قبول بعض النواب طلب الوزراء سرية الإجابة عن أسئلتهم ليس له سند دستوري
ما جرى عليه العمل  بشأن طلب وزراء سرية الإجابة يعد عرفاً دستورياً  منشئاً
يفهم من المادة 124 من اللائحة أن طريقة الإجابة تكون شفاهةً إلا أنه جرى العمل بالرد كتابة

 
 
شهد مجلس الأمة خلال الأيام الماضية حالة من الجدل حول طلب بعض الوزراء سرية إجاباتهم على بعض الأسئلة البرلمانية مما يدفع رئيس المجلس الى التأشير بحفظ تلك الإجابات السرية لدى الأمانة العامة بعد موافقة النائب صاحب السؤال على الحفظ اي على سرية الإجابة مع حقه في الاطلاع عليها . وحدث ان اعترض النائب شعيب المويزري على طلب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الشيخ ناصر الصباح بان تحفظ لدى الأمانة العامة لمجلس الامة إجابته عن سؤال للمويزري نظرا لسريتها ، وهو ما رفضه المويزري في كتاب رسمي وجهه الى رئيس المجلس مؤكدا فيه رفضه حفظ الإجابة لدى أمانة المجلس ، وبعد نقاش داخل مكتب المجلس قرر عدم سرية الإجابة واخطار النائب والوزير بذلك.
تلك الاشكالية تناولتها دراسة قانونية وسياسية لمجلس الامة منذ عام 2002 أكدت أن ما جرى عليه العمل في المجلس منذ نشأته بشأن طلب الوزراء في بعض إجاباتهم على أسئلة النواب بسرية الإجابة يعد عرفاً دستورياً منشئاً ، وأن قبول بعض النواب بهذا الطلب كان دون سند دستوري ينظم هذا السلوك.
جاء ذلك في دراسة بشأن الإجابات السرية من رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء لأسئلة السادة الأعضاء ، أعدها في العام 2002 الباحث القانوني عيدان سعد الطعان بإشراف: هناء المنيس - رئيس قسم الدراسات القانونية، و د. عبدالفتاح حسن - مستشار بمجلس الأمة
ونص الدراسة كالتالي:  إذا ما أردنا التطرق إلى موضوع سرية الإجابات الواردة من رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء محل التقرير لابد أن نبين أن للنائب الحق في الحصول على الإجابة عن أي سؤال يقدمه إلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء على أن يكون السؤال موقعاً من مقدمه ومكتوباً بوضوح وإيجاز قدر المستطاع وأن يقتصر على الأمور التي يراد الاستفهام عنها دون تعليق عليها ولا يتضمن هذا السؤال عبارات غير لائقة أو فيها مساس بكرامة الأشخاص أو الهيئات أو إضرار بالمصلحة العليا للبلاد وأن يكون السؤال لأمور داخلة في اختصاص الوزير الموجه السؤال له ويستمد النائب حق السؤال وحق الرد عليه من المادة (99) من الدستور التي نصت على أن : <لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء أسئلة لاستيضاح الأمور الداخلة في اختصاصهم وللسائل وحده حق التعقيب مرة واحدة على الإجابة> ، كما يستمد ذلك من المادة(121) من اللائحة الداخلية للمجلس .
وتكون الإجابة بالشكل المنصوص عليه في المادة (124) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة إذ نصت على أن : <يجيب رئيس مجلس الوزراء والوزير على السؤال في الجلسة المحددة لنظره ، ولرئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص أن يطلب تأجيل الإجابة إلى موعد لا يزيد على أسبوعين ، فيجاب إلى طلبه ، ولا يكون التأجيل لأكثر من ذلك إلا بقرار من المجلس .
ولرئيس مجلس الوزراء أو الوزير بموافقة موجه السؤال أو في حالة غيابه أن يودع الإجابة أو البيانات المطلوبة في الأمانة العامة للمجلس لإطلاع الأعضاء عليها ويثبت ذلك في مضبطة الجلسة>.
يفهم من هذه المادة أن على رئيس مجلس الوزراء والوزراء أن يجيبوا على أسئلة النواب متى ما وجهت لهم وذلك في الجلسة المحددة لنظر السؤال ، ولرئيس مجلس الوزراء والوزراء حق طلب تأجيل الإجابة لمدة أسبوعين ، فيجاب طلبهم ، ولا يكون التأجيل لأكثر من ذلك إلا بعد عرض الموضوع على المجلس الذي يصدر فيه قراراً بذلك ، ولرئيس مجلس الوزراء أو الوزير بموافقة النائب موجه السؤال أو في حالة غيابه أن يودع الإجابة لدى الأمانة العامة للمجلس لإطلاع الأعضاء عليها .
ويفهم كذلك من هذه المادة أن الطريقة المقررة في الإجابة عن أسئلة النواب هي أن تكون شفاهةً وهذا هو الأصل ، إلا في حالتين ، الحالة الأولى هي موافقة النائب موجه السؤال على طلب الوزير بإيداع الإجابة لدى الأمانة العامة ، والحالة الثانية هي غياب النائب موجه السؤال ، ففي هاتين الحالتين تكون الإجابة على أسئلة النواب من قبل رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء عن طريق الكتابة خلافاً للأصل وهو الشفاهة في الإجابة .
إلا أن جرى العمل في مجلس الأمة على استبعاد أسلوب الإجابة الشفهية ، واتباع طريقة الرد بالكتابة للإجابة عن أسئلة النواب ، وهذا ما استقرت الأمور عليه في مجلس الأمة من حيث الواقع العملي منذ ثلاثين عاماً تقريباً .
وأصبح الأصل في الإجابة أن تكون مكتوبة في الرد على أسئلة النواب رغم مخالفة ذلك لما ورد في اللائحة الداخلية للمجلس ، وقد سلكت الحكومة هذا المسلك في ردها على أسئلة النواب ، وبينت ذلك في رسالتها الواردة إلى المجلس بتاريخ 7-5-1997- رقم الوارد 2904- إذ أوردت فيها (إذا استقرت الأمور في مجلس الأمة من حيث الواقع العملي على استبعاد الإجابة الشفوية في الجلسة المحددة لنظر السؤال ، ولم يعد يجري ذلك إلا نادراً وأصبح الأصل أن الإجابة تكون مكتوبة وترسل إلى الأمانة العامة لمجلس الأمة لتبلغ بعد ذلك إلى النائب ليقوم الأخير بالتعقيب على الإجابة عندما يحل دور السؤال للنظر في الجلسة) .
هذه هي الطريقة التي تتم فيها الإجابة على أسئلة النواب سواء من حيث الواقع النظري أو العملي .
إلا أنه وبالعودة إلى موضوع التقرير وهو الإجابات السرية من الوزراء على بعض أسئلة النواب نود القول أنه لا يوجد في الدستور أو اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ما ينص على مصطلح <سرية الإجابة> ، وإنما جاء ذلك نتيجة لما جرى عليه العمل في مجلس الأمة وما قرره في جلسة يوم الثلاثاء الموافق 30-12-1997م من الفصل التشريعي الثامن دور الانعقاد العادي الثاني .
إذ قرر الموافقة على ما انتهت إليه لجنة الشئون التشريعية والقانونية في رسالتها الواردة إلى المجلس بتاريخ 29-12-1997م إذ وافقت فيها على: 
(1) الاستمرار على ما استقر عليه العمل بالمجلس ، من أن يوجه السؤال كتابة ، وأن تتم الإجابة عليه كتابة أيضاً .
(2) إيداع الإجابة الأمانة العامة للمجلس في غير حالتي غياب العضو وفيما بين أدوار انعقاد المجلس تتطلب موافقة العضو على الإيداع قبل إجرائه .
(3) أن توقيع الوزير المختص على الكتاب الذي يحيل به إجابات الجهات المعنية التي تحت إشرافه أو رئاسته ، إلى رئيس مجلس الأمة يعد مقبولاً ويعني أن الوزير قد تبنى هذه الردود ونسبها إلى شخصه ، وبالتالي تكون الإجابة على السؤال بهذه الطريقة صحيحة ومقبولة شكلاً .
(4) يلزم أن تتم إجابة الوزير على الأسئلة الموجهة إليه خلال مدة لا تجاوز أسبوعين من تاريخ إرسالها إليه ، إلا إذا رأى المجلس بناء على طلب الوزير تمديد هذا الميعاد.
وبذلك تكون الإجابة سرية متى ما طلب الوزير ذلك ووافق النائب عليه ، إذ تصل الإجابة إلى الأمانة العامة لمجلس الأمة مرفقة بكتاب يطلب الوزير فيه سرية الإجابة ، بعد ذلك تقوم الأمانة العامة بالاتصال بالنائب لتطلعه على طلب الوزير وتأخذ الرد منه على ذلك ، فإذا وافق النائب على طلب الوزير بأن تكون الإجابة سرية تم ذلك بحفظ الإجابة لدى الأمانة العامة مع حق إطلاع النائب عليها كما لسائر الأعضاء ذلك .
وفي هذه الحال لا تدرج الأمانة العامة للمجلس هذه الإجابة على جدول أعمال المجلس ن مع ملاحظة أن السؤال ذاته يدرج على جدول الأعمال ويكون للعضو حق التعقيب على الإجابة في الجلسة المحددة لنظر السؤال . أما في حال رفض النائب طلب الوزير بأن تكون الإجابة سرية فإن النائب يقوم بالتوقيع شخصياً على الكتاب الموجه من الوزير والذي يطلب فيه سرية الإجابة بعدم قبول طلب السرية وعندئذ لا يكون هناك ما يمنع العضو موجه السؤال من إذاعته على وسائل الإعلام المختلفة ، ومع حقه في التعقيب على الإجابة في الجلسة المحددة لنظر السؤال ، وبعد ذلك تقوم الأمانة العامة بتوزيع الإجابة على كافة الأعضاء وإدراجها في جدول أعمال المجلس ، ولا يملك الوزير أي خيار تجاه ذلك .
وبناء على ما سبق ، فإنه يمكننا القول أن عرفاً دستورياً قد نشأ بخصوص ذلك السلوك الذي اتبعه الوزراء في بعض إجاباتهم على أسئلة النواب من طلب سرية الإجابة ، وقبول بعض النواب بهذا الطلب دون سند دستوري ينظم هذا السلوك .
وتجد الإشارة إلى أن العرف الدستوري له أنواع متعددة هي :
أولاً : العرف المفسر : هو العرف الذي يقوم بمهمة إجلاء الغموض الذي يحيط بمعاني بعض النصوص الدستورية التي كشف عنها التطبيق العملي . 
ثانياً : العرف المكمل :
هو العرف الذي يقوم بعلاج النقص في بعض جوانب الدستور والتي كشف عنها التطبيق العملي عن طريق سد هذا الفراغ الناجم عنه .
ثالثاً :العرف المنشئ : يوجد العرف المنشئ عندما يسكت الدستور تماماً عن معالجة قضية معينة فلا ينظمها أي من نصوصه ، ويأتي دور العرف المنشئ هنا ليخلق قاعدة دستورية جديدة تنظم هذه المسألة . والعرف المنشئ يأتي بقواعد جديدة إلا أنه لا يخالف الأحكام والمبادئ العامة المستقرة في الدستور .رابعاً : العرف المعدل :
هو العرف الذي ينشأ إلى جوار نصوص الدستور المكتوب فيعدل في أحكامها تعديلاً جوهرياً . وهذا النوع من العرف يتعارض مع نصوص الدستور ومع فكرة العرف الدستوري نفسه التي تشترط ألا يخالف القاعدة الدستورية الوليدة نصاً من  نصوص الدستور(1) .
وعليه يمكننا القول أن ما جرى عليه العمل في مجلس الأمة منذ نشأته بشأن طلب الوزراء في بعض إجاباتهم على أسئلة النواب بسرية الإجابة يعد عرفاً دستورياً منشئاً .
ومن الجدير بالذكر أن هناك اقتراح مقدم من بعض السادة الأعضاء في دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي التاسع وهم : مشاري العنجري ، عبدالله الرومي ، مبارك الدويلة ، عبدالمحسن جمال ، مشاري العصيمي ، بتاريخ 30 أكتوبر 2001م ، بطلب تعديل بعض أحكام القانون رقم 12 لسنة 1963م في شأن اللائحة الداخلية ليكون متلائماً مع ما يجري عليه العمل ، ومن ضمن تلك الأحكام ما ورد في المادة 124 من القانون سالف الذكر والخاصة بإجابات رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء على أسئلة النواب .
مرجع الدراسة : النظام الدستوري في الكويت - دراسة مقارنة - د. عادل الطبطبائي كلية الحقوق - جامعة الكويت - الطبعة الثالثة 1998م ، ص339 ، وما بعدها .