أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بلبلة في صفوف الجمهوريين بطلبه إلغاء سقف الدين الذي لطالما استخدم في الكونغرس ولا سيما من الجمهوريين وسيلة للضغط المالي على السلطة التنفيذية.
وقال ترامب أول أمس الخميس غداة الإعلان عن اتفاق بين الجمهوريين والديموقراطيين بتأجيل ذاك الاستحقاق حتى 8 ديسمبر(كانون الأول) المقبل، "أعتقد أن الأمر يستحق البحث"، وأضاف أنه "منذ سنوات يتحدث الناس عن إمكان إلغاء سقف الدين وهناك أسباب كثيرة تستوجب ذلك"، طارحاً مجدداً النقاش الذي يثير ردود فعل قوية في معسكر الجمهوريين المتمسكين بهذه الورقة القوية في المفاوضات مع السلطات الفدرالية.
ويعد السماح برفع سقف الدين من صلاحيات الكونغرس منذ 100 عام بالتحديد، وإذا كان الأمر ينطوي على مجرد إعطاء الضوء الأخضر لصرف النفقات التي اعتمدها الكونغرس في الميزانية، فلطالما استخدمه المشرعون ورقة ضغط لإقرار الميزانية وإعادة طرح مسألة الدين الأمريكي الهائل الذي بلغ اليوم 20 تريليون دولار.
وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، كان الكونغرس يقره بصورة آلية، ولكن الأمر تغير في سنة 1995 في عهد الديموقراطي بيل كلينتون الذي تعايش مع كونغرس غالبيته جمهورية وعارضه في مسائل الميزانية، ومنذ ذلك الحين، بات رفع سقف الدين سيفاً مصلتاً على عنق الإدارة الأمريكية وهو ما واجهته خصوصاً إدارة باراك أوباما.
إذ يثير رفض الكونغرس السماح للدولة الفدرالية بمواصلة الاستدانة خشية من إغلاق المؤسسات الحكومية مثلما حدث في نهاية سنة 2013، أو حتى أسوأ من ذلك، يمكن أن يؤدي إلى عجز أكبر مَدين في العالم عن السداد.
وقال الاقتصادي لدى معهد "أمريكان انتربرايز" ستان فوجر "أعتقد أن التخلص من سقف الدين سيكون قراراً سياسياً صائباً، ولكنه أمر صعب، الجمهوريون سيعارضون ذلك بقوة لأنهم يحبون التمسك بهذه الورقة في حال عادوا إلى موقع المعارضة".
وأضاف "من ثم فإنهم سيبدون وكأنهم غير مكترثين بالدين في حين أنه من المسائل التي شغلت في السنوات الأخيرة مكانة محورية في النقاش السياسي إلى درجة أنها كانت وراء نشوء حركة "حزب الشاي" وأعضاؤها من غلاة المحافظين الذين وجد ترامب في صفوفهم عدداً كبيراً من المؤيدين".
وردت منظمة "فريدوم ووركس" المنبثقة عن "حزب الشاي" على فكرة إلغاء هذه الصلاحية على لسان رئيسها آدم براندون بقوله إن "سقف الدين أمر جيد، ومناقشة الدين من اللحظات التي تتيح للمحافظين خوض معركة رابحة لتحجيم الحكومة".
وبالمثل، عبر رئيس مجلس النواب الجمهوري بول راين عن معارضته بقوله "لسنا معنيين بإلغاء سقف الدين"، وأضاف عبر إذاعة "فوكس نيوز"، "رغم أنه ليس مثالياً، فإنه يمثل أداة جيدة لفرض الانضباط في الميزانية".
ولكن العديد من الاقتصاديين يرون أن سقف الدين لم يكن يوماً أداة فعالة عدا عن أنه يزيد من تكلفة الاستدانة مع اقتراب الموعد المحتوم لتجديد الإذن بالاقتراض وشعور الأسواق المالية بالخشية من عجز الولايات المتحدة عن سداد ديونها.
وهذا ما حدث في سنة 2011 عندما خفضت وكالة "ستاندرد أند بورز" التصنيف الائتماني للولايات المتحدة لأول مرة في التاريخ العاصر إلى "ألف ألف" بدلاً من "ألف ألف ألف".
وقال شاي أكاباس من مركز "السياسة الحزبية الثنائية" إنه عندما ترتفع الفائدة على سندات الخزينة لأنها تصبح عالية المخاطر في إطار المواجهة بين الإدارة والكونغرس، فإن دافعي الضرائب هم الذين يدفعون الثمن في نهاية المطاف.
وأضاف "أعتقد أن الوقت حان لأن يناقش الحزبان كيف يمكن التزود بأدوات مالية أخرى أكثر نجاعة وأقل خطورة".
وسيستمر النقاش في نهاية الأمر أشهراً، لأنه مع تأخير استحقاق زيادة سقف الدين إلى 8 ديسمبر(كانون الأول) المقبل، لا يزال لدى وزارة الخزانة إمكانية اللجوء إلى تدابير محاسبية استثنائية لتوفير السيولة من دون الاستدانة حتى ربيع 2018.