سعادة بالغة تغمرك عندما تقرأ قصصاً مشوقة عن جزء مهم من تاريخ الآباء والأجداد، الذين عاشوا ظروفا صعبة للحصول على العيش الحلال. 
ست روايات قصيرة  بعنوان «قصص النواخذة.. قباطنة الخليج العربي» للكاتب والروائي هيثم بودي ، تتألف من 150 صفحة نشرتها دار السندباد للنشر والتوزيع، تفتح عدة نوافذ على الماضي ، حيث يشاهد من خلالها حياة البحر وأهوالها وكفاح أهل الخليج من البحارة وذويهم الذين كانوا ينتظرونهم على اليابسة ويستقبلونهم في المسرات وحتى عند وقوع البلايا.
في قصص المجموعة الست يعيش القارئ أجواء من الدراما والمغامرة والفكاهة ويستكشف جانبا من الصعوبات التي كان يمر بها نواخذة السفن الشراعية وبحارتهم في رحلاتهم التجارية من سواحل الهند إلى دول الخليج وشواطئ شرق أفريقيا مرورا بالمحيط الهندي وبحر العرب، وكذلك تلك التي كانت تبحث عن اللؤلؤ بل وحتى عند السفر في البواخر.
تلك المواقف توضح للأجيال الجديدة كفاحا لم يروه رأي العين، فكما يقول الكاتب هيثم بودي نفسه إن هذه الأوطان الطيبة لم تنشأ بالصدفة أو بالبترول، بل كافحت لتعيش وقاومت لتبقى رغم الفقر والجوع والأوبئة والحروب.
الطريق إلى مومباسا
القصة الأولى، تتحدث عن رغبة النوخذة أبو سليمان في الحصول على بضاعة لشحنها إلى مومباسا يحصل من خلالهـــا البحـــارة على ربح وفير، قبل أن يفاجأ بأن الشحنة هي من ثمار جوز الهند (الناريل)، ينتج عن ذلك إحباط البحارة بسبب الناريل وقلة ما يحققه لهم وللنوخذة من أرباح، ورغبتهم في شحن قرميد الكبريل لما يحققه من ربح كبير، فما يكون من النوخذة إلا أن يشرح للمجدمي موقفه من الموافقة على شحن جوز الهند بسبب أن الكبريل لن يصل إلا بعد أسبوعين وعندها ستتغير رياح الشراع بما يؤثر سلبا على الرحلة.
يسرد الكاتب في هذه القصة بعض وظائف البحارة على السفن الشراعية، حيث المجدمي هو كبير البحارة والنهام: يغني ويثير حماس في البحارة، فيما السكوني: يقود دفة السفينة ويؤكد مسارها على البوصلة الكبيرة الممتدة أمامه بالجسم النحاسي.
تأتي قمة الحبكة أو الأزمة في اليوم الرابع عشر من إبحار السفينة، حيث سكون الرياح “إخواهر” وإحباط الجميع على السفينة، وفي الأسبوع الثالث من التوقف يبدأ ظهور العطش والضعف وبداية ظهور بعض أمراض الحساسية وعراك البحارة على الماء، هاهنا تتجلى الحكمة المذكورة آنفا من شحن ما لم يكن البحر يريدونه “جوز الهند”، حيث يتم اللجوء إلى ثمار الناريل للحصول على الماء والطعام أيضا، لتحدث مجموعة من المواقف الشيقة في توزيع الناريل وكتابة الوصايا مع لقطات إنسانية بامتياز من بينها وصية بحار صغير بترك كتب المدرسة المباركية الموجودة في السحارة لأخيه الصغير.
وحرص المؤلف على ألا يغيب التشويق حيث تأتي كلماته في منتصف القصة كتب النوخذة في سجل مذكراته اليومية المسماة بـ “الروزنامة” والتي عثر عليها لاحقا: توقف الهوا علينا وحنا وسط الغبة “بحر العرب”، على مسلك 22.52 من ثريا برج الجدي بما يشي بنهاية غير التي يقرأها القارئ.
النوخذة المفقود
في هذه القصة تأثر الكاتب بآي القرآن الكريم في غير موقع وكذا ترابط المجتمع في مواجهة الأزمات ولو على مستوى الأسر. القصة تمثل التشبث بالأمل والتفاؤل مع الرضا بقضاء الله.
تحكي عن مغامرة في وسط البحر الهائج بعدما حال الموج بين النوخذة وسفينته، وتوضح التشبث بالحياة وحرص البحارة على العثور على نوخذتهم رغم الصعوبات. مشهد رفض كي رأس النوخذة المريض ربما يرمز إلى رفض الابتعاد عن العلم ولسوء عواقب السوابق، وأنه ليس كل ما هو تقليدي مفيد وصحيح، كما أن الطفلة، ابنة النوخذة، وكأنها تمثل ارتباط الأمل بالمستقبل وكيف كانت هي من ساعدت والدها بأغنيتها للعودة إلى الوعي والحياة.
الباخرة الإنجليزية
تتناول هذه القصة كيفية إنقاذ نوخذة عربي لباخرة إنجليزية ضخمة من خلال تحذير قبطانها المتمرس من خطر داهم كاد يغرق الباخرة المتطورة التي يقودها قبطان وبحارة تعملوا في المدارس البحرية البريطانية المتطورة جدا.
تتابع مشاهد القصة يوضح ثقة النوخذة العربي وغطرسة القبطان الانجليزي قبل أن ترغمه تتابع الأحدث على الإثابة إلى الحق والاعترف بفضل النوخذة بل وتقديم الشكر له على مرأى ومسمع من الجميع.
انتهت هذه القصة باقتباس من مذكرات كابتن متقاعد تشالز وورنت ـ بورتسموث ـ بريطانيا العظمى ـ 1942:  لقد أنقذنا الله مرة ونحن في طريقنا في بحر العرب إلى أوروبا، بأن رافقنا قبطان عربي قد أنقذنا من كارثة محققة.. إن هؤلاء القباطنة العرب قد عرفوا بحرهم ومساراته وأسراره.. وكأنه أرض يمشون عليها.. فحري به أن يتسمى بهم ولهم.. بحر العرب..بركان وعالم القراصنة
تنقل مشاهد رواية “بركان” القارئ إلى عالم القراصنة وكمائنهم اللئيمة لاستدراج السفن الشراعية عن طريق الحيل المختلفة. كما توضح كيف تمكن النوخذة الحاذق بخبراته المتراكمة في البحر والتعامل مع المواقف المشابهة من التغلب على القرصان بركان وعصابته.
توضح القصة جانبا مهما من الصعوبات التي كان يواجهها البحارة بخلاف مشاق السفر والعمل والظروف الجوية السيئة.
الذيبة واللؤلؤ
لوحة من لوحات البحث عن اللؤلؤ حيث الرحلة في مراحلها الأولى عند الوصول إلى الشاطئ المناسب بعد الاستعانة بأدوات الإبحار ومنها الخرائط والبوصلة والنجوم.
مغامرة ومواجهة بين النوخذة وسمكة الذيبة الشرسة التي تنام في السواحل الطينية بعد أن نشبت أنيابها في ساقه، وكيف انتظرها حتى تفرج فكها وأنيابها من ساقة النازفة، فلولا أنها كانت شبعى لنهشت ساقه.
بعد صبر طويل وصمت وسكون يتخلص منها ثم يلجأ إلى زيت الودك قبل أن يعالجه الحواج بمقدار 3 روبيات من دم الأخوين. بعد أربعة أسابيع من العلاج الحرص على اللحاق بموسم الغوص بحثا عن الرزق.
حوت العنبر 
يختم الروائي هيثم بودي مجموعته بقصة فكاهية تتكون من سلسلة من المواقف الكوميدية بطلها البحار فرحان الذي قادته المصادفة البحتة إلى رحلته الأولى في البحر نحو الهند التي طالما حلم برؤيتها ورؤية العالم لأنه لم يـــر إلا قرية الفنطـــاس.
نصائح كثيرة تلقاها من والديه حتى يبتعد عن المزاح والضحك ويكتسب بعض الانضباط، لكن موقفا غير متوقع تسبب في تحقيق حلمه انضمامه إلى طاقم النوخذة الشهير بودعيج.
تأتي ذروة القصة مع موقف عصيب حيث أنثى حوت العنبر تصطدم بالسفينة وتكاد تحطمها ويتكرر الاصطدام مرارا حتى تقود المصادفة مرة أخرى فرحان، بعد اقتراحات مضحكة من البحارة في كيفية التعامل مع الحوت، إلى مواجهة مباشرة مع أنثى الحوت تنتهي نهاية غير متوقعة تلبس فرحان ثوب البطولة دون أن يدري كيف حدث ذلك بالضبـــط.
وفي نهاية الرواية نشهد إشادة من البحارة حتى تواجه السفينة موقفا عصيبا آخر، فلا تتوجه أعين الجميع إلا إلى فرحان.