اصدر مركز اتجاهات للدراسات والبحوث تقريرا خلد فيه ذكرى تولي السلطان قابوسبن سعيد مقاليد حكم سلطنة عُمان في 23 يوليو 1970، والذي يطلق عليه «يوم النهضة المبارك»، ليكون ثامن سلاطين أسرة البوسعيد التي تتولى الحكم في السلطنة فضلا عن كونه صاحب أطول فترة حكم في المنطقة العربية، بحيث مرت البلاد في عهده بعملية تطوير وتحديث وفقا لمراحل متراكمة فى البناء التدريجى المستند للخصوصية المجتمعية وما تفرضه من توازن قبلي، جعلت من عُمان وطنا مستقرا في ظل بيئة إقليمية مضطربة، عبر تقوية المناعة الداخلية في مواجهة «رياح الفوضى» الإقليمية التي تهب من كل اتجاه، على نحو جنبها تبعات الربيع العربي وتفادي موجة الصراعات المذهبية الحاكمة للتفاعلات داخل بعض دول الجوار الجغرافي المباشر.
الوطن الناعس
وأشار «اتجاهات» ان الصورة النمطية عن السلطنة تمثلت في الأدبيات الغربية حالة «الوطن الناعس»، والذي فاجأ المراقبين للشأن العُماني مع اندلاع الاحتجاجات المواكبة للحراك الثوري في بداية العام 2011، لكن سرعان ما تغيرت معادلة الاستقرار مرة أخرى. فرغم تشابه المقدمات مع دول أخرى بما فيها دول خليجية مثل مملكة البحرين، إلا أن النتائج كانت مختلفة لعدة أسباب، منها التفاعل السريع من جانب رأس النظام «السلطان قابوس» مع الاحتجاجات الشعبية، حيث اتسم بأنه «إصلاح بالجملة» وليس «إصلاح بالتجزئة»، كما ابتعد عن العنف المفرط من جانب الأجهزة الأمنية، والاحتواء المبكر للمعارضة، وإدماج كل فئات المجتمع في الهيكل السياسي والاقتصادي للدولة، وحصر نطاق الاحتجاجات الشعبية في بعدها الداخلي.
مناعة المجتمع
وفي هذا السياق، أكد السلطان قابوس أن الإنسان العُماني هو هدف التنمية وصانعها، والاهتمام بالسياسات الاجتماعية وتقديم الخدمات وارتفاع جودتها، مع توفير آليات واضحة للتمكين المجتمعي، وتعزيز فرص التنمية البشرية وتحقيق العدالة الجغرافية للتنمية وعدالة توزيعها، مع تطوير المؤسسات المجتمعية وتنظيم التفاعلات السياسية والاجتماعية من خلالها، الأمر الذي أسهم فى زيادة عملية تحصين المجتمع وتماسكه وعدم إعطاء فرصة للشعور بالتمييز من جانب شرائح اجتماعية معينة أو فئات مجتمعية محددة، الأمر الذي أسهم بدوره فى تجاوز الكثير من الأحداث والتفاعلات السياسية التى شهدتها الساحة العُمانية، لاسيما خلال العقدين الماضيين.
البرلمان المفتوح
واكد «اتجاهات»انه لم يكن ذلك هو النجاح الأول في تجاوز ازمة داخلية في عهد السلطان قابوس، فدوره فى إنهاء الحرب الأهلية وعزلة عُمان وبناء الدولة الحديثة وفرت له الشرعية السياسية التى تتجاوز انتمائه إلى أسرة آل بوسعيد.
اقتصادات السعادة
واوضح «اتجاهات» ان تقرير السعادة العالمي لعامي 2013- 2014، الذي يجريه معهد الأرض في جامعة كولومبيا بالتعاون مع الأمم المتحدة للعام الثاني على التوالي، اكد ان خمس دول خليجية جاءت بمراكز متقدمة في قائمة الشعوب الأكثر سعادة في العالم، فيما غابت بقية الدول العربية. فقد جاءت الإمارات في المرتبة الـ 13 عالميا، وتلتها سلطنة عمان في المركز الـ 23، على نحو يشير إلى شرعية الإنجاز أحد الملامح الرئيسية لأداء حكم السلطان قابوس، على مدى السنوات الماضية، عبر بذل جهود تنموية مهمة مكنتها من تحقيق بعض مؤشرات التقدم على نحو يجعل دول مجلس التعاون مختلفة عن دول الثورات والجمهوريات العربية.
تصفير المشكلات
وعلى المستوى الخارجي، اكد «اتجاهات» ان السياسة العُمانية حرصت على تسوية الصراعات سلميا وتصفير المشكلات مع دول الجوار، بسبب سياسة الحياد التي تنتهجها مع مختلف الدول بل والأطراف داخل الدول بما يجعلها وسيط محايد ونزيه، ولا يحمل أجندة مسبقة.
سويسرا الشرق الأوسط
وفي ظل هذه البيئة الإقليمية شديدة التحول، افاد «اتجاهات» ان السياسة العُمانية نجحت في تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية وهي الاستفادة من مكانتها كطرف محايد وربما وسيط بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع طهران، وتكثيف التعاون الأمني مع الدول الغربية، وهي في مجملها تتسق مع توجهات السياسة الخارجية العُمانية القائمة على الاستيعاب والحذر، وهو ما يجعل سلطنة عُمان في عهد قابوس تصنف بأنها «سويسرا الشرق الأوسط» أو «نرويج الخليج».
السلوك المحايد
اشار التقرير ان الثابت تاريخيا أن سلطنة عُمان اتبعت سياسة التقليل من الانخراط في البيئة الخارجية أو التفاعل معها، على كافة أو معظم المستويات، خاصة السياسية والعسكرية. 
واتجه دائما الموقف العُماني في عهد قابوس للحل السياسي في الأزمات الإقليمية الحادة مثل الأزمة السورية عن طريق الوساطة بين أطراف الصراع. وسلطنة عُمان لا تريد أن تكون طرفا في أي صراع داخلي إلا في حالة اعتداء خارجي لدولة من دول مجلس التعاون الخليجي، كما حدث في حالة احتلال العراق للكويت في 2 اغسطس 1990، كانت عُمان جزءا من القوة العسكرية المشتركة في «درع الجزيرة».
علاقات متوازنة
بين «اتجاهات» ان سلطنة عُمان ظلت وسيطا قادرة على الحوار مع جميع الأطراف، لا يبني تحالفات مع طرف ضد مصلحة طرف آخر أو على حسابه. ولم تكن السياسة العمانية تندفع في اتجاه ما، خلال حروب الخليج المتعاقبة، بل عملت على اغتنام علاقاتها على كل أطراف النزاع: العراق، ودول الخليج، والولايات المتحدة الأمريكية، للاحتفاظ بمخرج يمكن أن تمر به تفاعلات المنطقة، إن هي اتجهت نحو الحلول السلمية. كما نجحت في التوسط في المفاوضات الحدودية بين السعودية واليمن. 
إذن تقدم السياسة العُمانية بشقيها الداخلي والخارجي في عهد السلطان قابوس بن سعيد نموذجا مختلفا، سواء في الاستقرار السياسي والاجتماعي والتطور التدريجي وتحديث المجتمع التقليدي، وتحجيم مردوات الفوضى الإقليمية والاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع مختلف الأطراف الفاعلة في الأزمات الخارجية، بما يسمح لها بهامش مناورة عالي يحافظ على مصالحها الوطنية.