عادت العملة الإلكترونية الافتراضية (البتكوين) إلى صدارة المشهد الاقتصادي العالمي أخيرا عقب تغيرات كبيرة ومتسارعة في قيمتها داعبت لوهلة أذهان الاقتصاديين في التحول إلى عملة عالمية تنافس الدولار وتنتقل من العالم الافتراضي الرقمي إلى الأسواق العالمية وجيوب المستهلكين.
و(البتكوين) التي انطلقت عام 2008 يتم تداولها بشكل كامل عبر الإنترنت فقط ولا وجود فيزيائيا لها بيد أنها تختلف عن بقية العملات التقليدية لناحية عدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها في حين يمكن استخدامها كأي عملة أخرى للشراء عبر الإنترنت ويمكن حتى تحويلها إلى أي عملة تقليدية أخرى.
وعلى مدى الأسبوعين الماضيين شهدت (البتكوين) هبوطا حادا مفاجئا وغير مسبوق فتح الباب واسعا أمام تساؤلات متجددة حول ماهية هذه العملة وفكرتها ونشأتها وأحدثت حالة انقسام في أوساط المحللين السياسيين ما بين حالم محبط ومتفائل حذر.
وعن آخر مستجدات هذه العملة أجرت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم السبت لقاءات متفرقة مع عدد من المتخصصين والخبراء لسبر أغوار هذه العملة وآفاقها المستقبلية وإمكانية تجاوزها وصمودها أمام التحديات المستجدة.
وقال المستشار في المعهد العربي للتخطيط الدكتور عوني الرشود ل(كونا) إن عملة (البتكوين) تعتمد أساسا على مبادئ التشفير في جميع جوانبها بمعنى أنها لا تمتلك رقما متسلسلا ولا أي وسيلة أخرى تتيح تتبع ما أنفق للوصول إلى البائع أو المشتري مما يجعل منها فكرة رائجة لدى كل من المدافعين عن الخصوصية كما استغلها مروجو البضاعة غير المشروعة مثل المخدرات عبر الإنترنت.
وأضاف الرشود أن الهدف من استخدام (البتكوين) هو خلق نظام نقدي إلكتروني يعتمد في التعاملات المالية على مبدأ "الند للند" عن طريق التعامل المباشر بين مستخدم وآخر دون وجود وسيط بغية تغيير الاقتصاد العالمي بالطريقة نفسها التي غيرت بها (صفحات الويب) اساليب النشر في العالم.
وأوضح أن من الممكن استخدام (البتكوين) لشراء الكتب والهدايا أو الأشياء المتاح شراؤها عن طريق الإنترنت وتحويلها إلى عملات أخرى كالدولار أو اليورو عن طريق حافظة (بتكوين) الشخصية التي تعتبر بمنزلة حساب بنكي شخصي يتميز بالسرية يكون الهدف منه حفظ الرصيد الشخصي من تلك العملة.
وذكر أن عملة (البتكوين) عبارة عن رمز يتكون من مجموعة مشفرة من الحروف والأرقام مبينا أن متداولي هذه العملة لا يملكون خيارات كثيرة في الوقت الحالي لإنفاق أموالهم من خلالها مما يدفع بعضهم لاستبدالها مقابل العملات التقليدية ويتم ذلك عادة عبر منصات خاصة واستبدالها مع مستخدمين آخرين لها.
ولفت إلى أنه في حال رغبت الحكومات بكشف هويات أصحاب بعض الحسابات التي تتداول (البتكوين) ما عليها سوى أن تقنن عمليات التحويل بدل منعها لمعرفة اسم صاحب كل حساب بمجرد أن يرغب في استبدال ما بحوزته مقابل عملات تقليدية ما من شأنه أن يمثل نقطة انطلاق لتتبع الأموال المسروقة.
وأوضح الرشود أن (البتكوين) تحظى بدعم من مواقع بيع خدمات الاستضافة وحجز أسماء النطاق والشبكات الاجتماعية ومواقع الفيديو والموسيقى والمواقع المتنوعة التي تبيع مختلف أنواع المنتجات.
وبين أن الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا تعترفان فقط ب(البتكوين) كعملة في حين تحظر استخدامها دول أخرى أبرزها الصين وروسيا إضافة إلى أن هناك متاجر إلكترونية تتيح لعملائها التعامل بها مثل متجر (مايكروسوفت) و(غوغل) و(باي بال) و(أمازون).
وعن أبرز مزايا (البتكوين) أفاد بأنه لا توجد رسوم على التحويلات خلافا للعملات الأخرى التقليدية إضافة إلى السرعة والسرية في نقل التحويلات بين الحسابات وعدم خضوع التحويلات لسيطرة البنوك والحكومات.
وذكر ان من أبرز عيوب (البتكوين) هو تسهيل العمليات المشبوهة وغسل الأموال في ظل غياب الرقابة مشيرا إلى أن هناك قاضيا فيدراليا في الولايات المتحدة قد حكم أخيرا بأن (بتكوين) عملة ونوع من أنواع النقد ويمكن أن تخضع للتنظيم الحكومي.
ورأى الرشود أن الاعتراف الرسمي الحكومي ب (البتكوين) يحمل جانبا إيجابيا وهو إعطاؤها المزيد من الشرعية كما سيفتح الباب لمزيد من تنظيم العملة وربطها بالحكومات مما يتعارض مع إحدى ميزات (البتكوين) كعملة مستقلة غير خاضعة لأي جهة.

 وحذر من التقلبات الحادة ل(البتكوين) حيث تعرضت لهزات عنيفة بدأت من 10 دولارات صعودا إلى 100 دولار و400 دولار ثم هزة عند مستوى 1200 دولار وأخيرا وصلت ذروتها إلى 5000 دولار مؤكدا على المتداولين أن يكونوا على معرفة ودراية كافية بالعواقب وطريقة التداول.
من جانبه قال عضو الهيئة التدريسية في كلية الدراسات التجارية عبدالرحمن الفرهود ل(كونا) إن عملة (البتكوين) تعد بمنزلة نظام دفع إلكتروني لامركزي يتيح للمبرمجين الهواة التعديل والإضافة مما أكسبها شعبية ورواجا كبيرين.
وأضاف الفرهود أنه وفقا للوضع الحالي تتم تسوية التعاملات المالية مركزيا عن طريق جهات المقاصة المختلفة وهي مكلفة ماديا وزمنيا في حين تتم تحت إطار (البتكوين) وفقا لتقنية ونظام (بلوكتشين) حيث تتم تسوية التعاملات بين البائع والمشتري مباشرة دون الحاجة لوسيط حيث يقوم المبرمجون بتسوية هذه التعاملات تلقائيا وبأوقات قياسية جدا عن طريق ما يسمى (التعدين).
وأوضح أن عملية التعدين أساسية في نظام (بلوكتشين) حيث يتولى المبرمجون مطابقة وتسوية الصفقات باستخدام قوة حاسوبية هائلة جدا لحل مسائل رياضية بالغة التعقيد وعندما يتم حل هذه المسائل يتم الكشف عن الرمز الذي يطابق البائع بالمشتري ويؤدي إلى تسوية هذه العملية.
وذكر أن كل من يقوم بعملية تعدين ناجحة يحصل على عدد معين من (البتكوينات) يتم تحديده مسبقا بغية تشجيع المبرمجين على التعدين والدفع بعجلة نظام (بلوكتشين) الخاص بعملة (بتكوين).
وبين الفرهود أن الحكومة الهولندية أنشأت أخيرا (سفارة بتكوين) في العاصمة امستردام بغية تنظيم الفعاليات والمؤتمرات الخاصة الخاصة بالعملة فضلا عن احتوائها على أجهزة سحب آلي ل(البتكوين) وهي أجهزة تقوم بإرسالها مباشرة إلى الهواتف الذكية والحواسب مبينا أن السفارة تعمل حاضنة لجميع المشاريع الصغيرة المتعلقة بعملة (البتكوين).
ولفت إلى وجود 20 منصة حول العالم لتداول (البتكوين) وباقي العملات الرقمية المشفرة حيث تتنافس هذه المنصات فيما بينها لجذب أكبر عدد من المتداولين عن طريق فرض عمولات رمزية إضافة إلى توفير خدمات استشارية مجانية كخدمات التحليل التقني.
من ناحيته قال خبير العملات الالكترونية غنام العتيبي ل(كونا) إن عملة البتكوين بدأت في الظهور عام 2008 نتيجة رغبة الناس في الهروب من مخاوف انهيار الاقتصاد الأمريكي بعد تأثره بالأزمة المالية العالمية آنذاك وللمحافظة على أموالهم وحمايتها من فقدان قيمتها.
وأضاف العتيبي ان الهدف من (البتكوين) خلق نظام مالي مستقل غير خاضع لأي جهة مركزية في العالم يعمل من شخص إلى شخص مباشرة بلا وسيط موضحا أن تلك العملة تعتبر بمنزلة برنامج على الإنترنت لا مركز لها لكي يصعب اختراقها حيث بدأت فعليا بالتداول عام 2009.
وذكر أن أول تعامل رسمي ب(البتكوين) كان في مايو 2010 من خلال ما يسمى (حادثة البيتزا) حيث قام شخص أمريكي بإرسال عشرة آلاف بتكوين إلى شخص بريطاني وفي المقابل اتصل هذا الأخير بمطعم للبيتزا في أمريكا طالبا منه إيصال وجبة لعنوان الشخص الأمريكي وتعتبر هذه الوجبة أغلى وجبة في التاريخ إذ إن ال 10 آلاف بتكوين تعادل الآن حوالي 40 مليون دولار أمريكي.
وعن آلية عمل (بتكوين) أفاد بأنها عبارة عن برنامج موجود على شبكة الإنترنت تتحكم فيه مجموعة من الطلبة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم.آي.تي) بالولايات المتحدة تسمى (بتكوين كور) ويحق لهذه المجموعة فقط دون غيرها التعديل على الكود الخاص بالبتكوين.
وبين أن (البتكوين) يتكون من أجزاء اقل تسمى (ساتوشي) حيث يعادل ال(بتكوين) الواحد نحو مئة مليون (ساتوشي) وترجع تسمية الساتوشي إلى صاحب الفكرة ساتوشي ناكاموتو الذي يرجح أنه ياباني الجنسية.
وأكد العتيبي أن هناك حدا أعلى لإنتاج البتكوين في العالم يقدر بحوالي 21 مليون (بتكوين) فقط مشيرا إلى أن الإنتاج الفعلي الموجود في العالم الآن يصل لنحو 16 مليون (بتكوين) ومن المتوقع أن يمتد إنتاج الخمسة ملايين بتكوين المتبقية على مدى ال 100 سنة المقبلة.
وأضاف ان (البتكوين) تعد تطورا تكنولوجيا من الصعب منع تداوله أو حظره لكن مع ذلك تتأثر هذه العملة بشكل كبير بالسياسات الحكومية فعندما حظرت الصين عام 2013 تداول البتكوين هبط سعرها بشكل حاد من 1300 دولار أمريكي ل(البتكوين) الواحد إلى 200 دولار.
وبين أن تداول البتكوين والتعامل بها يتميز بدرجة عالية من الخصوصية والأمان حيث يشمل تغطية على المرسل والمستقبل ولا يمكن تتبع مصير هذه العملة بعد إرسالها إلى أكثر من مستقبل.
يذكر أن هناك عملات رقمية أخرى منها (الإيثريوم) التي تعد ثاني عملة رقمية بعد (البتكوين) وأطلقت عام 2015 في حين ازداد عدد أنواع العملات الرقمية المشفرة ليبلغ حاليا نحو 20 نوعا منها مثلا (لايتكوين) و(بيركوين) و(برايمكوين) و(نايمكوين) و(ريبل) و(كوارك) و(فريكوين) و(ماستركوين) و(نيكست) و(أورواكوين) و(دوغيكوين) وغيرها.