- مجلس الفاتيكان أشاد بالحقائق التي جاء بها الإسلام والتي تتعلق بالله وقدرته ويسوع ومريم والأنبياء والمرسلين 
- الاستشراق يخلط كثيراً بين الإسلام كدين وتعاليم ثابتة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة وبين الوضع المتردي للعالم الإسلامي في عالم اليوم 
- المستشرقون يعملون على تعميق الخلاف بين السنة والشيعة.. ويعدون المنشقين عن الإسلام أصحاب فكر ثوري تحريري عقلي 
- الموضوعية مفتقدة في كتابات معظم المستشرقين عن الدين الإسلامي في حين أنهم عندما يكتبون عن ديانات وضعية مثل البوذية والهندوكية يكونون موضوعيين في عرضهم  
- الاستشراق يعطي لنفسه حق الحكم والاتهام والرفض للأسس الإسلامية التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي 
 - الاستشراق في دراسته للإسلام  ليس علماً بأي مقياس علمي وإنما هو عبارة عن أيديولوجية يراد من خلالها ترويج تصورات معينة عن الإسلام

  
في هذا العدد نستكمل نشر كتاب “ “الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري” لوزير الاوقاف المصري الاسبق الدكتور محمود حمدي زقزوق :
 ملاحظات على اراء المستشرقين
من خلال هذا العرض السابق لبعض الأمثلة من آراء المستشرقين ( العلمية ) عن الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم وتعاليمه ، ومن واقع ما لهم من آراء أخرى تسير في الاتجاه نفسه ، نستطيع أن نستخلص الأمور التالية:
(1) الاستشراق ـ من بين شتى العلوم الأخرى ـ لم يطور كثيراً في أساليبه ومناهجه. وفي دراسته للإسلام لم يستطع أن أن يحرر نفسه تماماً من الخلفية الدينية للجدل اللاهوتي العقيم الذي انبثق منه الاستشراق أساساً. ولم يتغير شيء من هذا الوضع حتى اليوم باستثناء بعض الشواذ. ( ومن الواضح في هذا الصدد أن صورة العصور الوسطى للإسلام قد ظلت في جوهرها دون تغيير، وإنما نضت عنها الثياب القديمة لأجل أن تضع ثياباً أقرب إلى العصر. وتتعدد علائم الإصرار على الأفكار العتيقة سواء فيما يتعلق بالقرآن أو ما يتعلق منطقياً بالعقيدة والشريعة والتاريخ في الإسلام ).
 
وتخدم اليوم وسائل الإعلام المتعددة في الغرب في تأكيد وتقوية هذا الوضع التقليدي الذي لا يزال ينظر إلى الإسلام إلى حد كبير بمنظار القرون الوسطى، ولعل هذا ما دعا السكرتير العام للمجلس الإسلامي الأوروبي في شهر يناير(كانون الأول) 1979م إلى التنديد بوسائل الإعلام الغربية لموقفها من الإسلام ، ووصفه لهذا الموقف بالإجحاف والافتراء على حقائق الدين وتشويهها . وهذا كله يحدث على الرغم من أن مجلس الفاتيكان قد أشاد في شهر أكتوبر ( تشرين الأول) 1965م بالحقائق التي جاء بها الإسلام والتي تتعلق بالله وقدرته، ويسوع ومريم والأنبياء والمرسلين ، وعلى الرغم أيضاً من قول المستشرق الألماني ( بارت ) من أن الدراسات الاستشراقية منذ منتصف القرن التاسع عشر تنحو نحو البحث عن الحقيقة الخالصة ولا تسعى إلى نوايا جانبية غير صافية.
والغريب أن الهيئات العالمية مثل اليونسكو ـ وهي هيئة دولية تشترك فيها الدول الإسلامية ـ تستكتب المستشرقين ، بوصفهم متخصصين في الإسلاميات ، للكتابة عن الإسلام والمسلمين في الموسوعة الشاملة التي تصدرها اليونسكو عن ( تاريخ الجنس البشري وتطوره الثقافي والعلمي ) . 
 
( وقد أثارت كتاباتهم حفيظة المسلمين على مؤسسة اليونسكو . والمهم ما فيها من مجافاة للحقائق التاريخية وتهجم على نبي الإسلام ، وكتب الكثيرون احتجاجات على هذه الإساءات التي ليست إلاّ وحياً لتقاليد موروثة، وامتداداً للروح الصليبية، وهو عمل كان ينبغي أن تتنزه عنه هذه المؤسسة الكبيرة. 
 
(2) يخلط الاستشراق كثيراً بين الإسلام كدين وتعاليم ثابتة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة وبين الوضع المتردي للعالم الإسلامي في عالم اليوم . فإسلام الكتاب والسنة يعد في نظر مستشرق معاصر مثل ( كيسلنج ) إسلاماً ميتاً . أما الإسلام الذي يجب الاهتمام به ودراسته فهو ذلك الإسلام المنتشر بين فرق الدراويش في مختلف الأقطار الإسلامية، هو تلك الممارسات السائدة في حياة المسلمين اليوم بصرف النظر عن اقترابها أو ابتعادها من الإسلام الأول .
(3) يؤكد الاستشراق بوضوح ظاهر على أهمية الفرق المنشقة عن الإسلامكالبابية والبهائية والقاديانية والبكداشية وغيرها من فرق قديمة وحديثة، ويعمل على تعميق الخلاف بين السنة والشيعة . والمستشرقون يعدون المنشقين عن الإسلام على الدوام أصحاب فكر ثوري تحريري عقلي ، ودائماً يهتمون بكل غريب وشاذ، ودائماً يقيسون ما يرونه في العالم الإسلامي على ما لديهم من قوالب مصبوبة جامدة . وقد أشار المستشرق ( رودنسون ) إلى شيء من ذلك حين قال: 
 
( ولم ير المستشرقون في الشرق إلا ما كانوا يريدون رؤيته، فاهتموا كثيراً بالأشياء الصغيرة والغريبة، ولم يكونوا يريدون أن يتطور الشرق ليبلغ المرحلة التي بلغتها أوروبا، ومن ثم كانوا يكرهون النهضة فيه ).
(4) يفتقد المرء الموضوعية في كتابات معظم المستشرقين عن الدين الإسلامي، في حين أنهم عندما يكتبون عن ديانات وضعية مثل البوذية والهندوكية وغيرهما يكونون موضوعيين في عرضهم لهذه الأديان . فالإسلام فقط من بين كل الديانات التي ظهرت في الشرق والغرب هو الذي يهاجم . والمسلمون فقط من بين الشرقيين جميعاً هـم الذين يوصمون بشتى الأوصاف الدنيئة. ويتساءل المرء: لماذا ؟ 
 
ولعل تفسير ذلك يعود إلى أن الإسلام كان يمثل بالنسبة لأوروبا صدمة مستمرة. فقد كان الخوف من الإسلام هو القاعدة. وحتى نهاية القرن السابع عشر كان ( الخطر العثماني ) رابضاً عند حدود أوروبا ويمثل ـ في اعتقادهم ـ تهديداً مستمراً بالنسبة للمدنية النصرانية كلها . 
 
ومن هنا يمكن فهم ما يزعمه ( موير Muir ) من : 
( إن سيف محمد والقرآن هما أكثر الأعداء الذين عرفهم العالم حتى الان عناداً ضد الحضارة والحرية والحقيقة ) . 
وما يدَّعيه ( فون جر ونيباوم ) من أن الإسلام ظاهرة فريدة لا مثيل لها في أي دين آخر أو حضارة أخرى . فهو دين غير إنساني وغير قادر على التطور والمعرفة الموضوعية. وهو دين غير خلاق وغير علمي واستبدادي .
 
وهكذا يتضح الحقد الدفين على الإسلام باستمرار بمثل هذه الافتراءات التي ليس لها في سوق العلم نصيب . 
(5) يعطي الاستشراق لنفسه في دراسته للإسلام دور ممثل الاتهام والقاضي في الوقت نفسه . فبينما نجد مثلاً أن علم التاريخ يحاول أن يفهم فقط ولا يضع موضع الشك أسس المجتمع الذي يدرسه، نجد الاستشراق يعطي لنفسه حق الحكم بل وحتى الاتهام والرفض للأسس الإسلامية التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي. وذلك ناتج عن نوايا مسبقة لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون نوايا علمية صافية كما يدعي المستشرق ( رودي بارت) . 
 
(6) يعد الاستشراق أسلوباً خاصاً في التفكير ينبني على تفرقة أساسية بينالشرق والغرب. ( فالشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا ) كما قال الشاعر الاستعماري المشهور ( كبلنج Kipllng ) . فالغربيون عقليون ومحبون للسلام ومتحررون ومنطقيون وقادرون على اكتساب قيم حقيقية، أما الشرقيون فليس لهم من ذلك كله شيء .
 
ولكن هناك حقيقة هامة يتجاهلها المستشرقون ببساطة ، وهي أن الحضارة الغربية ـ التي يصفونها باعتزاز بأنها حضارة نصرانية ـ مبنية في الأصل على تعاليم رجل شرقي وهو المسيح عليه السلام ، وعلى ما نقلوه عن العرب من علوم عربية ومن تراث قديم تطور على أيدي العرب. وهذه الحقيقة تجعل هذه التفرقة المبدئية إلى شرق وغرب والتي يعتمد عليها الاستشراق أمراً مخالفاً للمنطق . فالنصرانية دين شرقي ، والزعم بأن الغرب متقدم لأنه يدين بالنصرانية، والشرق متخلف لأنه يدين بالإسلام لا أساس له من العلم ولا من الواقع ، فالتقدم الذي يشهده الغرب اليوم في مجال العلم والتكنولوجيا لا علاقة له بالنصرانية كدين، والتخلف الذي يعاني منه الشرق لا يتحمل الإسلام وزره فهذا التخلف يعد ـ كما يقول ( مالك بن نبي ) رحمه الله : 
 
( عقوبة مستحقة من الإسلام على المسلمين لتخليهم عنه لا لتمسكهم به كما يزعم الزاعمون ) .
(7) يعمد المستشرقون إلى تطبيق المقاييس النصرانية على الدين الإسلامي وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم ـ فالمسيح في نظر النصارى ـ هو أساس العقيدة، ولهذا تنسب النصرانية إليه. وقد طبق المستشرقون ذلك على الإسلام واعتبروا أن محمداً صلى الله عليه وسلم يعني بالنسبة للمسلمين ما يعنيه المسيح بالنسبة للنصرانية، ولهذا أطلقوا على الإسلام اسم ( المذهب المحمدي Mohammedanism ) وأطلقوا على المسلمين وصف ( المحمديين ) . 
ولكن هناك سبباً آخر لاستخدام هذا الوصف لدى الكثيرين منهم وهو إعطاء الانطباع بأن الإسلام دين بشري من صنع محمد وليس من عند الله . أما نسبة النصرانية إلى المسيح فلا تعطي هذا الانطباع لديهم لاعتقادهم بأن المسيح ابن الله.
 
وتتم مقارنة أخرى بين محمد والمسيح، يكون المسيح فيها هو المقياس. فمحمد مزواج وشهواني في مقابل المسيح العفيف الذي لم يتزوج، ومحمد محارب وسياسي أما يسوع مسالم مغلوب على أمره ومعذب يدعو إلى محبة الأعداء وهكذا. 
 
(8) إن الإسلام الذي يعرضه هؤلاء المستشرقون ـ المتحاملون على الإسلام ـ في كتبهم هو إسلام من اختراعهم ، وهو بالطبع ليس الإسلام الذي ندين به ، كما أن محمد الذي يصورونه في مؤلفاتهم ليس هو محمد الذي نؤمن برسالته، وإنما هو شخص آخر من نسج خيالهم. 
 
وهكذا يمكن القول بأن الاستشراق ـ في دراسته للإسلام ـ ليس علماً بأي مقياس علمي، وإنما هو عبارة عن أيديولوجية يراد من خلالها ترويج تصورات معينة عن الإسلام، بصرف النظر عما إذا كانت هذه التصورات قائمة على حقائق أو مرتكزة على أوهام وافتراءات . 
 
وهذا يذكرنا بما كان يفعله السوفسطائيون قديماً . 
فإذا وصفنا المستشرقين المتحاملين على الإسلام بأنهم السوفسطائيون الجدد فنحن بذلك لم نتجن عليهم على الإطلاق ، ولم نتجاوز التعبير عن الواقع الذي يعيشونه مع الإسلام المفترى عليه . 
وأخيراً .. 
 
فإن قضية التفاهم بين الأمة الإسلامية والشعوب الغربية وإقامة علاقات ودية بينهما لخدمة مصالح كل من الجانبين، أصبحت من القضايا الملحة في عصرنا الراهن الذي تشابكت فيه المصالح وتعددت أوجه اعتماد كل جانب على الآخر .. هذه القضية ـ التي هي قضية السلام والاستقرار ـ لا تخدم عن طريق التهجم على مقدسات الشعوب الإسلامية أو الطعن في دينها وعقائدها أو الانتقاص من قيمها. وقد آن الأوان لوضع حد لهذه الحملات العدائية ضد الإسلام والمسلمين ، سواء من جانب المستشرقين أو في وسائل الإعلام الغربية . 
 
ومن ناحية أخرى فإن الديانات السماوية بصفة خاصة قد أصبحت اليوم مهددة من جانب التيارات المادية الإلحادية التي تجتاح العالم اليوم . والتهديد ليس موجهاً،ضد الإسلام فقط وإنما هو موجه بالقدر نفسه ضد النصرانية واليهودية وهذا أمر يتطلب توحيد جهود الأديان السماوية كلها للوقوف صفاً واحداً ضد الإلحاد الذي يكاد يعصف بكل القوي الروحية في العالم ولن يتحقق مثل هذا التعاون طالما ظلَّت فئة من المستشرقين سادرة في غيها، ومستمرة في عدوانها على الإسلام ومقدساته، وعلى المسلمين وقيمهم الدينية .
 
وإذا كانت المسألة سوء فهم ترسخ على مدى قرون طويلة فعلى المستشرقين أنفسهم أن ينهضوا اليوم للقضاء عليه، لأن الفهم ليس من جانبنا نحن المسلمين، وإنما أساساً من جانب الغربيين أنفسهم. فنحن نحترم المسيح عليه السلام، ونؤمن بنبوته وسمو رسالته وطهارة مريم، كما نؤمن بموسى عليه السلام ونبوته. ونؤمن بأن محمداً صلى الله عليه وسلم كان آخر حلقة في سلسلة النبوات الربانية. 
 
ويعترف بعض الكتاب الغربيين المعتدلين بتحمل الغربيين للجانب الأكبر من سوء الفهم. وفي ذلك يقول (إميل دير مانجيم):
 
(.. حين اشتعلت الحرب بين الإسلام والنصرانية ودامت عدة قرون اشتد النفور بين الفريقين، وأساء منهما فهم الآخر، ولكن يجب الاعتراف بأن إساءة الفهم كانت من جانب الغربيين أكثر مما كانت من جانب الشرقيين. ففي الواقع أنه على أثر تلك المعارك العقلية العنيفة التي أرهق فيها الجدليون البيزنطيون الإسلام بمساوىء واحتقارات دون أن يتعبوا أنفسهم في دراستهم ـ هب الكتاب والشعراء المرتزقة من الغربيين وأخذوا يهاجمون العرب، فلم تكن مهاجمتهم إيَّاهم إلا تهماً باطلة بل متناقضة).