ما زالت آثار المذبحة التي ارتكبتها القوات الأرمنية عام 1992 في "خوجالي"، والتي قتل بها 613 مدنيا، أثناء حربها مع أذربيجان، باقية لا تُمحى من ذاكرة الشهود الذين رأوا المذبحة.
وقتلت العديد من العائلات وفقد البعض أقربائهم في هذه المذبحة التي ارتكبها الأرمن ضد المدنيين دون تمييز بين النساء أو الأطفال، أما من نجا فلا يزال يعيش متأثرا بآلام التعذيب وفقد الأقرباء التي لا تُنسى.
"دوردانة آغاييفا" من خوجالي أحد الشهود الذين تعرضوا لجراح جسدية ونفسية في هذه المذبحة، وهي سيدة تبلغ من العمر 49 عاما كانت القوات الأرمنية قد أسرتها وسقتها ألوان التعذيب وهي لا تزال في العشرين من عمرها.
ووفق وكالة الأناضول للأنباء، تحكي آغاييفا ذكرياتها مع هذه الأيام التي لم تستطع أن تمحها من ذاكرتها، وكيف أصيبت أثناء محاولتها الفرار من "خوجالي"، وأسرها على يد الأرمن بعد ذلك.
وقالت آغاييفا إن الأرمن هاجموا بلدتهم مساء 25 من فبراير 1992 من أماكن مختلفة بالدبابات والمدرعات، إضافة إلى قصف مكثف بالمدفعية والصواريخ، ولما أدركوا أنهم لن يتمكنوا من الصمود قرروا ترك البلدة. فعبروا هم وجماعة من أهالي "خوجالي" نهر غارغار الذي كانت مياهه قد أوشكت على التجمد من شدة البرد، واتجهوا نحو منطقة "آغدام".
وحول كيفية وقوعها في الأسر قالت، إن والدتها وجدتها وأشقاءها كانوا يرافقونها عندما اعترضت القوات الأرمنية طريقهم وأطلقت عليهم النيران، وقتلوا المدنيين الأبرياء العزل بينهم الأطفال وكبار السن بدم بارد.
وأضافت، أنهم حاولوا الفرار إلا أنها أصيبت بطلق ناري في ساقها، وأصيب أخوها في جنبه، ومع ذلك فقد حاولوا الزحف عبر الوحل والثلوج إلا أن الأرمن أسروهم واقتادوهم إلى مدينة "اسكران" ووضعوهم في زنزانات.
وتذكر أغاييفا، أنها لا تستطيع أن تنسى مدى الوحشية التي رأتها، ولا صراخ ونداءات النساء وبكاء الأطفال طلباً للطعام.
وتابعت "لا يغيب عن ذهني ضرب الجنود الأرمن لنا بمقابض الأسلحة. هكذا عاملنا الأرمن بوحشية، لا يمكنني أن أصفهم بالجنود المقاتلين لقد كانوا إرهابيين".
فقدت شبابي هناك
وذكرت أن الأرمن أطلقوا سراح النساء والأطفال بعد يوم من احتجازهم مقابل مقايضتهم بالوقود، إلا أنها لم تغادر الزنزانة، لأنها لم تتمكن من الذهاب وترك أخيها، ومن هنا بدأت الأيام الثمانية التي تعرضت على مدارها للتعذيب.
وتروي أغاييفا أن رجلا أرمنيا مسنا رآها في الزنزانة فهاجمها وانهال عليها بالضرب، ثم دخل بعده آخرون وبدأوا يسبونها ويضربونها بمقابض الأسلحة.
وتواصل آغاييفا تصوير ألوان التعذيب التي تعرضت لها على أيديهم فتقول إنهم كانوا يغلقون الباب على أصابعها، ويضربونها بقطع من الحديد والعصي طيلة 8 أيام.
واستطردت "من الصعب للغاية وصف ما تعرضت له فتاة من ضرب وتعذيب على يد 5 رجال، ومن الصعب تصور فتاة تبلغ من العمر 20 عاما يتم وضعها في حوض ملئ بالماء المثلج طيلة 5 ساعات في أجواء باردة ولف سلك من المعدن حول رقبتها، لقد تركت شبابي هناك".
وأشارت إلى أن الأرمن ظنوا أنها ماتت بعد هذا التعذيب وألقوا بها في القمامة، وأنها ظلت هناك لساعات حتى استعادت وعيها، ثم قامت بإخراج قطع الزجاج التي ملأت جسدها بنفسها.
وذكرت أن أحد المسؤولين عن رجال الإطفاء الأرمن في أسكران ويُدعى كارو قام بتعذيبها أيضا بوحشية، وقام بربطها بالحبال في كرسي وألقى بها على الأرض، وأخذ يركلها بقدمه ويضربها بسلسلة من الحديد، ثم اقتادها إلى منزلها في "خوجالي" ثم أخذ يضربها مرة أخرى، حتى أنها تمنت الموت حينها.
وأوضحت، أنه أُطلق سراحها بعد ذلك هي وشقيقها بعد 8 أيام من الأسر بمبادرات من القائد الأذربيجاني باغيروف في "آغدام".
وتقول، إنه لا يمكنها نسيان أيام الأسر مطلقًا، وما تعرضت له من تعذيب وانتهاك للكرامة، لدرجة جعلتها تتمنى الموت.
وأضافت أنها كانت تشعر وكأن هناك وصمة عليهم إلا أن انتصار الجيش الأذربيجاني في حرب قره باغ التي استمرت 44 يوما أزال هذه الوصمة، وأن جيشهم قد انتقم لهم وأعاد لهم كرامتهم، لذا فإن هذا العام مختلف في حياتها.
-بطلة أذربيجان
وقالت آغاييفا إنها تعمل على إخبار العالم بمذبحة خوجالي، وإنها ألفت كتابا بعنوان "8 أيام في سجن الأرمن" طُبع بأربع لغات سعت من خلاله لتقديم مرتكبي المذبحة إلى العدالة.
وأضافت أنها التقت الرئيس رجب طيب أردوغان خلال زيارتها تركيا عام 2019، وأهدته كتابها. ثم سألها أردوغان عما إذا كان الأرمن قد عذبوها كثيرا، ثم ربت على كتفيها وقال لها "أنت بطلة أذربيجان لا تنسي ذلك".
مذبحة خوجالي
كان هدف قوات الاحتلال الأرمينية التي احتلت مدينة "خانكندي" أكبر مدن إقليم قره باغ في ديسمبرعام 1991 هو السيطرة على "خوجالي" ذات الأهمية الاستراتيجية والتي تضم المطار الوحيد في المنطقة.
و"خوجالي" بلدة تبلغ مساحتها 936 كيلومتر مربع ويعيش بها ألفين و605 عائلات تضم حوالي 7 آلاف شخص.
واستولت القوات الأرمنية على كل الطرق والقرى المحيطة بـ"خوجالي" وقطعت الطريق البري الذي يوصلها بالمحافظات الأخرى، كما أسقطت المروحية التي كانت الوسيلة الوحيدة لانتقالهم من خوجالي إلى مناطق أخرى.
وعمدت القوات الأرمنية إلى قطع الكهرباء عن البلدة ولم تكن بها دفاعات سوى قوات الحماية المحلية وعدد قليل من جنود الجيش الوطني بأسلحة خفيفة.
واعتبارا من 25 فبراير 1992، كثّف الجيش الأرميني هجماته على المنطقة، بالتعاون مع "الفوج 366 مدرعات" السوفيتي المتمركز قرب مدينة "خانكندي" الأذربيجانية.
واستخدم الأرمن كل مدرعات الفوج السوفييتي وقصفوا البلدة بالدبابات والمدافع طوال ساعتين، وبعد ذلك الهجوم بيوم وقعت مذبحة "خوجالي" التي لن تمحى آثارها من الأذهان.
وراح ضحية المجزرة نحو 613 مدنيا، منهم 106 نساء و63 طفلا ، فيما أصيب 487 بجروح بالغة، فضلا عن وقوع ألف و275 في الأسر، بينهم 150 مصيرهم مجهول لغاية اليوم.
كما أبيدت 8 عائلات تماما وفقد 25 طفلاً ذويهم، فيما فقد 130 طفلاً آخرين أحد والديه في المذبحة.
|