المعجزات تبين قدرة الله عز وجل ولا تضاهيها قدرة أحد. والمعجزة تزيد الرسل تأييدا وتطمئنهم، وتزيد إيمان الناس واقتناعهم بنبيهم وبربهم خالقهم، وكذلك المعجزة تكون حجة الله على خلقه فلو لم تأتهم البينات والادلة لكان حجتهم يوم القيامة بكفرهم أنهم لم يأتهم البلاغ من ربهم، لذا فمن عدل الله تعالى ورحمته إرسال الرسل والانبياء بأدلة وبراهين ومعجزات للناس، ومن ثم يختارون الإيمان بهم أو الكفر ولهم الخيار وعلى الله تعالى الحساب والجزاء.
 والمعجزة  أمر خارق للعادة ، وعندما تأتي على يد أحد الأنبياء تكون من نفس النوع الذي برع به قوم هذا النبي، وهي تعجز الآخرين عن الإتيان بمثلها ، وهناك فرق بين المعجزة والكرامة فالمعجزة خاصة بالرسل والانبياء. أما الكرامة فهي خاصة بأولياء الله الصالحين، كرمهم الله بها للدلالة على صحة الطريقة التي يتبعونها. 
 

- ظن إنه لبث يوماً أو بعض يوم فناداه صوت يقول:مائة عام 
- آثر أن يتخذ لنفسه مغارة في أحد الجبال المحيطة بالقدس ليقيم فيها
- عاش كارهاً لحياة الذل ويملأ قلبه الأسى لما يلقاه بنو قومه من اهانة
 - بلغ الأربعين فأوحى الله إليه أنه سيخرج من هذه الأرض إلى  بابل

 
قال تعالى : { أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم , قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً , فلمّا تبيّن له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } البقرة 259.
 
 
أما قبل
 
 
فحديثنا عن معجزة عزير عليه السلام , يحتاج إلى تعريف مختصر يسير , بمن هو عزير , حتى نجعل لكل أوّل آخر , ونربط المعجزات بالمصائر .
وعزير عليه السلام صبي من نسل نبي الله هارون عليه السلام , وفي وقت معجزته هذه كان يقيم مع قومه من بني إسرائيل في بابل , الذين كثروا بها وتناسلوا بعد أن أخرجهم بختنصر , وأخذ معظم الأسرى إلى بابل وكان بختنصر هو أول من جاس في ديارهم , بعد أن أفسدوا في الأرض , ولذلك فقد حقت عليهم كلمة الله عز وجل : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرّتين ولتعلنّ علوّاً كبيراً * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار , وكان وعد الله مفعولاً } . الإسراء 4-5.
كان عزير عليه السلام صبياً نابهاً كارهاً لحياة الذل في أرض بابل , يملأ قلبه الأسى والحزن لما يلقاه بنو قومه من الذل والعبودية والهوان , وكان عزير عابداً صالحاً يقرأ التوراة , ولم يكن في بني إسرائيل آنذاك من يحفظ التوراة عن ظهر قلب سوى عزير , وكان أبوه وجدّه يحفظانها من قبل .
وقد تزوّج عزير عليه السلام وأنجب ابنين , ولم بلغ الأربعين من عمره أوحى الله إليه أنه سيخرج من هذه الأرض , أرض بابل , التي أسره فيها بختنصر وأن بني إسرائيل سيخرجون أيضاُ , ويعيدون عمارة بلادهم .
ولما كان العزير عاقلاً هادئاً حكيماً , فإنه لم يبح لأحد بما أوحي إليه لا لبني إسرائيل ولا لغيرهم , وكان كتمانه هذا حرصاً وخوفاً على بني إسرائيل من أن ينزل بهم شر من أي جانب أو جهة .
وسأل نفسه : كيف يصطحب كل هؤلاء معه ؟ وفي ظل حراسة مشددة , وهل يغفل هؤلاء الحراس , الذين وضعهم الملك في كل مكان من بابل ؟
كانت هذه المشكلة التي تؤرق عزير عليه السلام وأحس أنها ستعطل خروجه من بابل , ولكنه فكر في الأمر مليّاً , وجمع زوجته وبنيه , وخادمته الأمينة في ليلة من الليالي , وفي مكان أمين , وقد سكن الليل , وأوى الناس إلى مضاجعهم , وقال لهم : لقد قررت الرحيل .
فقالت الزوجة : إلى أين ؟ فقال عزير : إلى الأرض المقدسة ، قالت الزوجة : إن هذا الأمر غاية في الصعوبة , ونحن نحاط بهذا الكم من حراس بختنصر ، ولكن عزير الذي أوحي إليه أصرّ أن يخرج مهما كان الثمن , ذلك لأنه رأى في الخروج تنفيذاً لأمر الله عز وجل .
فقال لهم عزير عليه السلام : لقد أوحي إليّ منذ ثلاثة أشهر , وها هي التوراة في قلبي أحفظها , فهي كلام الله , تنير لي الطريق إن شاء الله .
طلبت الزوجة عندئذ من زوجها عزير أن يعلم بني إسرائيل بما أوحي إليه من الله عز وجل , حتى يستبشروا وتقوى عزائمهم ويتخلصوا من الذل الذي اعتادوا عليه منذ أن اجتاحهم بختنصر بجيوشه القاسية الفتاكة .
وقالت الزوجة والأبناء : إن خروجك وحيداً لن يعمّر الأرض فإنك لن تجد هناك من يعينك على ذلك , ولن تجد أيضاً هناك من تعلمه التوراة , وبقاؤك معنا سيفيدنا لأننا سنتعلمها منك .
سألت الزوجة : وماذا أعددت لركوبك ؟ قال : لقد اشتريت حماراً جلداً قوياً منذ أيام لهذا الغرض ، فقالت : وأين هو ؟ قال : تركته عند صديقي , وواعدته أن يلقاني به الليلة , خارج أسوار المدينة ، قالت : وهل علم صديقك بنبأ رحيلك ؟ ، فقال عزير : نعم , علم بكل شيء , وكان أول من آمن بنبوّتي , وسيكتم أمري كله إن شاء الله ، كان الفراق صعباً بالنسبة للزوجة والأولاد والخادمة , وكان وداعاً هامساً , حاراً , هادئاً .. وخرج عزير .
 
 
البداية
 
 
مضى عزير عليه السلام في رحلة طويلة شاقة , بعد لحظات خوف وترقب أثناء خروجه من بابل وقد أحاطها الحراس والجنود في كل مكان .
وبعد طول مسير وكثير عناء , وجد العزير نفسه في الأرض المقدسة التي طالما تاقت نفسه لرؤيتها , فلما دخل وجد شيئاً عجيباً , لم يجد آثاراً للعمران , بل وجد الخراب جاثماً عليها منذ ثلاثين سنة مضت , منذ أن خرّبتها جيوش بختنصر الذي كان قد اقتحم دمشق , وسار منها إلى بيت المقدس , وتذكّر عزير ملك بني إسرائيل الذي خرج إليه , وقدّم له الطاعة وطلب منه الصلح , وأعطاه من الأموال والجواهر والأشياء النفيسة ما أرضاه , ويومها طلب بختنصر بعض أعيان بني إسرائيل ليكونوا رهائن عنده ضماناً لاستمرار الصلح , وعدم التمرّد.
وتذكّر أن أهله بني إسرائيل لما نزل بختنصر فزعوا , وتفرّقوا , وأغلقوا دورهم عليهم , فلما صالحه الملك وأعطاه الرهائن وجلا عن البلاد بجيشه , خرجوا من جحورهم غاضبين يلومون ملكهم على الصلح , ويعلنون أنهم كانوا قادرين على قتال عدوّهم , وانزال الهزيمة به , وثاروا على ملكهم وقتلوه , ونقضوا الصلح مع بختنصر .
وتذكّر كذلك لما رأى الخراب أن بختنصر لما علم بما حدث منهم عاد إلى بيت المقدس , فتحصنوا بداخلها , فحاصروها حصاراً شديداً , ثم قام بدك أسوارها بما يقذفه عليها من مدمّرات , حتى تهدّمت , فاندفع جيشه وخرّب المدينة , وقتل النساء والأطفال , وخربوا الدور والزروع والقرى وقتلوا وأسروا كل من وصلت إليه أيديهم .. حتى خرّبت الديار , وكثرت الدماء , وتناثرت الأشياء وهرب من هرب وأسر من أسر , وهرب منهم من هرب إلى مصر, وإلى مكة وإلى يثرب وجهات أخرى , وبقي بختنصر ليأتي على البقيّة الباقية من هدم للبيع والمعابد وإحراق كل ما وقع له من نسخ التوراة , وقتل الشباب من الأسرى القادرين على حمل السلاح , واستبقى النساء والأطفال عبيداً عنده وخدماً , وغادر البلاد بعد تركها خراباً .
وطاف عزير عليه السلام مدينة الأشباح , وقد شغله هذا الماضي المفجع المحزن والحاضر وما سيكون عليه المستقبل , سأل نفسه عدة أسئلة : أتصبح هذه الأرض القفراء عامرة ؟ أتصير هذه يوماً من الأيام , معمورة الأسواق والندوات والمجالس , آهلة بالسكان والأطفال والنساء والبيوت ؟ وقد أوحى الله إليه أنه سبحانه عز وجل سيعيدها سيرتها الأولى فتدب فيها الحياة , وتنشط الحركة وتقوم التجارة , ويزدهر نشاط الناس بالزراعة والصناعة .. صمت عزير عليه السلام قليلاً وتساءل في عجب { أنّى يحي هذه الله بعد موتها } البقرة 259.
من كل هذا الجو الموحش آثر عزير أن يتخذ لنفسه مغارة في أحد الجبال المحيطة بالقدس ليقيم فيها , وحث حماره فمشى , وعند أحد البساتين توقف عزير عليه السلام وصنع لنفسه سلة ملأها عنباً وتيناً , وعصر بعض العنب , وجعله معه في إناء من الجلد ليشربه .
وظل عزير عليه السلام يقول : كيف تعود الحياة إلى سائر بني إسرائيل وها هي صامتة صمت الزمن أمامي ؟!
ظل عزير عليه السلام على هذه الحال , حتى أسلمه التعب والتساؤل والرغبة في المعرفة إلى نوم عميق عمق الزمن الذي طال , ثقيل ثقل السنين التي مضت ولم يشعر بها عزير أبداً .
وفي نومه العميق أو في نومته الصغرى , نام نومة كبرى , لقد قبض الله روحه , ولم يعد عزير يشعر بشيء مما حوله فهو في يد العناية الإلهية , تنصرف إلى ما تشاء ولا رادّ لمشيئة الله لا في الأرض ولا في السماء .
 
 
العودة
 
 
مضت السنون سريعة خاطفة عاماً وراء عام , ومضى على عزير عليه السلام من بابل عشرة أعوام , انتظرت فيها زوجته وبنوه مشيئة الله عز وجل التي تتيح لهم الخروج من بابل حتى يلحقوا به في الأرض المقدسة , ولكن طال انتظارهم , ولم يحدث شيء , وتلاحقت الأعوام حتى بلغت أربعين عاماً , ولم يخرج بنو إسرائيل ولم تأت أخبار عن عزيراً , ويئسوا من العودة إلى الأرض المقدسة .
وفي هذا اليوم المشهود لبني اسرائيل والذي جاء بعد مضي سبعين سنة على خروج عزير عليه السلام من بابل ، في هذا اليوم خرج المنادي ينادي في شوارع بابل : من أحبّ أن يخرج من بني اسرائيل إلى بلاده فليخرج ولا حرج عليه في ذلك .
فخرج بنو إسرائيل مهاجرين إلى بلادهم , وهناك هالهم ما رأوه من خراب ودمار , ولكنهم شمّروا عن ساعد الجد , فغرسوا وزرعوا , ودبّت الحركة في المدينة التي أصبحت أكثر نظافة ونظاماً عما قبل , وعادت الحياة تدب من جديد في أرجائها , وخرجوا إلى القرى المحيطة بها فعمروها , وبدأ التجار عملهم , فاستؤنفت التجارة بين القرى , وبدأ أرباب الصناعة في تشغيل صناعاتهم وظهرت المساكن الجديدة هنا وهناك , وامتدت الأيادي للبناء , وكان الجميع في سعادة وهم يبنون ويعمّرون ويشعرون بالحريّة , ولم يعد الذل يطاردهم كما كان في بابل . ومضت ثلاثون عاماً أصبحت فيها البلاد عامرة , وقد أثمرت صناعاتهم وعمّرت قراهم , وانحسرت آثار الكارثة التي مرت بهم تماماً ولم يعد لها أثر يذكر .
 
 
ظهور المعجزة
 
 
كانت زوجة عزير عليه السلام قد كبرت وأخذ منها الزمان ما أخذ , وكذلك خادمته الصغيرة , وقد بحثوا جميعاً في أول مجيئهم مع بني إسرائيل عن عزير في كل مكان بالمدينة , فلم يجدوا له أثراً , وأرسلوا إلى المدن والقرى للبحث عن عزير ولكن دون جدوى .
وأثناء سؤالهم هذا صرفهم الله عز وجل عن المغارة التي سكنها عزير ومات فيها , وانصرفت مشيئة الله أن لا يقترب بشر من هذه المغارة , لأمر عنده كان مفعولاً , واكتملت مائة عام على وفاة عزير , فتحرّك الجسد الذي أصبح تراباً , وأحياه ربه بعد مائة عام , ردّ فيه الحياة , فاجتمعت عظام جسمه ونبض قلبه من جديد فاعتدل جالساً , ونظر حوله هنا وهناك فوجد إلى جواره إناء العصير , وطعامه لم يحدث له شيء وسمع منادياً ينادي { كم لبثت } كم من الوقت قضيت في النوم ؟ .
نظر عزير عليه السلام حوله فوجد الشمس قد بدأت تعلو من المشرق , فأجاب على الفور { لبثت يوماً أو بعض يوم } أي نمت يوماً أو أقل من يوم , فوجد الصوت الذي ناداه يقول : { بل لبثت مائة عام .. } .
دهش عزير عليه السلام وفزع مما سمع , وردّد في ذهول : مائة عام ؟! وأعاد النظر إلى سلة الفاكهة , فوجد العنب طازجاً كأنه مقطوف لتوه وكذلك التين , والعصير في الإناء الجلدي كما هو لم يتغيّر ولم تصدر عنه رائحة غير مقبولة , ولم يتبخر ولم يتجمّد , ولم يدركه أي تحول في الطعم أو اللون .
تذكر عزير شيئاً ونظر هنا وهناك بسرعة , وتطلع إلى الأفق هناك خلف الأشجار , وكأنه يبحث عن شيء , لقد تذكّر حماره , أين هو ؟ .. لا بد أنه هرب , ووقعت عيناه على عظام بالية في المكان الذي ربطه فيه , وربما تساءل في نفسه , ولم الحمار , لقد أصبح عظاماً نخرة بعد أن أفناه الدهر ؟ 
وقف عزير عليه السلام بين فاكهته وطعامه الذي لم يتغيّر وبين حماره الذي فني وأصبح عظاماً لطول ما مرّ به من السنين , وبدأ يردد : إنها مائة عام , حقاً إنها مائة عام , كانت كافية بافناء جلد الحمار وعظامه , ولحمه , لقد بليت حوافره وزالت وأصبح مكان عينيه حفرتان في عظام الرأس المجوّفة .
وانصرف عزير عليه السلام للتسبيح والصلوات حتى سمع قول الله عز وجلّ : { ولنجعلك آية للناس } البقرة 259.
ومضى العزير إلى المدينة يتطلع إلى أخبارها وكيف أصبحت بعد مائة عام , وماذا يفعل الناس : أهم سعداء أم بهم همّ وما هي أخبار أسرته ؟ هل هناك أحد منهم على قيد الحياة ؟ دخل عزير المدينة وفي رأسه مئات الأسئلة يريد إجابة عليها , فإذا به يرى مبان جديدة , رائعة التقسيم والبنيان على غير ما كان يرى منذ مائة عام , وشوارع وخططاً غير التي كان بعهدها في القديم , وأخذ ينظر هنا وهناك , ويتنقل في طرقاتها وشوارعها بحثاً عن منزله القديم الذي تركه منذ أكثر من مائة وعشرين سنة , ولما وجد نفسه في مكان جديد عليه وقد تغيّر تماماً عما عهده قبل مائة عام , هداه فكره إلى أن يسأل الناس المارّة في الشوارع . تحدّث عزير عليه السلام وقال لأحدهم : أين دار العزير ؟ فأجابه الرجل : لا نعرف داراً للعزير , ولكن يوجد هنا ديار أبناء العزير ! انظر إلى هذه الدور المتراصّة , إنها دور أبناء العزير .
مضى العزير إلى المكان حتى جاء إلى دور أبنائه , وعند أوّل باب من أبوابها طرق الباب طرقاً خفيفاً , فسمع صوتاً من الداخل يقول : من الطارق ؟ من بالباب ؟ فأجاب على الفور : أنا العزير!! ، فقال الفتى الذي ردّ عليه : ماذا تقول ؟ العزير! أتسخر منا يا رجل ؟
فقال العزير : افتح الباب يا بني وستعرف أنني لا أكذب عليك ولا أسخر منك .
ففتح الفتى الباب , ونظر إلى الرجل في دهشة واستغراب , ثم قال : لقد فقدنا العزير منذ مائة عام على ما سمعت من أبي , وكان سنه يومئذ أربعين سنة , فلو كان حياً لوجب أن تكون سنه الآن مائة وأربعين سنة , وأنا أراك الآن في سن الأربعين , إنّك أصغر من أحفاده , فكيف يمكنني التصديق بأنك أنت العزير ؟! سمع الناس الحوار بين العزير وأحد أحفاده فتجمّعوا حوله وأمطروه بالأسئلة , وكان يجيب بثقة ولسان صدق ويقول لهم : لقد أماتني الله مائة عام ثم بعثني , ورأيت بنفسي طعامي لم يتغيّر لونه ولا طعمه وشرابي لم يتبخر ولم يتغيّر وحماري الذي رأيت عظامه تتحرك وتأتي كل واحدة مكانها حتى اكتمل , فكساه الله لحماً وعلا صوته ونهق نهيقاً شديداً , كل هذا بعد مائة عام وقد ظننتها يوماً أو بعض يوم , ولكنّ الله عز وجل أعلمني أنها مائة عام , بعثت بعدها بمشيئة الله , أليس الله على كل شيء قدير ؟!
في هذه الأثناء ظهرت عجوز لا ترى أمامها تتوكأ بصعوبة على الحائط مقعدة , ونادت قائلة : أدخلوه إلى داخل الدار , فإنني أعرف علامة في العزير فإن كان هو عرفته بها , فدخل العزير عليه السلام عليها فإذا هي عجوز عمياء قد أهلكها الدهر , فقالت له : أتقول أنك أنت العزير يا هذا ؟ قال : نعم ، قالت لقد كان لدى العزير خادمة , وقد تركها وسنها عشرون عاماً , أتعرف اسمها ؟ قال : نعم اسمها “ أشتر “ ( قصص الأنبياء لابن كثير ) , وقد تركتها وسنها عشرون عاماً , فإذا كانت على قيد الحياة فسنّها الآن مائة وعشرون عاماً .
فقالت العجوز : أتعرف أنني أنا “ اشتر “ خادمة العزير ؟ وكان في العزير علامة , فقد كان مستجاب الدعوة فينا , فكان لا يسأل الله شيئاً إلا استجاب له , فإن كنت العزير حقاً , فادع الله لي أن يردّ عليّ بصري , وأن يشفي قدمي , فقد صرت مقعدة لا أستطيع المشي والنهوض من شدة الآلام فيهما .