أخيرا وبعد طول انتظار وتوقعات متباينة، أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قراره، الذي انتظرته الأسواق الدولية خاصة الأسواق الناشئة لأشهر طويلة. وتضمن إعلان الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) أنه لا تغيير في أسعار الفائدة، وسيظل الأمر على ما هو عليه منذ (ديسمبر) 2008. وبنسبة ثمانية إلى واحد صوت الأعضاء الـ 9 في لجنة صنع السياسات التابعة لمجلس الاحتياطي لصالح إبقاء سعر الفائدة عند مستواها الراهن الذي يراوح بين 0 و0.25 بالمئة.

المبرر الرئيسي والرسمي للقرار الأميركي، هو قلق مجلس الاحتياطي الفيدرالي من أن يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى الإضرار بالاقتصاد العالمي، وبما يدفع إلى مزيد من التراجع في معدلات النمو الدولية. جاء في البيان الرسمي أن التطورات الاقتصادية والمالية العالمية الأخيرة، ربما تؤدي إلى كبح النشاط الاقتصادي إلى حد ما، ومن المرجح أن تضع المزيد من الضغوط على التضخم في المدى المنظور.

ولا شك أن في المبررات الأميركية الكثير من المنطق، والكثير أيضا من الحكمة في تحمل المسؤولية تجاه الاقتصاد الدولي، ولكن: هل يمكن القبول فقط بتلك المبررات، دون النظر في مصلحة أميركا الخاصة من اتخاذ هذا القرار بهذا الشكل وفي هذا التوقيت؟ الدكتورة آماندا نيل أستاذة الاقتصاد الدولي والمستشارة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ترى أن العامل الداخلي في اتخاذ قرار إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير، كان أكثر أهمية مما تصفه بالمبررات الدولية التي ساقها بيان الفيدرالي الأميركي.

وتضيف نيل أنه على ما يبدو فإن قرار عدم رفع أسعار الفائدة الأميركية منطقيا، لأنه لا يحقق مصلحة الاقتصاد العالمي، كما لا يحقق مصلحة الاقتصاد الأميركي في المقام الأول. ويلوح في الأفق انقسام شديد بين مسؤولي مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) بشان مدى خطورة تأثير مشاكل الاقتصاد العالمي على الولايات المتحدة وقد تجد رئيسة المجلس جانيت يلين صعوبة في رأب هذا الصدع وهي تقود المناقشات الخاصة باحتمالات رفع أسعار الفائدة.

ورغم قرار المجلس الأسبوع الماضي تأجيل رفع أسعار الفائدة مرة أخرى وبما يشبه الاجماع - إذ لم يعترض سوى عضو واحد - فإن رئيس بنك سانت لويس الاحتياطي الاتحادي جيمس بولارد وصف الجلسة بأنها كانت «مشحونة بالضغوط» حين ناقش المجتمعون أيهما أجدر بالاهتمام.. الضبابية العالمية أم الحفاظ على قوة الاقتصاد الأميركي. وفي النهاية رأت لجنة السوق المفتوحة أن ضعف الطلب العالمي واحتمال أن يعتري الضعف إجراءات مكافحة التضخم وتذبذبات الأسواق في الآونة الاخيرة يستدعي الانتظار لتقييم التأثير الكامل لهذه العوامل على الولايات المتحدة.

وقال بولارد الذي لا يحق له التصويت بلجنة تحديد السياسات هذا العام إنه كان سينضم إلى جيفري ليكر رئيس بنك ريتشموند الاحتياطي الاتحادي في الخروج عن الإجماع وأبدى قلقه من أن البنك المركزي يولي اهتماما أكبر من اللازم بالتحولات في السوق المالية.

ونزلت الأسواق نزولا حادا خلال الصيف نتيجة التباطؤ في الصين وضعف النمو العالمي تاركة مسؤولي مجلس الاحتياطي في حيرة بين ما إذا كان ذلك يرجع إلى تصحيح قصير المدى أم أنه يشير إلى مشاكل أساسية في المستقبل.

وقال بولارد «تشهد الأسواق صعودا وهبوطا وتكون التحركات مفاجئة في بعض الأحيان. ينبغي أن تكون السياسة المالية أكثر استقرارا.» وكان قد قال في تصريحات معدة لاجتماع جمعية للمصرفيين في إيلينوي إنه يعتقد أن رد مجلس الاحتياطي على التساؤلات الخاصة بإبقاء أسعار الفائدة قرب الصفر غير مرض. وقال بولارد إن الاقتصاد يقترب من التوظيف الكامل وإن ارتفاع معدل التضخم في حكم المؤكد مما يعني أن إبقاء الفائدة قرب الصفر لنحو سبع سنوات لا يتفق مع الوضع الاقتصادي بشكل عام.

وقال ليكر في بيان إنه يرى أن أسعار الفائدة المتدنية في الوقت الحالي لا تتناسب على الأرجح مع اقتصاد مستمر في تسجيل معدلات نمو استهلاكي قوية وسوق عمل تتميز بوفرة الوظائف. غير أن مجلس الاحتياطي نحى جانبا هذه المخاوف في الوقت الحالي على الأقل نتيجة المخاوف من أن يضر ضعف الاقتصاد العالمي بالاقتصاد الأميركي. ويقول مسؤولون بمجلس الاحتياطي الاتحادي من بينهم يلين إن انخفاض توقعات التضخم يدعو للقلق إذا كان ينم عن انحسار الثقة في التعافي