديس من هذا النوع. وإن بروز شخصية كابن باديس من بيئة ثرية ذات وجاهة لَهو دليل على إحساسه الكبير تجاه الظلم والظالمين، وكان بإمكانه أن يكون موظفاً كبيراً ويعيش هادئاً مرتاح البال ولكنه اختار طريق المصلحين.
 
تأتي البيئة العلمية التي صقلت شخصيته وهذبت مناحيه والفضل الأكبر يعود إلى الفترة الزيتونية ورحلته الثانية إلى الحجاز والشام حيث تعرف على المفكرين والعلماء الذين تأثروا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهّاب وما دعا إليه من نقاء العقيدة وصفائها. وكان لمجلة المنار التي يصدرها الشيخ رشيد رضا أثر قوي في النظر لمشكلات المسلمين المعاصرة والحلول المطروحة.
 
مما شجع ابن باديس وأمضى عزيمته وجود هذه العصبة المؤمنة حوله-وقد وصفهم هو بالأسود الكبار-من العلماء والدعاة أمثال الإبراهيمي والتبسي والعقبي والميلي. وقد عملوا معه في انسجام قلّ أن يوجد مثله في الهيئات الأخرى.
 
 
المسار الإصلاحي
أولى بن باديس التربية والتعليم اهتماما بالغا في نشاطه الإصلاحي، وتوج ذلك بتأسيس مكتب للتعليم الابتدائي العربي عام 1926 انبثقت عنه في عام 1930 مدرسة جمعية التربية والتعليم الإسلامية، وهي الجمعية التي أصبح لها نحو 170 فرعا في مختلف مناطق الجزائر.
استعمل الصحافة لنشر فكره الإصلاحي من خلال إصدار جريدة المنتقد عام 1925، التي تولى رئاسة تحريرها، ثم جريدة الشهاب في نفس السنة. أنشأ رفقة 72 عالما من شتى الاتجاهات الدينية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (1931) وانتخب رئيسا لها، وجعل شعارها «الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا».
 
أسهم بمواقفه وآرائه في إثراء الفكر السياسي بالحديث عن قضايا الأمة، ففي عام 1936 دعا لعقد مؤتمر إسلامي بالجزائر لإفشال فكرة اندماج الجزائر مع فرنسا، كما شارك ضمن وفد المؤتمر الإسلامي المنعقد بباريس في يوليو/تموز 1936.
حاور لجنة البحث في البرلمان الفرنسي في أبريل/نيسان 1937، ودعا النواب لمقاطعة المجالس النيابية في شهر أغسطس/آب سنة 1937، كما دعا لمقاطعة احتفالات فرنسية بمناسبة مرور قرن على استعمار الجزائر في 1937.
   
 
 
آثار ابن باديس
انشغل الشيخ ابن باديس بالجانب العملي من إنشاء للمدارس والكتاتيب، والكتابة في الصحف والجرائد، ومقاومة الاحتلال الفرنسي من خلال جمعية العلماء المسلمين، كل هذا المجهود الكبير كان له أثر في قلة إنتاجه العلمي والتأليفي، ويقال إنه ألف الرجال ولم يؤلف الكتب. غير أنه ترك آثارا كثيرة جمعها تلامذته في أعمال منشورة وأشهر مؤلفات ابن باديس هي: “تفسير ابن باديس” و “مجالس التذكير من حديث البشير النذير” و “العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية”..وقد جمع وحقق المفكر الجزائري الدكتور عمار طيبي معظم إنتاج ابن باديس ونشره في عدة مجلدات بعنوان “آثار ابن باديس” صدرت سنة 1968م في الجزائر، ثم نشرتها دار الغرب الإسلامي بتونس في طبعة أنيقة بتقديم المثقف والمفكر الكبير مالك بن نبي.
 
وخلف آثارا عديدة نشرت على شكل مقالات وخطب ومحاضرات وقصائد شعر في صحف بينها المنتقد، والشهاب، والنجاح، والشريعة المطهرة، والسنة المحمدية، والبصائر.
ونتناول من هذه الآثار رأي ابن باديس في قضية التعليم إذ يقول: «لن يصلح المسلمون حتى يصلح علماؤهم فإنّما العلماء من الأمّة بمثابة القلب إذا صلح صلح الجسد كلّه وإذا فسد فسد الجسد كلّه، وصلاح المسلمين إنّما هو بفقههم الإسلام وعملهم به، وإنّما يصل إليهم هذا على يد علمائهم، فإذا كان علماؤهم أهل جمود في العلم وابتداع في العمل فكذلك المسلمون يكونون. فإذا أردنا إصلاح المسلمين فلنصلح علماءهم. ولن يصلح العلماء إلاّ إذا صلح تعليمهم. فالتعليم هو الذي يطبع المتعلم بالطابع الذي يكون عليه في مستقبل حياته وما يستقبل من علمه لنفسه وغيره فإذا أردنا أن نصلح العلماء فلنصلح التعليم ونعني بالتعليم؛ التعليم الذي يكون به المسلم عالماً من علماء الإسلام يأخذ عنه الناس دينهم ويقتدون به فيه.ولن يصلح هذا التعليم إلاّ إذا رجعنا به للتعليم النبوي في شكله وموضوعه في مادته وصورته فيما كان يعلم - صلى الله عليه وآله وسلم- وفي صورة تعليمه، فقد صح عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما رواه مسلم أنّه قال: إنّما بُعثتُ معلمًا. فماذا كان يُعلِّم وكيف كان يعلم . لم يكن ابن باديس منعزلاً عن واقعه السياسي، ومآسي الإجرام الفرنسي العسكري والثقافي على بلاده، وأراد مرارًا أن يُعلن قيام ثورة كبرى على فرنسا خصوصا أثناء ضعفها في الحرب العالمية الثانية لولا أنه مرض مرضًا شديدًا توفي على إثره في سنة 1940م وهو في الحادية والخمسين من عُمره.
 
وفاته
توفي عبد الحميد بن باديس مساء الثلاثاء الثامن من ربيع الأول سنة 1359 هـ الموافق لـ 16 أبريل 1940 م في مسقط رأسه بمدينة قسنطينة، التي اتخذها في حياته مركزا لنشاطه التربوي، والإصلاحي، والسياسي، والصحافي. وفي يوم تشييع جنازته إلى مقرها الأخير خرجت مدينة قسنطينة على بكرة أبيها كلها تودعه الوداع الأخير، كما حضرت وفود عديدة من مختلف جهات القطر الجزائري للمشاركة في تشيع الجنازة ودفن في مقبرة آل باديس الخاصة في مدينة قسنطينة.
 
المراجع 
آثار ابن باديس 1/75 – 81. تحقيق عمار طيبي، طبعة دار ومكتبة الشركة الجزائرية – الجزائر، 1968م. -  عبد الكريم أبو صفصاف: حركة محمد عبده وعبد الحميد بن باديس وأبعادها الثقافية والاجتماعية والسياسية 2/84- 114. سلسلة تاريخ المصريين، الهيئة العامة المصرية للكتاب – القاهرة، 2008م. - موقع الشيخ عبد الحميد بن باديس - عبد الحميد بن باديس بقلم محمد شعبان أيوب موقع  مجلة الوعي الشبابي الإلكترونية - موقع مركز دراسات قناة  الجزيرة - موسوعة وكيبيديا