توقع مختصون في السوق النفطية أن يشهد الربع الرابع من العام الجاري تحسنا ملموسا في أسعار الخام كبداية للتعافي والتوازن في السوق بعد أن خسرت أسعار النفط الخام خلال الربع الثالث نحو 24 بالمئة من أسعارها.
واعتبر هؤلاء أن تحسن الأسعار وتعويض الخسائر الحادة السابقة سيكون مرجعه بداية فصل الشتاء وانخفاض الحرارة على نحو كبير خاصة في أوروبا ما سيزيد الطلب على النفط الخام لتلبية أغراض التدفئة.
ورأى المختصون أن الانخفاضات الحادة في الربع الثالث هي الأسوأ على مدار العام وتمثل بالفعل قاعا سعريا، لكنهم أشاروا إلى أن الشهور المتبقية من العام الجاري ستشهد خطوات جيدة نحو استعادة التوازن في السوق وتحسن مستويات الأسعار وسيساعد على ذلك النمو الكبير المتوقع في مستويات الطلب العالمي الذي كان قد تراجع في الشهور السابقة بسبب ضعف مستوى النمو الاقتصادي للدول الرئيسة في آسيا ودخول كثير من مصافي التكرير في العالم في دور الصيانة.
وأوضح المختصون أن مزيج «برنت» والخام الأميركي سجلا في ختام تعاملات الربع الثالث من العام الحالي خسائر نسبتها 24 بالمئة، وهو أكبر هبوط فصلي لهما منذ نهاية 2014 إلا أن التوقعات والمؤشرات الاقتصادية تؤكد أن سعر برميل النفط لن يقل عن المستوى الحالي لأن إنتاج النفط تحت هذا المستوى لن يكون مجديا لدول كثيرة.
ويقول ماركوس كروج كبير مختصي الطاقة في «إيه كنترول» لأبحاث النفط والغاز، «إن الربع الأخير من العام الجاري سيكون من المؤكد أفضل اقتصاديا وستشهد أسعار النفط تحسنات ملموسة نظرا لأنه يجيء بعد انخفاضات قياسية تحققت في الربع الثالث وقاربت ربع مستوى الأسعار».
وأشار كروج إلى أن الأحداث الجيوسياسية سيكون لها تأثير في أسعار النفط في الشهور المقبلة خاصة مع بدء أعمال عسكرية تقودها روسيا والصين في سورية وهو ما سيرفع الأسعار بسبب المخاوف على الإمدادات لكنه مع ذلك سيجمد نشاط تهريب النفط ويجفف منابع ومصادر التمويل لتنظيم «داعش» وهو ما يمثل بعض الدعم للسوق لتعويض الانهيارات السعرية السابقة.
وأوضح كروج أن هناك مؤشرات جيدة أيضا عن تحسن مستويات الطلب بعد تقلص إنتاج النفط الصخري وتراجع المخزونات الأميركية واحتمال تأخر استئناف الصادرات النفطية الإيرانية بمستويات مرتفعة وهو ما يزيد الشكوك حول إمكانية استمرار حالة وفرة المعروض النفطي العالمي.
من جهته، أشار لـ امبروجيو فاسولى مدير مركز أبحاث الطاقة في مدينة لوزان السويسرية، إلى أن آفاق الطلب على النفط واسعة خاصة في الدول النامية وقد شجع انخفاض أسعار النفط في النصف الأول من العام الجاري على زيادة الطلب في دول الاستهلاك خاصة أن التراجعات السعرية انعكست بشكل كبير وملحوظ على أسعار معظم أنواع الوقود.
وأضاف فاسولى أن «الأعاصير في الولايات المتحدة التي تهدد السواحل الشرقية بما تضمه من منشآت نفطية ضخمة زادت القلق على الإمدادات وسيدعم ذلك الأسعار بشكل أقوى خلال الشهور المقبلة خاصة في ضوء المعاناة التي يعيشها الإنتاج الصخري الأميركي نتيجة ارتفاع التكاليف وانخفاض أسعار بيع النفط».
ولفت فاسولى إلى أن التقارير والإحصائيات الاقتصادية تشير إلى أن عدد الشركات العاملة في النفط الصخري بلغ 58 شركة حاليا بعدما ازداد إنتاجها في العام الماضي بنسبة 19 بالمئة في الوقت الذي خفضت فيه تلك الشركات ميزانياتها بنحو 22 مليار دولار وقد ارتفع إنتاج هذه الشركات من النفط الصخري خلال الربع الثاني بنحو 4 بالمئة فقط.
فيما يرى رالف فالتمان المختص النفطي أن الربع الثالث شهد هذه الانهيارات السعرية بسبب عديد من العوامل وفي مقدمتها توقيع الاتفاق الإيراني الغربي في تموز (يوليو) الماضي الذي نص على رفع العقوبات الاقتصادية واستئناف ضخ الصادرات النفطية الإيرانية وتواكب ذلك مع تصريحات لمسؤولين إيرانيين حول ضخ مزيد من الصادرات النفطية ما يعني إحداث قفزة في المعروض العالمي وبالتالي زيادة المخاوف من استمرار وفرة المعروض على حساب الطلب. وأشار فالتمان لـ «الاقتصادية»، إلى أن الربع الرابع سيشهد تعافيا كبيرا من مرحلة الانخفاض السابقة مدفوعة بنمو الطلب وصعوبة احتمال السوق مزيدا من الانخفاضات في ضوء ارتفاع تكاليف الإنتاج كما أن الدول الرئيسية في الاستهلاك اتخذت برامج إيجابية وسريعة لتحفيز الأداء الاقتصادي فيها وفي مقدمتها الصين واليابان.
ورأى فالتمان أن منتجي النفط الصخري اتخذوا إجراءات قوية للتواؤم مع مستويات الأسعار المنخفضة ومنها خفض العمالة وترشيد مصروفات الإنتاج والتوسع في الاعتماد على التكنولوجيا المتطورة في الحفر وغيرها من جوانب الصناعة وهو ما جعل الإنتاج الصخري يستمر رغم ظروف السوق الصعبة ورغم ذلك فإن الربع الأخير سيشهد على الأرجح تقلص المعروض وتحسن مستوى الطلب.
وأوضح فالتمان أن وضع الاقتصاد الأميركي يحمل بعض المؤشرات السلبية التي ستنعكس على قوة الدولار الذي يرتبط بعلاقة عكسية مع أسعار النفط الخام، لافتا إلى أن التقارير الاقتصادية والبيانات الحديثة كشفت عن تراجع كبير في الوظائف الأميركية وتزامن ذلك مع تراجع كبير في طلبيات المصانع وهو ما ينذر بصعوبات تواجه القطاع الصناعي الأميركي الذي يشمل أيضا القطاع النفطي.
وكانت التقارير الاقتصادية قد رصدت عددا من المتغيرات المهمة في سوق النفط مع بداية الربع الثالث من العام الجاري ومن بين هذه المتغيرات ما حدث في بداية تموز (يوليو) من إقدام البنك المركزي الصيني على تخفيض قيمة اليوان بنسبة 1.9 بالمئة؛ من أجل تحفيز النمو الاقتصادي للصين، ودعم الصادرات؛ ما أدى إلى تراجع سعر اليوان إلى أدنى مستوى له خلال العقدين الماضيين. واستقر سعر سلة خامات «أوبك» دون مستوى 60 دولارا أميركيا للبرميل خلال تموز (يوليو) في حين تسارعت وتيرة التراجع في التعاملات الأولية لشهر آب (أغسطس) لينخفض سعر نفط «أوبك» إلى أقل من مستوى الـ 50 دولارا للبرميل، مسجلا بذلك مستوى جديدا من الانخفاض مقارنة بالشهور الماضية. وبلغ متوسط سعر سلة «أوبك» خلال شهر آب (أغسطس) 47.59 دولار أميركي للبرميل بينما سجل سعر السلة بداية الشهر الجاري – بداية الربع الرابع – 44.66 دولار للبرميل لتفقد السلة نحو 16 دولارا مقارنة ببداية الربع الثالث.
وعوضت أسعار النفط الخام بعض خسائرها في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي، وارتفعت 1 بالمئة أو أكثر بعد صدور تقرير يظهر انخفاض عدد منصات الحفر النفطية العاملة في الولايات المتحدة للأسبوع الخامس على التوالي فيما أثار الجدل مجددا بشأن تراجع الإنتاج في أكبر بلد مستهلك للنفط في العالم.
وبحسب «رويترز»، فقد تأثر النفط في ختام التعاملات ببيانات أضعفت من التوقعات بشأن الوظائف في الولايات المتحدة وبيانات اقتصادية أخرى فضلا عن تراجع المخاطر على منشآت النفط على الساحل الشرقي للولايات المتحدة بسبب الإعصار جواكين. وفي وقت لاحق أظهر مسح أسبوعي أجرته شركة بيكر هيوز للخدمات النفطية أن شركات الطاقة الأميركية خفضت هذا الأسبوع عدد منصات الحفر النفطية بواقع 26، وهذا أكبر خفض أسبوعي في عدد المنصات منذ نيسان (أبريل).
وحولت البيانات اتجاه أسعار الخام التي كانت قد انخفضت نحو 1 بالمئة في وقت سابق، وارتفع سعر خام القياس العالمي مزيج برنت 44 سنتا أو بنحو 1 بالمئة عند التسوية إلى 48.13 دولار للبرميل.
وزاد الخام الأميركي 80 سنتا أو بنسبة 1.8 بالمئة إلى 45.54 دولار للبرميل، وخلال الأسبوع بأكمله خسر «برنت» نحو 1 بالمئة بينما تراجع الخام الأميركي بشكل طفيف.
وهبطت أسعار الخام إلى نحو النصف تقريبا خلال العام الأخير بسبب تخمة المعروض على الرغم من أن مختصين يرون أن استراتيجية منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» التي تسمح للأسعار بالهبوط لتحجيم النمو في مناطق الإنتاج المرتفع التكلفة تحقق بعض التأثير.
وخفضت شركات نفط عالمية إنفاقها كثيرا هذا العام بسبب استمرار تدني أسعار النفط حيث خفضت ميزانياتها واستغنت عن آلاف الوظائف. وقال فاتح بيرول المدير العام لوكالة الطاقة الدولية «إنه من المتوقع انخفاض استثمارات النفط العالمية 20 بالمئة هذا العام في أكبر تراجع لها على الإطلاق».
وتضررت عائدات شركات الطاقة جراء هبوط أسعار النفط إلى النصف خلال السنة الأخيرة وهو ما يثني الشركات عن الإنفاق على عمليات التنقيب والإنتاج. وبحسب بيرول فإن الوكالة الدولية تتوقع هذا العام أن تكون استثمارات النفط العالمية في 2015 أقل 20 بالمئة منها في 2014، وهذا أكبر انخفاض في تاريخ النفط.
وفي ظل استمرار أسعار النفط دون 50 دولارا للبرميل فقد تضررت خطط الاستثمار في شركات النفط الكبرى والشركات المحلية، حيث تعين عليها إيجاد سبل للحفاظ على السيولة النقدية. وسيؤدي خفض الاستثمارات الآن إلى تأخير تطوير الحقول الموجودة بالفعل وعمليات تنقيب، ما يعني أن الإنتاج قد يتباطأ لسنوات مقبلة.