في مركز لمكافحة التطرف في شمال سوريا، ينصرف شبان بعد انتهائهم من محاضرة إلى لعب الشطرنج وتدخين السجائر، معارضين بذلك قيوداً صارمة فرضوها طيلة سنوات وعاقبوا من خالفها حين كانوا مقاتلين في صفوف تنظيم داعش.
ويقيم في "المركز السوري لمكافحة الفكر المتطرف" في مدينة مارع، شمال محافظة حلب، نحو 100 مقاتل سابق في التنظيم معظمهم من السوريين، ومن جنسيات عربية وأجنبية.
ووصل الشبان إلى هذا المركز بعدما سلموا أنفسهم أو اعتقلتهم الفصائل المعارضة المسيطرة على المنطقة، ومن بينهم السوري محمد حج أحمد، من سكان الرقة التي كانت حتى أشهر قليلة المعقل الأبرز للتنظيم في سوريا.
ويقول الشاب ذو البشرة البيضاء واللحية الخفيفة: "كنت أحلم بقيام دولة الخلافة، لكن اليوم في المركز نأخذ الدروس ليوضحوا لنا الخطأ الذي كنا مقتنعين به".
في 2014، انضم محمد إلى التنظيم المتطرف وشارك في إحدى أهم معاركه ضد قوات النظام في العام ذاته في مطار الطبقة العسكري قرب الرقة، حيث قتل وذبح أكثر من 200 عسكري سوري.
خلال الاستراحة من المحاضرات، يوضح محمد: "كنت مقتنعاً بشكل كامل بشعاراتهم حول الجهاد، وبأنهم الوحيدون الذين يطبقون الدين بالشكل الصحيح، أما من تبقى من الناس فهم كفار ومرتدون وروافض".
عارضت عائلة محمد خياره، ويقول: "خاف والدي من أن أقتنع بتفجير نفسي".
بعد الانتهاء من التأهيل في المركز، لم يحسم الشاب العشريني ماذا سيفعل، إذ لا يمكنه العودة إلى الرقة على حد قوله.
ويضيف: "أفكر في التجارة أو متابعة دراستي، أو السفر إلى أوروبا".
ويتراوح البقاء في المركز بين شهر و6 أشهر قابلة للتجديد.
ويشرح مدير المركز حسين ناصر أنه بعد انتهاء هذه الفترة "يرسل تقييم إلى الجهات القضائية المختصة التي تقرر بموجبه ما إذا كان من الممكن أن يندمج الشخص في المجتمع أم لا".
وافتتح المركز في 27 أكتوبر (تشرين الأول)، في وقت كان فيه تنظيم داعش يتعرض لخسائر ميدانية متلاحقة في المناطق التي أعلن منها إقامة "الخلافة الإسلامية" في سوريا والعراق في 2014.
ويشرح ناصر أن "الأسباب التي دفعتنا إلى إنشاء المركز هي الأعداد الكبيرة التي أتت إلى شمال حلب بعد انهيار داعش، ما سبب خللاً أمنياً".
ويتألف المركز من طابقين، وغرف عد،ة يتوزع عليها المقاتلون السابقون، يرتدون جميعاً الزي ذاته، كنزة حمراء، رمادية أو برتقالية اللون، وفوقها سترة سوداء دون أكمام.
في غرف الاستراحة، يفترشون الأرض ويتبادلون أطراف الحديث، يلعبون، يضحكون، يأكلون ويصلون.
ويساهم العاملون في المركز في تمويله، لكنهم يأملون في الحصول على الدعم لتوسيعه وافتتاح قسم خاص بالنساء.
ويضم المركز 3 أقسام، الأول خاص بالمقاتلين الذين انتسبوا فترة قصيرة إلى التنظيم، والقسم الثاني للمقاتلين المتمرسين الذي انخرطوا في القتال، فيما يؤوي الثالث المقاتلين الأجانب، وبينهم عراقيون، وتونسيون، ومن دول شرق أوروبا مثل أوكرانيا، ودول يوغوسلافيا السابقية، وآسيا الوسطى.
وقاتل هؤلاء في مناطق متفرقة في سوريا، بينها الرقة وكوباني.
بعد الانتهاء من طبق أرز مع زملائه، يقول أشرف نصير بثقة: "مستعد للاندماج في المجتمع، أنا أساساً من المجتمع، ولم أت من خلف الجبال، أو المريخ، لانضم لداعش في 2016".
ويعتبر الشاب المتحدر من درعا، أن المشكلة الأساسية هي "كيف سيستقبلنا المجتمع".
في إحدى القاعات، يتوزع المقاتلون على مقاعد كتبت أسماؤهم عليها، ويروون لمشرف اجتماعي تجاربهم مستمعين إلى إرشاداته.
يشرح مشرف العلاج النفسي والاجتماعي عبد الكريم درويش أسلوب العلاج المتبع: "يبدأ بسماع لقصة المقاتل قبل الدخول في حوار معه، قد يكون جماعياً مع زملائه أو فردياً حول حياته الشخصية، قبل الانتقال إلى العوامل الاجتماعية".
ويصف المحاضرات بأنها "أقرب لإصلاحية علاجية تمنحهم فرصة إيجابية عن ذاتهم وقدراتهم".
وتتضمن هذه المحاضرات دروساً في علم النفس، والشريعة، والقانون المحلي، والدولي.
ومن الموصل، أبرز معاقل داعش سابقاً في العراق انتقل حواس العلي إلى سوريا بعد انضمامه إلى داعش في 2016.
ويقول: "لم أكن أتصور أنني سأتحول إلى مقاتل مع مجموعة متطرفة، كنت أعمل طباخاً بمطعم في أربيل".
انتقل حواس إلى مدينة الميادين حيث ضّم إلى الشرطة التابعة للتنظيم.
ويقول: "كانت غايتي نصرة الإسلام، لكن بعد فترة بدأت أفكر بالعودة إلى حياتي المدنية وإلى المجتمع مع أهلي وأطفالي، وهذا ما دفعني للمجيء إلى المركز".
داخل المبنى الذي يقف أمامه عناصر حراسة وبلغة روسية، يروي المقاتل الأوكراني السابق في صفوف التنظيم مسلم كادزيميتوف تجربته.
انضم هذا الشاب إلى التنظيم في 2016، قادماً من أوكرانيا عبر تركيا، وقبل نحو 10 أشهر، اعتقله فصيل معارض في شمال البلاد، ووضعه في السجن قبل نقله إلى المركز.
داخل غرفة المحاضرات، يقول مسلم: "أنا موجود هنا حالياً بسبب جهلي، وأجد نفسي مذنباً بسبب ذلك".
ويضيف "لست بلا مخ، وأنا قادر على التواصل مع الناس، أريد أن أعود إلى المجتمع وإلى الحياة المدنية، أحلم بهذه الحياة".