تستذكر الكويت غدا الاثنين حدثا مهما في تاريخها شهده الأجداد من أهل البحر والغوص عندما مر على البلاد عام من الرخاء والوفرة المالية وصادف سنة 1912 التي أرخها الكويتيون في ذاكرتهم بتسميتها بسنة (الطفحة).
ففي 30 سبتمبر 1912 وصل عدد سفن الغوص الكويتية أكثر من 800 سفينة يعمل على متنها نحو 30 ألف غواص وبحار في حين بلغت أرباح محصول اللؤلؤ في تلك السنة ستة ملايين روبية وكان ذلك في عهد حاكم الكويت السابع الشيخ مبارك الصباح.
وشهدت البلاد في ذلك العام وفرة مالية غير مسبوقة حطمت جميع المقاييس التي سبقتها أو التي تلتها وتجاوز دخل سفن الغوص الكويتية بحثا عن اللؤلؤ ستة ملايين روبية.
ولعل من أبرز الأسباب التي دعت أهل الكويت إلى مضاعفة نشاطهم البحري والتجاري لاسيما الغوص بحثا عن اللؤلؤ الذي كان يشكل عصب الحياة الاقتصادية آنذاك ما حدث عام 1910 عندما نشبت معركة (هدية) التي استنزفت أموالا كثيرة مما اضطر معه حاكم الكويت آنذاك الشيخ مبارك الصباح إلى تعطيل رحلات الغوص.
كما أدى ذلك إلى هجرة أعداد كبيرة من كبار تجار اللؤلؤ من البلاد إلى الدول المجاورة كالبحرين لكن بفضل جهود الشيخ مبارك الصباح عاد معظم هؤلاء التجار إلى البلاد عام 1911 واستأنفوا نشاطهم التجاري فانطلقت السفن من جديد في عام 1912 بأعداد هائلة لتعوض خسارة العامين الماضيين.
وشهدت سنة (الطفحة) تضاعف حجم قوة العمل في كل المهن التي تتعلق بالبحر إذ بلغ عدد العمال نحو 30 ألف شخص منهم (القلاليف) وهم صناع السفن ومنهم من يعمل في (العماير) وهم المتخصصون في بيع مستلزمات الغوص والسفن إلى جانب البحارة وباقي طاقم السفن وهو رقم كبير مقارنة بعدد سكان الكويت الذي كان لا يزيد على 110 آلاف نسمة.
أما عدد سفن السفر التي أبحرت في سنة (الطفحة) فقد بلغ 200 سفينة ووصل عدد من عمل عليها من الرجال إلى 6000 في حين كان إجمالي دخل حمولتها من البضائع في رحلتي الذهاب والإياب أكثر من مليون روبية.
ويرى كثيرون من الباحثين أن سنة (الطفحة) تعتبر مؤشرا مهما يبين أهمية الكويت التجارية والاقتصادية في المنطقة قديما إذ كانت معبرا تجاريا يربط بين الهند وشرق أفريقيا وشكلت محطة (ترانزيت) للبضائع كما كانت مركزا صناعيا مهما في المنطقة حيث إن السفن التي كانت تقوم عليها تجارة الغوص كويتية الصنع وتعتبر من أفضل وأقوى واكبر السفن في المنطقة.
وأدى النشاط الضخم الذي حدث في تلك السنة إلى زيادة حجم المبالغ المحصلة من ضريبة التجار لمصلحة خزينة الدولة التي كان يطلق عليها (قلاطة الشيوخ) وتوازي ثلاثة أسهم من أصل 81 على كل سفينة أي ما يعادل 3ر7 في المئة من إجمالي الموسم وبلغت نحو 222 ألف روبية في عام 1912 وهو مبلغ قياسي حينها.
ومن مظاهر الوفرة المالية في تلك السنة ان دخلت فئة (الألف روبية) من العملة الهندية التي كان يتعامل بها الكويتيون قديما وهي فئة جديدة في التعامل وذلك كان نتيجة لحجم السيولة الكبير المستجد في البلاد.
وتركت الزيادة في دخل الغوص أثرا كبيرا في زيادة حجم العمل والرواج الاقتصادي وتوسع الأسواق التجارية الجديدة في الكويت التي تجاوز عددها 40 سوقا ولكل منها نشاط يختلف عن الاخر.
وانتعشت أيضا حركة التصدير إلى العراق والشام ومارس الكويتيون التجارة مع أسواق جديدة واستطاع المواطنون تسديد الديون التي تراكمت عليهم لسنوات كما استقبلت البلاد الكثير من الباحثين عن العمل من دول قريبة لتوافر فرص العمل والرزق فيها.
وللاشارة فإن موسم الغوص قديما كان يحدث في العادة مرة واحدة في فصل الصيف لكن في سنة (الطفحة) اصبح موسمين إذ ذهبت السفن للبحث عن اللؤلؤ قبل شهر رمضان ثم عادت الى البلاد لصيام الشهر الكريم وبعد عيد الفطر خرجت الى الغوص مرة أخرى ومن هنا جاءت وفرة الإيرادات.
وكانت (سنة الطفحة) نموذجا متكاملا للعمل الجماعي المنظم ومثالا للتفاهم الراقي والتعايش بين الحاكم والمحكوم في الكويت وشاهدا على إبداع المواطن الكويتي وقدرته وارادته اينما كان وفي أقسى الظروف.