مع إعلان حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا إجراء تصويت بين نوابه بمجلس العموم مساء اليوم الأربعاء لسحب الثقة من رئيسة الوزراء تيريزا ماي تكون قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي او ما يعرف ب(بريكسيت) قد سلكت طريقا مغايرا يصعب التنبؤ بنتائجه.
كما يصعب التنبؤ بما ستسفر عنه نتائج التصويت الذي ستكون له تداعيات على الحكومة ومستقبل اتفاق الخروج برمته.
وقد اضطرت ماي إلى وقف جولتها الأوروبية التي كان من المقرر أن تأخذها اليوم إلى دبلن للقاء نظيرها الإيرلندي ليو فارادكار بعد لقاءاتها أمس الثلاثاء مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته وعدد من مسئولي الاتحاد الأوروبي لإقناعهم بتقديم تنازلات إضافية بشأن الية التجارة والجمارك عبر الحدود الإيرلندية والتي تضمنتها مسودة اتفاق الخروج.
وبدأت ماي جولتها الأوروبية دون أن تحمل معها أي ورقة ضغط على الأوروبيين أو نواب مجلس العموم على حد سواء اذ أجبرت على زيارة القادة الأوروبيين وهي على علم بموقف بروكسل الرافض لإعادة فتح المفاوضات حول ألية التجارة غير أن تهديد البرلمان بإحباط مسودة الاتفاق لم يترك أمامها أي مسلك غير الوجهة الأوروبية.
وتجد ماي نفسها في موقع ضعيف على الصعيد الداخلي وخاصة بعد قرارها تأجيل التصويت على مسودة الاتفاق الذي كان مقررا أمس الثلاثاء بعد أن تأكدت بأن غالبية نواب مجلس العموم سيصوتون ضد الوثيقة بسبب الخلافات الكبيرة حول ألية التجارة والجمارك.
ويرى معظم النواب على اختلاف انتماءاتهم الحزبية أن الألية المذكورة لا تخدم سوى الطرف الأوروبي لأنها تربط المملكة المتحدة مع السوق الأوروبية إلى أجل غير مسمى وفوق ذلك لا يحق للحكومة البريطانية الانسحاب من الألية من جانب واحد ما يعني أن البلاد ستظل ملتزمة بتطبيق الإجراءات الأوروبية ولكن دون أن يكون لها كلمة في صياغتها.
ومع ذلك لا تزال ماي مصرة على أن الاتفاق بصيغته الحالية يعد أفضل ما يمكن تحقيقه من المفاوضات وهو ما فتح عليها مزيدا من الانتقادات من جانب أحزاب المعارضة بقيادة العمال ومن جانب نواب حزبها بجناحيه المؤيد للبقاء في التكتل الأوروبي والمعارض له بقيادة وزير الخارجية السابق بوريس جونسون الذي لم يتوقف عن انتقاد رئيسة الوزراء منذ استقالته من حكومتها في يوليو الماضي.
وبغض النظر عن نتيجة التصويت المقرر بين الساعة السادسة والثامنة من مساء اليوم (بالتوقيت المحلي) ستعيد هذه العملية بريطانيا إلى نقطة الصفر حيال قضية الخروج بأكلها ليعلو مجددا صوت الصراع السياسي داخل حزب المحافظين على أجندة القضايا الوطنية كما حدث مع رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون الذي قرر تنظيم استفتاء الخروج عام 2016 لأجل إسكات خصومه في الحزب معتقدا أن التصويت على البقاء سيعجل بإقصائهم من المقاعد الأمامية.
ويبدو أن تمسك ماي بالصراع من أجل البقاء مثلما ذكرته في خطابها اليوم يحمل في طياته بارقة أمل بالنسبة لها إذا تمكنت من اجتياز اختبار حجب الثقة حيث أن توقيع 48 نائبا بالدعوة إلى التصويت يتطلب منهم أيضا الحصول على أصوات أكثر من نصف عدد النواب المحافظين في مجلس العموم والبالغ مجموعهم 316 عضوا.
وتترقب البلاد ما ستسفر عنه نتيجة التصويت التي سيعلن عنها في حدود التاسعة مساء (بالتوقيت المحلي) وسط غياب شبه تام لمؤشرات تنذر بنهاية حالة الشد والجذب إذ أن بقاء ماي في منصبها سيترك باب الخلافات مفتوحا حول مسودة الاتفاق الذي لا يتوقع أن يمر على البرلمان بصيغته الحالية ما يعني من جهة أخرى وقوف المجلس بكل أحزابه ضد مشروع الحكومة.
 وفي حال خسرت ماي الرهان فسيكون أمام المحافظين مفاوضات داخلية شاقة وطويلة لتجاوز المشاحنات ومحاولة تحقيق إجماع على خليفة لها في توقيت حساس ولم يعد يفصل البلاد على موعد الخروج الرسمي سوى 16 أسبوعا ربما لن تكون كافية لإعادة ضبط مسودة الاتفاق قبل عرضها مجددا على البرلمان للمناقشة والتصويت.
وفي حال فشل المحافظون في ضبط خلافاتهم في ظرف قياسي سيكون أمام زعيم حزب العمال جيريمي كوربن فرصة دستورية ليطلب من الملكة إليزابيث الثانية تفويضه بتشكيل حكومة أقلية تؤول إليها إدارة شؤون البلاد والفصل في قضية (بريكسيت) حتى البت في إمكانية تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة.