ناقش خبراء اكتواريون وخبراء استثمار وإحصاء يعملون في مجال الضمان الاجتماعي، مجمل التحديات والتوجهات المحيطة بصناعة الضمان الاجتماعي حول العالم وتلك المتوقع أن تواجهها هذه الصناعة مستقبلاً.
ودارت المناقشات على مدى ثلاثة أيام في إطار المؤتمر الـ 19 للجمعية الدولية للضمان الاجتماعي الذي عقد في الكويت في الفترة من 6-8 نوفمبر الجاري، وشارك في مداولاته 250 خبيراً من 90 هيئة ضمان اجتماعي يمثلون 57 بلداً.
المؤتمر الذي يعقد للمرة الأولى في هذه المنطقة من العالم استضافته المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في  دولة الكويت، وهي عضو في المكتب التنفيذي للجمعية الدولية للضمان الاجتماعي، ومشارك نشط وفاعل في مجمل أعمالها ونشاطاتها، وقد عقد تحت الرعاية السامية لحضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه.
ممثل سمو الأمير، وزير المالية الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف، رأى في كلمة افتتح بها المؤتمر انعقاده في الكويت دليلاً أكيداً على المكانة العالمية والإقليمية التي تتمتع بها دولةالكويت ومؤشراً على الدور المحوري والهام الذي تلعبه المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في صياغة الاستراتيجيات والرؤى المستقبلية لصناعة الضمان الاجتماعي واستنباط الحلول لمواجهة التحديات الماثلة أمامها.
وأكد الدكتور الحجرف ايمان الكويت بأن الضمان الاجتماعي هو مفتاح التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل ، كما أنه حق أساسي من حقوق الإنسان، وحاجة ملحة للأفراد والمجتمعات وللتقدم الاقتصادي، موضحاً أن أمن أي مجتمع لا يمكن أن يتحقق دون أمن اقتصادي واجتماعي يلبي الحاجات ويحفظ الحقوق.
وذكر الوزير الحجرف في كلمته أن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية التي يترأس مجلس إدارتها بدأت وبتنسيق كامل مع وزارة التعليم العالي، في وضع الترتيبات الخاصة لتأهيل خبراء اكتواريين كويتيين لما لهذا التخصص من أهمية في التخطيط السليم لمستقبلنا كمجتمع ، معتبراً أن  هذه الخطوة تعكس تفكيراً استراتيجياً يهدف إلى إعداد خبرات وطنية تسد النقص الموجود في هذا المجال.
واستعرض المدير العام للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية حمد مشاري الحميضي بكلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر مجمل التحديات التي يتوقع أن تواجهها صناعة الضمان الاجتماعي على المديين المتوسط والبعيد، معتبراً أنها تستدعي من الخبراء المجتمعين في المؤتمر أن ينظروا في إمكانية وضع وتمويل خطط جديدة إضافة لإدخال إصلاحات على الأنظمة القائمة بالفعل ، ومشيراً إلى أن عليهم بشكل خاص أن يأخذوا بعين الاعتبار أسواق عمل ستتأثر بالاقتصاد والتحول الرقمي، إضافة لتأثيرات التغيرات الديموغرافية وأسعار الفائدة المنخفضة .
واعتبر أن في مقدمة التحديات التي تواجه صناعة الضمان العالمية، والتي يمكن أن تكون فرصة أيضاً الثورة الصناعية الرابعة والتحول إلى الاقتصاد الرقمي بعد أن أصبحا واقعاً يعيشه ملايين البشر حول العالم ، كما أن هذه الثورة تخلق فرصاً جديدة لقطاع الأعمال والحكومات والأفراد، لكنه استطرد موضحاً أنها قد تهدد في ذات الوقت بإحداث افتراق واستقطاب حادين بين الدول والاقتصادات .
وفيما أشار الحميضي إلى أن التحول الرقمي يستدعي رؤية وآليات استراتيجية واضحة للتعامل معه ، اعتبر أنه سيقود إلى تغيير في بنية الضمان الاجتماعي، كما سيؤثر على إداراتها ، وموضحاً أن هذه التغيرات لها جانبها الإيجابي بالتأكيد لكنها قد لا تخلو من السلبيات .
وأكد الحميضي أن من أهم الأولويات كي نكون قادرين على مواجهة مجمل التحديات، أن نمتلك إطاراً تشريعياً مرنا ومتجاوباً وسريعاً، يعمل بكفاءة لاستصدار التشريعات القانونية المطلوبة لمواجهة كل هذه التغيرات وتعديل أخرى ، كل ذلك إضافة إلى ضرورة قيام الحكومات بضمان بيئة سياسية مستقرة للاقتصاد، وتعزيز قدراتها على الاستجابة للتغيير والتعاطي بإيجابية معه . 
وتحدث في جلسة العمل الأولى للمؤتمر، الخبير الاكتواري في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في الكويت، منذر مراد، الذي استعرض دراسة قامت بها المؤسسة حول متوسط الأعمار في الكويت حيث اعتبر أن على المؤسسة أن تتعامل مع التحسن في معدلات الأعمار وما يرافق ذلك من تحديات لنظام الضمان الاجتماعي في البلاد.
وقال إن متوسط الأعمار في الكويت يتحسن بشكل مطرد وسريع نتيجة التحسن في نوعية الحياة من خلال ارتفاع مستوى الدخل والرعاية الصحية المتطورة والتعليم، إضافة الى زيادة نسبة الاناث في سوق العمل.
وتحدث في الجلسة ذاتها، رئيس قطاع الاستثمار في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مشعل العثمان، الذي شرح للمؤتمرين التنظيمات الجديدة التي أدخلتها المؤسسة على القطاع وهيكلته الإدارية الجديدة. كما تطرق إلى التعاون الوثيق بين القطاع وبين إدارتي الحوكمة وإدارة المخاطر. وشرح للمشاركين كذلك الدور الذي تقوم فيه المؤسسة من خلال أدواتها الاستثمارية في السوق المحلي واستراتيجية استثماراتها في الأسواق العالمية.
واستعرض خبراء آخرون تجاربهم والتحديات التي تواجه أنظمة الضمان الاجتماعي في بلدانهم وفي مقدمها ارتفاع معدل الأعمار والتغيرات الديموغرافية وتراجع أسعار الفائدة وكلها عوامل ترفع منسوب القلق على مسألة استدامة أنظمة الضمان الاجتماعي.
ورأى هؤلاء الخبراء أن ارتفاع متوسط الأعمار يخلق تحديات أمام الاستدامة، وأن الإصلاحات المطلوبة يجب أن تأخذ في الاعتبار حقائق سوق العمل. ودعوا الى تبادل المعلومات والخبرة بين هيئاتهم بما يساعد على الاستفادة من تنوع تجاربها. وأوضحوا أيضاً أنه لن تكون هناك قدرة على إدارة ناجحة للاستثمار إن لم تتوافر معلومات كافية وجيدة، مشيرين إلى أهمية التركيز على الاستثمار في قطاع البنى التحتية.
وأوضحت المناقشات انه بالرغم من اتساع نطاق دور الخبراء الاكتواريين ليشمل إدارة الاستثمار وإدارة المخاطر، إلا أنه يتعين عليهم أيضاً العمل مع مختلف الجهات المعنية بالضمان، وأن تحديات الاستدامة تعني ضرورة أخذ جانبي الالتزامات والأصول بعين الاعتبار، مؤكدين في هذا الإطار أهمية النهج الشمولي في مواجهة تحدي الاقتصاد الرقمي والرعاية طويلة الأمد.
وثمن المشاركون في المؤتمر حسن التنظيم وكرم الضيافة من قبل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، كما أشادوا بالثراء الفكري والثقافي للكويت بعدما اطلعوا على جوانب منه أثناء وجودهم في البلاد.