دفعت موجة هبوط ثانية لأسعار النفط في 2015 الدول العربية الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» إلى خفض توقعاتها للأسعار هذا العام مبدية استعدادها لتحمل انخفاض أسعار الخام لفترة أطول من أجل حماية حصتها في السوق وكبح إنتاج منافسيها.
وبحسب «رويترز»، فإن مندوبين لدى «أوبك» يرون وبينهم مندوبو دول خليجية أن الاضطرابات الاقتصادية في الصين أكبر مستهلك للطاقة في العالم قصيرة الأمد ومن المستبعد أن يكون لها تأثير كبير في الطلب على الخام الذي سيرتفع في الربع الأخير لعوامل موسمية.
غير أنهم يعتقدون أن الأمر سيستغرق أكثر من مجرد شهور قليلة كي يؤدي ضعف أسعار النفط إلى تقليص إمدادات المعروض من منتجي الخام ذي التكلفة العالية مثل النفط الصخري الأميركي وتحفيز الطلب.
ونزلت الأسعار إلى أدنى مستوياتها في أكثر من ست سنوات قرب 42 دولارا يوم الإثنين الماضي.
ويتوقع المندوبون أن يسهم انخفاض الأسعار في الآونة الأخيرة في الحد من وفرة المعروض من الخام قرب نهاية العام ومن ثم ارتفاع أسعار النفط قليلا.
وقال مندوب خليجي لدى «أوبك»، طلب عدم ذكر اسمه، إنه سيكون من الأفضل ترك السوق لتصحح نفسها بنفسها، ولا أعتقد أن هذا السعر المنخفض سيستمر.
وتوقع المندوب الخليجي أن تراوح الأسعار بين 40 و50 دولارا للبرميل حتى نهاية العام وأمل أن تصل إلى 60 دولارا على افتراض أن الصين ستشهد تعافيا، ووافقه الرأي مندوب خليجي ثان في «أوبك» متوقعا أيضا أن تظل الأسعار بين 40 و50 دولارا للبرميل بقية العام.
وقال مصدر نفطي خليجي ثالث إن الناس يبالغون في ردود فعلهم تجاه ما يحدث في الصين، ولكن لا يمكنك أن تستهين بالمعنويات، وتلك هي المشكلة.
وأضاف أن النفط يبلغ أدنى مستوياته، وكلما زاد نزوله زادت وتيرة تعافيه بل زاد تأثر المعروض، مشيرا إلى أن الأسعار قد تنزل مجددا إلى أقل قليلا من 45 دولارا قبل أن تتعافى تدريجيا إلى نحو 60 دولارا للبرميل بحلول (ديسمبر) حين تعقد أوبك اجتماعها التالي.
وتوقع مندوب آخر لدى أوبك أن تراوح الأسعار بين 50 و55 دولارا هو أقصى ما يتوقعه بحلول نهاية العام الحالي.
إلى ذلك، استقرت أسعار النفط أمس بعدما تعافت من أدنى مستوياتها في ست سنوات ونصف السنة بفعل انتعاش أسواق الأسهم ونمو قوي للاقتصاد الأميركي وأنباء عن تراجع إمدادات الخام من نيجيريا.
وسجل النفط أكبر مكاسبه اليومية منذ عام 2009 أمس الأول إذ صعد مزيج برنت والخام الأميركي الخفيف أكثر من 10  بالمئة.
وحقق الخام الأميركي أول مكاسبه الأسبوعية في تسعة أسابيع لينهي أطول موجة خسائر من نوعها منذ عام 1986. ونزلت أسعار النفط العالمية بمقدار الثلث منذ (مايو) ولا تزال تقل كثيرا عن نصف مستواها قبل عام بسبب الوفرة الكبيرة في معروض الوقود وتباطؤ الطلب.
وأسهمت مخاوف بشأن الاقتصاد الصيني في زيادة حدة الهبوط خلال الأسابيع الأخيرة، غير أن بعض المختصين النفطيين قالوا إن أسواق النفط انخفضت كثيرا وبسرعة كبيرة ومن ثم كان التعافي مرجحا.
وأضافوا أن ارتفاع الأسهم وبيانات النمو الاقتصادي الأميركي القوية وتعطل خطوط أنابيب في نيجيريا كانت أسبابا كافية للتعافي أمس الأول.
وانخفض سعر مزيج برنت 15 سنتا إلى 47.41 دولار للبرميل، وارتفع الخام 4.42 دولار عند التسوية أمس الأول ليصل إلى 47.56 دولار للبرميل.
واستقر الخام الأميركي دون تغيير عند 42.56 دولار للبرميل بعدما أنهى الجلسة السابقة مرتفعا 3.96 دولار.
وواصلت الأسهم الآسيوية صعودها وارتفعت الأسهم الصينية لليوم الثاني بعد ما واجهته من صعوبات في بداية الأسبوع.
ونما الاقتصاد الأميركي بوتيرة أسرع من التقديرات الأولية في الربع الثاني من العام بدعم من قوة الطلب المحلي.
وقالت وزارة التجارة الأميركية إن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 3.7  بالمئة على أساس سنوي بدلا من التقديرات الأولية البالغة 2.3  بالمئة التي أعلنت الشهر الماضي.
وأعلنت وحدة «شل» في نيجيريا حالة القوة القاهرة بشأن صادرات خام بوني الخفيف بعد إغلاق خطي أنابيب رئيسيين في البلاد بسبب حوادث تسريب وسرقة.
وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال» إن فنزويلا تجري اتصالات مع دول أخرى أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» وتطالب بعقد اجتماع طارئ مع روسيا لإعداد خطة لدعم أسعار النفط.
وقال مسؤولون في دول خليجية أعضاء في المنظمة إنه لا توجد فرصة تذكر لأن تعقد المنظمة اجتماعا لا ترى ضرورة لانعقاده.
وثمة مؤشرات على أن نمو إنتاج شركات النفط الصخري وغيرها من المنتجين من خارج منظمة أوبك بدأ يتباطأ غير أنه لم يبدأ الانخفاض حتى الآن.
وفي «أوبك» نفسها يوجد منتجون آخرون على رأسهم العراق وإيران عازمون على مواصلة زيادة إنتاجهم حتى مع انخفاض الأسعار.
وقال بيجن زنغنه وزير النفط الإيراني، إن بلاده سترفع إنتاجها بأي ثمن ولا بديل أمامها سوى ذلك، مضيفا أنه إذا لم تتم زيادة إنتاج النفط الإيراني على النحو السليم فسنخسر حصتنا في السوق بصفة دائمة.
وطبقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية فقد بدأ إنتاج النفط الصخري ينخفض فعليا وسيستمر انخفاضه خلال بقية العام ويمتد إلى عام 2016 ما لم تنتعش الأسعار.
وتتوقع شركة «إي. أو. جي. ريزورسز» أحد أكبر منتجي النفط الصخري أن يكون الإنتاج قد انخفض بالفعل في (يوليو)و (أغسطس)، ومن المنتظر أن يتضح ذلك عندما تنشر البيانات في (سبتمبر) و(أكتوبر).
غير أن منتجين آخرين للنفط الصخري مثل «بايونير» أكثر جرأة ويقولون إنهم سيواصلون زيادة الإنتاج في النصف الثاني من 2015 وخلال 2016 حتى مع انخفاض الأسعار. وتظهر سجلات الإنتاج من «نورث داكوتا» أن الإنتاج بدأ يتوقف عن الزيادة لكنه ما زال قرب ذروته عند 1.2 مليون برميل في اليوم.
ومن المرجح أيضا أن يحدث بعض الانخفاض في الإنتاج لدى منتجين آخرين غير أعضاء أوبك ولا يستخرجون النفط الصخري من مشروعات تقليدية في أميركا اللاتينية وإفريقيا وبحر الشمال ومناطق أخرى من العالم.
وأعلنت شركات نفط عالمية كبرى ومنتجون مستقلون بارزون تخفيضات حادة في ميزانيات الاستكشاف والإنتاج وهو ما ينتظر من الناحية النظرية أن يترجم إلى انخفاض في الإنتاج بمرور الوقت.
وتظهر إحصاءات منصات الحفر التي نشرتها شركة «بيكر هيوز» أن عدد منصات الحفر العاملة في المواقع غير الصخرية خارج أوبك انخفض أكثر من 20  بالمئة منذ (يوليو) 2014.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن المعروض من خارج منظمة أوبك سيستقر في الأساس في عام 2016 بعد نموه بمقدار مليون برميل يوميا في 2015 و2.4 مليون برميل يوميا عام 2014.
ودعت فنزويلا مجددا منظمة «أوبك» إلى عقد قمة طارئة لوضع استراتيجية مشتركة بالتعاون مع روسيا، أحد أكبر منتجي النفط في العالم، توقف التدهور في أسعار الخام.
وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلا عن مصدر مطلع يوم الخميس 27 أغسطس/اَب قوله إن «السلطات في فنزويلا تتواصل مع أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وبشكل خاص مع وزير الطاقة والصناعة في دولة قطر محمد بن صالح السادة بهدف عقد اجتماع لبحث كيفية وقف التدهور في أسعار الخام».
وتشهد أسواق النفط زيادة في معروض الخام دفعت الأسعار إلى التراجع إلى أكثر من النصف منذ منتصف 2014، ويعاني أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» الأقل ثراء من هبوط أسعار النفط التي أدت إلى زيادة العجز في ميزانياتهم.
إلى ذلك أعلن وزير النفط الإيراني بيغن زنغنه أن بعض أعضاء منظمة «أوبك» يتحملون مسؤولية تراجع أسعار النفط في الفترة الأخيرة، مشككا في أن يسفر أي اجتماع طارئ للمنظمة عن اتفاق.
وأضاف زنغنه: «لتحقيق التوازن في سعر النفط... ينبغي أن يحقق أعضاء أوبك التوازن في إنتاجهم. هناك طلب لعقد اجتماع طارئ، ولا نمانع في ذلك».
كما دعت الجزائر في وقت سابق من هذا الشهر إلى عقد اجتماع طارئ لمنظمة «أوبك» لمناقشة تراجع أسعار النفط، لكن مندوبين آخرين بالمنظمة قالوا إنه لا توجد خطط لعقد اجتماع.
وكانت السعودية، أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، ودول خليجية أخرى وراء التحول في استراتيجية «أوبك» العام الماضي للدفاع عن بقاء الحصص في السوق، بدلا من خفض الإنتاج لدعم الأسعار.
ويرى مندوبون في «أوبك» أن تغير سياسة المنظمة الرامية للإبقاء على حصتها في السوق يبدو احتمالا ضعيفا، رغم أن الهبوط الأخير في أسعار النفط بدأ يؤثر سلبا على معنويات الشركات حتى في السعودية.
وعلى صعيد التداولات، عادت أسعار النفط إلى التراجع يوم الجمعة 28 أغسطس/اَب، بعدما حققت يوم الخميس أكبر مكاسب يومية في ست سنوات مدعومة بانتعاش أسواق الأسهم وأنباء عن تراجع إمدادات معروض الخام.