انطلقت في مدينة ستراسبورغ الفرنسية اليوم السبت الندوة الدولية السادسة لمجلة (اوقاف) تحت عنوان (الوقف والأنظمة الأوروبية المشابهة ـ نحو شراكة حضارية إنسانية) بالتعاون بين الأمانة العامة للأوقاف الكويتية ورابطة مسلمي الألزاس والبنك الإسلامي للتنمية.
وتهدف الندوة التي تقام على مدى يومين استعراض التجارب والخبرات الوقفية الإسلامية في مختلف المجالات المرتبطة بالوقف ومدى إمكانية الاستفادة من التجربة الخيرية للانظمة الأوروبية الشبيهة بالوقف.
وقال سفير دولة الكويت في باريس سامي السليمان في كلمة الافتتاح ان موضوع الندوة يأتي في سياق المساعي الحثيثة والجهود المستمرة على كافة الصعد الثنائية والإقليمية والدولية وفي كافة المجالات الإنسانية لتحقيق مقصد مرغوب وهدف مطلوب الا وهو التقارب الحضاري بين الثقافات والديانات المختلفة.
واكد السليمان ضرورة الانفتاح والتبادل الفكري والتبادل المعلوماتي والتقبل والاحترام المشترك وصولا الى تحقيق الغاية السامية وهي التعارف الواعي والتعايش السلمي والتعاون المنتج بين الشعوب رغم تنوع الأعراق والمعارف والمواطن وذلك لمصلحة البشرية.
واضاف ان الندوة تتزامن مع الذكرى الرابعة لمنح الأمم المتحدة لحضرة صاحب السمو امير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه لقب (قائد للعمل الإنساني) وتسمية الكويت (مركزا إنسانيا عالميا) وذلك تقديرا من المجموعة الدولية لجهود سموه الإنسانية الرائدة في تخفيف معاناة الفقراء ومنكوبي الحروب والكوارث في مختلف أنحاء العالم.
واكد ان هذا التكريم يعبر أيضا عن التقدير الدولي للعمل الخيري في دولة الكويت والذي شهد في عهد سموه رعاه الله ارتفاعا في هرمه المؤسسي وتشعبا في تنظيمه الإداري ورسوخا في علومه ومعارفه ووفرة في خبراته وتجاربه وانتشارا واسعا في أصقاع الأرض انطلاقا من الايمان بنبل الرسالة الإنسانية ودور العمل الخيري في إنقاذ الأرواح وانتشال الفقراء من مستنقع الجهل والمرض والفقر.
وذكر السليمان ان تركيز الندوة على بحث واستكشاف النظم المشابهة للوقف سيساعد على حماية وازدهار الأوقاف وتمكينها من أداء الأغراض التي من اجلها وجدت كما سيساعدها في خدمة جميع شرائح المجتمع وسيبعدها عن دوائر الشبهة والتشكيك وسيفتح المجال أيضا للاطلاع على التجارب والنماذج المماثلة بغية الاستفادة والافادة.
والقى السليمان الضوء على النظام المؤسسي للوقف في دولة الكويت والذي يتفرد عن غيره في المنطقة بما يتميز به من عدة أوجه.
واشار الى وجوده المبكر الذي يعود الى بداية تأسيس الكويت في أوائل القرن ال16 حيث عمد تجار الكويت وميسورو الحال الى وقف جزء من أموالهم أو ميراثهم لخدمة مجتمعهم بدءا من دور العبادة ومرورا بتوفير المياه الذي كانت تعاني البلاد من شحه آنذاك وتوفير الطعام والمساعدات للمحتاجين وشمل أيضا دعم التعليم وفي وقت لاحق تقديم الرعاية الصحية.
كما اشار الى وفرة الأوقاف وكثرتها حيث يحرص جميع افراد المجتمع وحتى البسطاء منهم على وقف جزء من أموالهم حتى بات الأمر عادة من عادات المجتمع الكويتي وقيمة من قيمه.
وقال ان شجرة الوقف في دولة الكويت وارفة وممتدة وتغطي أتباع جميع المذاهب الإسلامية وتستمد تشريعاتها من احكام الشريعة الإسلامية واجتهادات علماء الأمة.
واكد ان حرص القائمين على إدارة الأوقاف الكويتية في الاستعانة بالخبرات والمعارف والعلوم في المجال الوقفي فضلا عن استقطاب العلماء والمتخصصين في هذا المجال أوجد قاعدة مرجعية راسخة ووافرة معترف وموثوق بها ويمكن الاستعانة بها في مزيد من التحصيل والتخصص العلمي في مجال الوقف.
واشار الى استيعاب ومواكبة التطور الإداري والتنظيمي في إدارة الوقف وتشغيله فضلا عن مرونة الأجهزة الوقفية الكافية لإحتواء العصرنة والحداثة واستخدام التكنولوجيا في الأداء والتنفيذ بالإضافة الى تمسكها بكافة صور الضبط المالي من حوكمة وشفافية ورقابة دقيقة.
وشدد على اهمية التميز والابداع والتجديد في بلورة الأفكار ورسم الخطط وتنفيذ المشاريع في تقديم الخدمات الوقفية وتلبية احتياجات المجتمع مؤكدا الحرص على موافقة ومطابقة رغبات الواقفين ما أمكن في تسيير أوقافهم نحو المسالك المطلوبة والوجهات المرغوبة.
وقال إن مزيدا من التعريف بالوقف في المجتمعات غير الاسلامية سوف يؤدي الى مزيد من تقبل الطرف الآخر له وبالتالي تمكينه من تنفيذ أهدافه ومن ثم توسعه.
واصاف ان القاء الضوء على النماذج المشابهة سوف يساهم في بلورة التعاون المشترك في خدمة البشرية.
وأورد تجربة مماثلة كان للتعريف بها وتبادل المعلومات بشأنها سببا في رواجها ونجاحها وهي الصناديق الاستثمارية العاملة وفق الشريعة الإسلامية والتي إنتشرت في الدول غير الإسلامية في فترة وجيزة لا تزيد عن ال15 عاما وذلك بعد ان نجحت في تقديم الاستثمار الأمثل والربح المضمون وبالتالي أقبل عليها الجميع.
وأرست هذه الصناديق العاملة وفق الشريعة الإسلامية والتي تجاوز نطاقها الحدود المحلية والإقليمية الى العالمية نماذج جديدة من الصناديق الاستثمارية في الأسواق العالمية وهي "الصناديق الاخلاقية".
واكد ان الجهود التي قام بها رجال الأعمال والمصرفيون العرب والمسلمون ساهمت في تسويق هذه الصناديق الى انتشارها وقبول الأطراف الأخرى بها.
من جهته اشار ممثل الامانة العامة للاوقاف نائب الأمين العام للادارة والخدمات المساندة ورئيس اللجنة التحضيرية للندوة صقر السجاري الى دور الكويت في مجال الوقف ودور الأمانة العامة للأوقاف منذ انطلاق أول ندوة في جاكرتا عام 1997.
وبين السجاري في كلمته أن الوقف كنظام تنموي حضاري خيري استفادت منه كل البشرية باعتباره نظاما خيريا تنمويا وصل إلى الحضارات الإنسانية الأخرى التي طورته بدورها أنظمة شبيهة خيرية متعددة تحمل مسميات مختلفة لكنها تسعى إلى تحقيق أهداف مماثلة لنظام الوقف الإسلامي.
وقال ان الندوة الدولية السادسة لمجلة أوقاف تعتبر من مشاريع "الدولة المنسقة لجهود الدول الإسلامية في مجال الوقف" التي تشرفت الأمانة العامة للأوقاف للقيام بها عبر تكليف الكويت في المؤتمر السادس لوزراء أوقاف الدول الإسلامية الذي انعقد بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا في أكتوبر 1997 .
وأشار السجاري إلى مجلة أوقاف التي تعد إحدى أهم مشروعات الدولة المنسقة باعتبارها مجلة علمية محكمة نصف سنوية تعنى بشؤون الوقف والعمل الخيري منذ صدور عددها الأول في سنة 2001 .
وذكر ان المجلة تواصل صدورها منذ 18 عاما بثلاث لغات هي العربية والإنجليزية والفرنسية حتى وصلت إلى العدد 34 مبينا ان المجلة تضم قائمة من المشتركين تتجاوز 1200 مشترك ينتمون لمختلف دول العالم.
من جانبه وصف ممثل المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب أحمد بن يحيى في كلمته المجلة بالنبع الصافي الذي ينهل منه الجميع لما تعطيه من خبرة في هذا المجال من تجارب وخبرات.
واضاف ان شجرة الوقف معروفة منذ عهد النبوة وعصر الرسالة الأول مع الصحابة الكرام ونمت هذه الشجرة مع تطور العصور واستخرجت منها الأحكام التي تواكب التطور لتشمل كافة الاحتياجات إلى ان وصل الوقف إلى تمويل الأفراد والمجتمع عامة ونفع الإنسان والمخلوقات الأخرى.
وأكد بن يحيى أن أوروبا استفادت من نظام الوقف وادخلته في كافة صور الحياة موضحا أن المجلة خدمت الجميع وساعدت في تطوير أبحاث الوقف على كافة الصعد وهذه الندوة أضفت على ذلك ودعمته وأن المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب سعى إلى تحقيق دفع عجلة الشراكات ودفع عجلة التقدم في الوقف نحو المستقبل.
من جانبه اكد ممثل رابطة مسلمي الألزاس ناصر القاضي في كلمته دور الإسلام في صقل الوقف وتنزيله على أرض الواقع لتستفيد منه دول كثيرة.
وقال ان الوقف اتسع حتى شمل في خيره كائنات أخرى غير الإنسان فهناك جمعيات للطيور المهاجرة والقطط الضالة وغيرها مشيرا إلى أن التراث الفكري الإسلامي غني ودورنا الآن بيان المقاصد ومنها الشراكة والتواصل الحضاري.
وبين القاضي أن فكر كل الجمعيات والمؤسسات الإسلامية في أوروبا قد تغير في الفترة الراهنة وذلك من خلال تخطيطها لإحداث وقف في مشاريعها الجديدة.
ودعا الكويت للمساعد في إدارة الوقف في بلاد الغرب من خلال المشاركة والاستفادة من القوانين.
وشملت فعاليات الحفل عرض فيلم تسجيلي حول دور الكويت في العمل الإنساني من خلال المؤسسات الحكومية الرسمية والأهلية ودورهما في التخفيف من معاناة الشعوب حيث كان على رأس هذه المؤسسات حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي كان له بصمة خاصة وانجازات عظيمة بشهادة الأمم المتحدة.
ونوه الفيلم بما تقدمه الأمانة العامة للأوقاف منذ انطلاقها من خلال تفعيل دور الوقف في العمل الخيري حيث قدمت مشاريع أكبر من ان تعد وتحصى سواء في أمريكيا الجنوبية وآسيا وافريقيا وكافة ارجاء العالم.
وحضر حفل الافتتاح عدد كبير من المشاركين والمتخصصين من عدة دول عربية وإسلامية وأوروبية.