ساهمت بعثات الآثار الأجنبية إلى دولة الكويت في الكشف عن الكثير من الدلائل الأثرية المؤكدة في البلاد التي أصبح معها بالإمكان التحدث عن تاريخ الحضارات والإعمار على أرضها الذي تجاوز سبعة آلاف عام.
وبدأت قصة التنقيب الأثري في الكويت قبل الاستقلال منذ عام 1957 عندما دعا الوكيل السياسي البريطاني لدى الكويت آنذاك بعثة التنقيب الدنماركية للتنقيب في جزيرة فيلكا (20 كيلومترا عن سواحل مدينة الكويت) حيث توجد العديد من التلال الأثرية.
ومع صدور التشريعات التي رعت ونظمت العمل الأثري بصدور قانون الآثار عام 1960 وهو من أوائل القوانين في منطقة الخليج ثم انشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب اهتم المجلس منذ عام 2004 بالتراث الثقافي في دولة الكويت.
وركز المجلس على التراث المادي الذي يبرز تاريخ وأهمية أرض الكويت ومساهمتها في بناء الحضارة الإنسانية حيث قام بعدد من برامج اعمال المسح والتنقيب الأثري والدراسات الميدانية.
وأيضا وقع المجلس اتفاقيات تعاون للتنقيب والمسوحات مع عدد من البعثات العلمية العالمية من جامعات ومعاهد متخصصة في علم الآثار للمشاركة مع الفريق الوطني للكشف عن هذا المخزون الثقافي.
ومن هذه الاتفاقيات اتفاقية مع البعثة السلوفاكية من معهد الآثار بالأكاديمية العلمية ومع البعثة الدنماركية من متحف ما قبل التاريخ في (موسجورد) ومع البعثة الفرنسية من معهد دراسات بيت الشرق في مدينة (ليون) ومعهد دراسات الشرق الأدنى الفرنسي.
كما وقع المجلس اتفاقيات مع البعثة البريطانية من جامعتي لندن ودورهام والبعثة اليونانية من وزارة الثقافة والبعثة البولندية من معهد آثار الشرق من جامعة وارسو والبعثة الجورجية من متحف جورجيا الوطني والبعثة الإيطالية من جامعة مدينة (بروجيا).
وتتعاون الكويت والفريق الكويتي من ادارة الاثار والمتاحف في المجلس مع البعثة الخليجية التي تمت دعوتها عام 2001 بمناسبة اختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية وهي تتألف من فريق مشترك من دول مجلس التعاون والذي لا يزال يعمل في موقع (سعيدة) في جزيرة فيلكا اذ تم اكتشاف منازل ومسجد تعود للفترة الإسلامية المتأخرة.
وعملت جميع هذه البعثات وبعضها ما زال يعمل في مواقع مختلفة في الكويت ترجع إلى فترات حضارية مختلفة ومن أبرز تلك المناطق جزيرة فيلكا ومنطقة الصبية (شمالي جون الكويت) كما كان للفريق الكويتي دور مهم في تنقيبات منطقة الصبية ومدينة الكويت.
وتعمل البعثة الكويتية - الجورجية في منطقة الصبية حيث تم الكشف عن موقع مبنى من الحجارة ذي مدخل ينتصب على جانبيه تمثالان حجريان يرجع تاريخه الى العصر البرونزي (ثلاثة الاف سنة قبل الميلاد).
ونقبت البعثة الكويتية - البولندية في موقع (بحرة) بمنطقة الصبية حيث كشفت عن مستوطنة ترجع إلى 5750 عاما قبل الميلاد أي في نهاية العصر الحجري الحديث (اربعة الاف سنة قبل الميلاد) وتمثل هذه المستوطنة بداية استقرار الانسان على ارض الكويت وهي معاصرة لمستوطنة اخرى كشف عنها في جزيرة (طبيج) التي تقع جنوبي الصبية.
وتعتبر (مستوطنة بحرة) أكبر موقع عائد لحضارة العبيد في منطقة الخليج العربي كما تعتبر مركز التقاء بين حضارات بلاد الرافدين وحضارة الجزيرة العربية ويطلق على هذه المرحلة الحضارية مرحلة (حضارة العبيد) (من 5300 إلى 4000 قبل الميلاد).
وتتكون المستوطنة من مجموعة من الدور السكنية المترابطة رصفت أرضية بعضها بالحجارة وقد عثر فيها على مواد أثرية تنوعت ما بين الفخار المزخرف والفخار الأحمر إضافة إلى الأدوات الصوانية والخرز الصدفي.
أما في جزيرة فيلكا فتعمل البعثة في موقع (خرائب الدشت) الذي يقع قرب قرية القرينية ويرجع إلى (حضارة العبيد) حيث اكتشفت اسس جدران وافران خبز (تنور) فخارية كما بحثت عن الاثار المغمورة في المياه التي ترتبط بنشاط المجتمع الذي كان مستقرا انذاك وتم رصد بعض الموانئ والمراسي ونمط من مصائد الأسماك غير معروف حاليا.
وعملت البعثة الكويتية -الدنماركية في موقع (تل سعد) في جزيرة فيلكا والذي يطلق عليه المدينة (الدلمونية) ويعود تاريخها الى ألفي سنة قبل الميلاد وقد كشفت عن مبان من الحجارة وجرار فخارية ترجع الى الحقبة الحجرية في حضارة دلمون.
ونقبت البعثتان (الكويتية - الفرنسية) و (الكويتية - اليونانية) في موقع (تل سعيد) المعروف بالقلعة الهلنستية في فيلكا (الحضارة الهلنستية - اليونانية - من 323 الى 146 قبل الميلاد) وكانت أعمال التنقيب في هذه القلعة تتركز على دراسة الهندسة المعمارية ودراسة المراحل الاستيطانية للقلعة.
وتم العثور على جرار فخارية واثقال حجرية لشباك الصيد إضافة الى اكتشاف قلعة مربعة الشكل لها ابراج مربعة في زواياها وفي داخلها وحدات سكنية ومعبدان وخندق دفاعي.
وعملت البعثة الكويتية - الفرنسية في (منطقة القصور) في وسط جزيرة فيلكا وهي قرية سكنتها جالية مسيحية قبل الإسلام وتعتبر من أكبر المواقع الأثرية في منطقة الخليج العربي اذ تبلغ مساحتها أربعة كيلومترات مربعة حيث عثر على قصور تعود لتلك الفترة.
واكتشفت في قرية (القصور) كنيستان متجاورتان تمثلان مركز المستوطنة ولوحات جصية لصليب وبعض الوحدات الاستيطانية كما عثر على أوان فخارية متنوعة.
وفي موقع آخر من قرية (القصور) تواصل البعثة الكويتية - السلوفاكية العمل في الكشف عن احدى الوحدات الاستيطانية الكبيرة وتركز اعمالها على دراسة الهندسة المعمارية والتسلسل الطبقي ودراسة الفخار ومعرفة العلاقة بين هذا الموقع ومركز المستوطنة.
اما البعثة الكويتية -الإيطالية فتعمل في مستوطنة (القرينية) التي تقع على الساحل الشمالي لجزيرة فيلكا ويمتد الموقع الأثري على تل طوله 800 متر وتم الكشف عن بعض الوحدات الاستيطانية ذات الطراز العمراني المعروف في الكويت في القرن ال19.
واكتشفت مبان ترجع الى الفترة الإسلامية المبكرة والوسيطة تقع أسفل هذا الموقع وتم العثور فيها على جرار فخارية متنوعة وأساور زجاجية وتتم الآن دراسة ما إذا كانت هناك علاقة حضارية بينها وبين (منطقة القصور).
ويعمل فريق الآثار الكويتي في موقع (العوازم) في شرق الساحل الشمالي من جزيرة فيلكا حيث تم الكشف عن وحدات سكنية متفرقة بالإضافة الى بعض المباني يعتقد أنها افران ترجع إلى نفس فترة (خرائب الدشت) ومستوطنة (القرينية).
اما في مدينة الكويت فيعمل الفريق في منطقة شرق (محافظة العاصمة) في موقع اثري داخل مشروع القرية التراثية واكتشف في هذا الموقع بعض المنازل التي تم تاسيس بنيانها من الحجارة البحرية.
كما كشف عن بعض ابار المياه في داخل بعض المنازل اضافة الى افران (تنانير) متنوعة الاستخدام وايضا جرار فخارية ترجع الى الفترة التاريخية التي تنحصر ما بين سور الكويت الأول (1760 ميلادي) وسور الكويت الثاني (1814 ميلادي) وسوف يكون هذا الموقع من ضمن مشروع القرية التراثية ومن ضمن مفرداتها الثقافية.
وكانت هناك اتفاقيات تعاون بين الكويت وبعثات أخرى للتنقيب عن الآثار وهي البعثات البريطانية والأردنية والأمريكية والتي تولت إجراء مسوحات لمواقع اثرية وتوصلت لأدلة مادية ملموسة عن تاريخ الحضارة على أرض الكويت.
وقد بدأ مشروع التنقيب الأثري في مدينة الكويت منذ عام 1987 في موقع (مكتبة البابطين) وكان في ذلك الوقت عبارة عن مواقف لوزارة التخطيط وفي مكان خلف (مسجد الخميس) وهو موقع البنك المركزي الجديد وقرب (مسجد الشرهان) وهو موقع المكتبة الوطنية حاليا وخلف (ديوان الشملان) الذي اصبح الآن ضمن القرية التراثية.
وتم الكشف في جميع المواقع المذكورة عن أسس لمنازل تمثل العمارة الكويتية رصفت أرضيات بعضها بالآجر كما عثر على آبار مياه داخل المنازل و(تنانير) وبعض الجرار الفخارية المختلفة.
إن النتائج التي يتم التوصل إليها خلال أعمال التنقيب الأثرية أغلبها متغير وهي ترتبط بمواصلة العمل الميداني وقراءة الحدث التاريخي ومعرفة نتائج العمل الميداني في مواقع أخرى معاصرة حيث يقدم المزيد من العمل الميداني صورة أوضح للمجتمعات التي عاشت على موقع ما في فترة ما.