في قرىة أبو شوشة المطلة على نهر النيل في صعيد مصر، لا يخفي الأهالي رغبتهم في استمرار عبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد عشية الانتخابات الرئاسية التي تبدأ الاثنين.
في ساحة ترابية واسعة معظمها مسقوف بقماش قديم مرتوق لتخفيف أشعة الشمس الحارقة حيث يبيع التجار مختلف انواع المواشي، أبقار وجواميس وخراف، ويعرض بائعو الخضروات والطيور بضائعهم، وقف طارق محمد حافظ تاجر الماشية الأربعيني في جلبابه المقلّم الفضفاض يقول بحماس "نحن رأينا الامان بعد السيسي".
ويؤكد الرجل الذي يأتي بانتظام الى "سوق الاربعاء" الاسبوعي في قرية أبو شوشة بمحافظة قنا، على بعد 650 كيلومترا جنوب القاهرة، انه قبل ان يتولى الرئيس المصري زمام الامور في البلاد، "لم نعرف الأمن ولم نسمع عنه، المرأة لم تكن تستطيع حتى الذهاب إلى الطبيب".
ويقود السيسي مصر منذ ان عزل، حين كان وزيرا للدفاع، الرئيس الاسلامي السابق محمد مرسي في تموز/يوليو 2013 اثر تظاهرات حاشدة طالبت برحيله.
ويتابع حافظ "لا أحد ينفع غير السيسي وانت ترى الدول من حولنا انهارت، لكن أنا أطلب منه أن يراعي الصحة حيث أن المستشفيات هنا حالتها منهارة".
يخوض السيسي الانتخابات الرئاسية التي تجرى بين 26 و28 آذار/مارس الجاري أمام مرشح وحيد هو موسى مصطفى موسى رئيس حزب الغد الذي لا يعد منافسا حقيقيا له بعد استبعاد ترشيح شخصيات تتمتع بثقل سياسي.
مثل حافظ أبدى كثيرون داخل وخارج أروقة "سوق الاربعاء" تأييدهم الشديد لبقاء السيسي على رأس البلاد سواء كانوا من بسطاء الناس او أثريائهم.
ولكنهم لم يخفوا كذلك همومهم الثقيلة.
ويقول حسين حافظ المدير السابق بوزارة التربية والتعليم وقد جلس على أريكة خشبية أمام منزله المطل على النيل في القرية "نحن أصلا لا نعرف المرشح الثاني وهو نفسه يقول إنه سيرشح السيسي".
وفي أحد حقول الخس تحت شمس الظهيرة الحارقة، يقول أديب حليم بكساموس (72 عاما) وهو ميكانيكي مواتير مياه "المزارع يخسر لأن كل شيء صار غالي الثمن .. الكهرباء أسعارها مرتفعة والمبيدات كذلك وانتاج فدان الخس كان يباع ب 10,000 جنيه الآن يباع بـ 3,000 جنيه فقط" فلا يغطي مصروفاته.
ويتابع الرجل المسن الذي يرتدي جلبابا رماديا متسخا بطين الحقل وقد ظهر على وجهه السخط من الغلاء أكثر من تحمسه للإدلاء بصوته في اقتراع الرئاسة المنتظر، "السيسي رجل جيد وكل شيء فعله جيد لكن الغلاء سيء وأنا أسأل إذا كان من الممكن أن يرخص الحال بعض الشيء لأن العامل لا يجد ما يأكله".
وفي كثير من اللقاءات والمؤتمرات على مدى العام ونصف الماضيين، طالب السيسي المصريين بالصبر خصوصا على غلاء المعيشة حتى يتمكن من اصلاح الاوضاع الاقتصادية.
واطلق السيسي برنامجا للاصلاح الافتصادي للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي قيمته 12 مليار دولار.
وفي اطار هذا البرنامج تم تحرير سعر صرف الجنيه المصري في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 ما ادى الى موجة ارتفاعات كبيرة في الاسعار بعد ان فقدت العملة الوطنية اكثر من نصف قيمتها.
وبلغ التضخم ذروته في تموز/يوليو 2017 حين سجّل المؤشر السنوي 34,2%، إلا أنه أخذ في الانخفاض الى ان وصل الى 14,3% في نهاية شباط/فبراير الماضي.
ويعيش نحو 28% من سكان مصر (96 مليون نسمة) تحت خط الفقر فيما تبلغ نسبة الفقر في بعض مناطق الصعيد اكثر من 50%، وفق الاحصاءات الرسمية.
- خوف او عدم اكتراث -
وعلى بعد نحو 70 كلم شمال أبوشوشة في محافظة سوهاج لم تكن لافتات الدعاية للسيسي بنفس كثافتها في القاهرة.
ففي الشوارع وفي أكبر ساحتين في المدينة، ميدان الثقافة وميدان العارف، اقتصرت اللافتات المؤيدة للرئيس المصري على تلك التي وضعها أعضاء البرلمان وبعض أصحاب الأعمال والأثرياء.
وفي منطقة  نجع أبو شجرة الشعبية في المحافظة، صاح صيدلي رفض الإدلاء باسمه خشية التعرض للمتاعب على حد قوله، "لقد تمنيت فقط أن اختار بين مرشحين عديدين لا أن يصبح الخياران أمامي إما عبد الفتاح او السيسي"، في اشارة الى ان عدم وجود منافس جاد للرئيس المصري.
وبالرغم من قلة الدعاية، إلا أن معظم الناس تفضل كذلك بقاء السيسي في الرئاسة خصوصا بسبب تحسن في الأوضاع الأمنية.
ومن أمام دكانه العتيق ذي النوافذ الخشبية حيث يبيع قطع غيار يقول ماهر بشاي (66 عاما) الذي يناديه أصدقاؤه بـ "أبو مينا" إنه مستعد لتأييد السيسي "لولاية واثنتين وثلاث وأربع، فنحن نريد بناء دولتنا".
لكن حماس أبو مينا العارم يتناقض مع مواقف آخرين من أهالي سوهاج.
وبلا اكتراث، قال عثمان (21 عاما) العامل في مصنع طوب "أنا لا أشغل بالي بالانتخابات، فلدي عملي وأعيل أخوتي وزوجتي .. أنا لا أعرف كيف تسير البلد فلماذا سأصوت وفي ماذا يفيد رأيي".