يصادف اليوم مرور الذكرى الـ 25 للغزو العراقي الغاشم على وطننا الحبيب، ولا يمكن لأي كويتي عايش تلك الفترة من الزمن، إلا أن يتوقف طويلا في هذا اليوم، ليعيد شريط الذاكرة إلى يوم الخميس الأسود الموافق 2 / 8 / 1990م، ذلك اليوم الكئيب الذي شهد كارثة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معاني.
 و لطالما قدم الكويتيون للعالم أمثلة تحتذى في وحدتهم الوطنية لاسيما عند المحن التي أكدوا خلالها أن ترابطهم عصي على الكسر وتلاحمهم في وجه المتربصين بهم لا يلين وتكاتفهم يزداد قوة كلما ازدادت المحنة شدة مما جعل من الكويت مدرسة للوحدة والتآزر والدفاع عن الوطن.
 فمع اللحظات الأولى للغزو العراقي لدولة الكويت في الثاني من أغسطس عام 1990 تجلت أواصر الوحدة والأخوة والترابط بين الكويتيين الذين أثبتوا بعد ربع قرن في محنة تفجير مسجد الإمام الصادق أنهم صامدون على قلب واحد ويد واحدة ولسان واحد.
 ففي ذلك الصباح المشؤوم للغزو وكعادة الكويتيين في الأزمات بوقوفهم وتعاضدهم وتعاونهم بدأت الاتصالات الهاتفية بين الأهالي والأقارب للاطمئنان بعضهم على بعض وأخذ الجيران يطرقون أبواب جيرانهم للوقوف صفا واحدا للخروج من هذه المحنة.
 وشكلت (الديوانيات) وهي مجالس الضيافة في بيوت الكويتيين غرف اجتماعات لأهالي «الفريج» (الحي السكني باللهجة) لكي يتعرفوا على أخبار واحتياجات الأهالي في صورة رائعة من صور التعاضد الوطني والأخوي.
 وطال أمد أزمة الاحتلال لسبعة أشهر عجاف ضرب خلالها الشعب الكويتي أروع معاني اللحمة الوطنية التي أبهرت العالم رغم قلة عدد هذا الشعب الذي يعيش حياة رغيدة بفضل الله تعالى حيث امتهن أبناؤه خلال المحنة الكثير من المهن كخبازين وعاملي نظافة ليقدموا خدماتهم التطوعية لأهالي الكويت جميعا.
 ويقف (بيت القرين) شاهدا ورمزا على التضحية البطولية للشباب الكويتيين الذين استشهدوا فيه وكانوا من جميع أطياف المجتمع الكويتي وقدموا أرواحهم فداء لوطنهم واختلطت دماؤهم لتروي أرضهم مقاومين المحتل ومقدمين أروع الأمثلة على الوحدة الوطنية.
 كما التف الشعب الكويتي كله حول قيادته الشرعية وهو ما أكده مؤتمر جدة الشعبي الذي عقد في المملكة العربية السعودية الشقيقة في أكتوبر عام 1990 ليظهر الشعب والقيادة تمسكهم بنظام الحكم الذي اختاروه منذ نشأة البلاد وارتضته الأجيال مؤكدين ألا تفاوض على سيادة الكويت واستقلالها وسلامة أراضيها ما استوجب إعجاب العالم بأسره بهذا الموقف الواحد والمتماسك.
 وأكد أبناء الكويت في الخارج هذا التماسك والتعاضد من خلال اللجان التي عملت على إبراز القضية والحق الكويتي في جميع المحافل الدولية والقيام بالمسيرات التعريفية بالحق والشرعية الكويتية في عدد كبير من العواصم العالمية في جميع القارات.
 وتطوع الكثير من طلبة الجامعات والمعاهد والمدنيين من الشباب الكويتيين في صفوف الجيش الكويتي في الخارج وانخرطوا في تدريبات عسكرية وشاركوا في عملية تحرير أرضهم واستعادة وطنهم.
 واستمر العمل الوطني الواحد بين أبناء الكويت بعد تحرير الوطن في عمليات إعادة الإعمار من خلال مجاميع شبابية تشكلت من كل المناطق ليقوم أبناؤها بإعادة إعمارها حيث امتهن فيها الشبان والشابات جميع المهن التي استدعت الحاجة إليها مشكلين بذلك نموذجا وطنيا راقيا ومتحضرا في بناء وطن يحتضن جميع أبنائه.
 وبعد 25 عاما على محنة الغزو كرر الكويتيون مواقفهم الصلبة والمتماسكة في وحدة وطنية أذهلت العالم وضربت مثالا يحتذى إثر التفجير الإرهابي الجبان الذي استهدف المصلين في مسجد الإمام الصادق بمنطقة الصوابر في صلاة الجمعة في ثاني أسبوع من شهر رمضان الماضي وأوقع عشرات الشهداء ومئات الجرحى.
 لكن هذا المخطط الإرهابي الجبان اصطدم بجدار الوحدة الوطنية القوي لتسطر الكويت أميرا وشعبا وحكومة موقفا وحدويا يسجله التاريخ بحروف من ذهب وتحكيه الأجيال بشموخ وهو ما أرخته وسائل الإعلام العربية والعالمية بتغطية هذه الجريمة البشعة.
 وقدمت تلك الوسائل الكثير من التقارير الإذاعية والتلفزيونية والصحافية المشيدة بما رأته من سرعة اصطفاف الكويتيين جميعا بعضهم مع بعض وخلف سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي كان أول الواصلين إلى موقع التفجير في موقف شجاع وليس بغريب على سموه حيث قال جملته التاريخية «هذولا عيالي» التي أصبحت شعارا يفتخر به الكويتيون ويواجهون به المتربصين بأمن الوطن وسلامة أبنائه. وجاء هذا الموقف الوطني لأبناء الشعب الكويتي دون أي توجيه سياسي أو إعلامي بل كان موقفا شعبيا وبطوليا نابعا من روح الإخاء والمحبة والمواطنة أفرادا وجماعات. وقدم الكويتيون أيضا أروع الامثلة الوطنية بعد لحظات قليلة من وقوع التفجير الإرهابي عندما اصطفوا طوابير على بوابات بنك الدم للتبرع بدمائهم وهم صائمون لا يدفعهم إلى ذلك إلا شعورهم بالمسؤولية الوطنية. وبعد ساعات معدودة أعلن بنك الدم اكتفاءه وارتفاع المخزون ومع ذلك استمرت الجموع في ذلك اليوم بالتوافد لمشاطرة إخوانهم مصابهم وحزنهم في تلك الأزمة التي آلمت جميع أهل الكويت. وفي بادرة غير مستغربة من أهالي الكويت الذين جبلوا على العطاء والتكاتف أبدى أصحاب المستشفيات الخاصة استعدادهم الكامل لاستقبال مصابي التفجير وتقديم العلاج والرعاية لهم مجانا في حين ألغى الكثير من الأهالي مناسباتهم واجتماعاتهم في شهر رمضان المبارك حزنا وتضامنا مع هذا المصاب الجلل. وفي اليوم التالي للتفجير توافدت جموع الكويتيين إلى المقبرة ليحملوا النعوش على أكتافهم في تشييع مهيب للشهداء وفي مشهد رسمت فيه أروع صور التآخي والتآزر بين مختلف شرائح وطوائف المجتمع الكويتي ليشهد العالم أجمع على هذه الوحدة الوطنية التي تعززت أيضا بالعزاء المشترك بالشهداء في مسجد الدولة الكبير.