الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد كتب الله القبول للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين ولكتبه وفتاويه، وانتفع الناس بها، فرأينا أن نلقي مزيد من الضوء على بعض من هذه الفتاوى لينتفع بها القراء ويستزيدون من علم الشيخ العثيمين ، خاصة فيما يتعلق بالشهر الكريم .
 العمرة في رمضان تعدل حجة، سواء اعتمر الإنسان من أول الشهر، أو وسطه، أو آخره، ولا شك أن أيام العشر الأواخر من رمضان ولياليها أفضل من أيام أول الشهر ولياليه. وقد ذكر العلماء قاعدة وهي: «أن الحسنات تتضاعف في الزمان والمكان الفاضل»، فكلما كان الزمان أفضل كان العمل الصالح فيه أفضل
وإذا اعتمر الإنسان في شهر رمضان فإن هذه العمرة تعدل حجةً في الأجر لا في الإجزاء. ما يعني أنها لا تجزئ عن الحج، فلا تسقط بها الفريضة، ولا يعتبر حاجاً حجاً متنفلاً، وإنما تعتبر هذه العمرة من أجل وقوعها في هذا الشهر تعدل في الأجر حجةً فقط لا في الإجزاء. 
ونظير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفسٍ من ولد إسماعيل، وهذا بلا شك بالأجر وليس بالإجزاء، ولهذا لو كان عليه أربع رقاب وقال هذا الذكر لم يجزئه ولا عن رقبةٍ واحدة. فيجب أن نعرف الفرق بين الإجزاء وبين المعادلة في الأجر؛ فالمعادلة في الأجر لا يلزم منها إجزاء، وكذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: «قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن» ولو أن الإنسان قرأها ثلاث مراتٍ في ركعة ولم يقرأ الفاتحة ما أجزأته مع أنها عدلت القرآن كله حينما قرأها ثلاث مرات.
ولكن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لم يعتمر في رمضان ولا مرة واحدة, إذ إنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عُمَر: واحدة في ذي القعدة, وعمرة الحديبية, وعمرة حجته, وعمرة الجعرانة عندما قسم غنائم حنين. ولا يمكن، في تقديري، أن يكون لعمرة رمضان ذلك الفضل الكبير, ثم يتركها صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قال، كما جاء في حديث عائشة: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلم بما أتقي». والأمر نفسه بالنسبة للصحابة رضي الله عنهم, الذين لم يكونوا يخصون رمضان بالعمرة, مما يدل على أنهم فهموا أن ما جاء في ذلك الحديث كان خاصاً بالمرأة صاحبة القصة. 
ويعلق ابن القيم رحمه الله على كون عُمَر النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في رمضان بقوله:» فهذا دليل على أن العمرة في ذي القعدة أفضل منها في رمضان, لأن الله تعالى ما يختار لنبيه إلا أفضل الشهور».
الى ذلك أشار جمع من الأصوليين إلى قاعدة أصولية مفادها: أن الحكم الوارد على سبب، يجب أن يظل مرتبطاً بذلك السبب وحده. وفي هذا المعنى أكد الخطيب البغدادي في كتابه (الفقيه والمتفقه) على أن»اللفظ الوارد على سبب, لا يجوز إخراج السبب منه, لأنه يؤدي إلى تأخير البيان عن وقت الحاجة وذلك لا يجوز». وإذا أمعنا النظر في سياق ذلك الحديث الذي ورد في فضل العمرة في رمضان، وجدنا أنه ورد على سبب مخصوص هو عدم قدرة تلك المرأة الأنصارية على الحج بعد أن عدمت وسيلة السفر. وبالتالي فلا يُتصور، وفقاً لقاعدة ربط الحكم بالسبب الذي ورد من أجله، أن يتعدى خصوص سببه إلى عموم لفظه. ويعزز هذا الرأي ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى تعليقاً على هذا الحديث: «وقد يقال هذا لمن كان أراد الحج فعجز عنه، فيصير بنية الحج مع عمرة رمضان كلاهما تعدل حجة، لا أحدهما مجردا». 
وما قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:»لم يتفق العلماء على أن العمرة في رمضان تعدل حجة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب بها امرأة تخلفت عن حجها معه، فقال لها:عمرة في رمضان تعدل حجة, وفي لفظ: معي. ومعناه: أنك إذا اعتمرت في رمضان فكأنما حججت معي. ولهذا قال بعض العلماء: إن هذا الحديث خاص بتلك المرأة، وليس عاما للأمة».
والخلاصة مما سبق، أن فضل عمرة رمضان، وكونها تعدل حجة، ليس على إطلاقه، وغاية ما يمكن أن يُعدَّى إليه حكم الحديث الوارد في المناسبة، إذا لم يكن خاصاً بتلك المرأة الأنصارية وحدها، أن يقال، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:»إن الإنسان إذا عزم على الحج فلم يستطع، فيصير له، بنية الحج وعمرة رمضان، ثواب حجة كاملة. لا أن يكون الحكم على إطلاقه لكل من أراد العمرة في رمضان». والله تعالى أعلم بالصواب.
< هل يجوز تخصيص ليلة سبع وعشرين من رمضان بعمرة ؟
- قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عمرة في رمضان تعدل حجة» وهذا يشمل أول رمضان وآخر رمضان.
أما تخصيص ليلة سبع وعشرين من رمضان بعمرة فهذا من البدع، لأن من شرط المتابعة أن تكون العبادة موافقة للشريعة في أمور ستة:
1 السبب. 2 الجنس. 3 القدر. 4 الكيفية. 5 الزمان. 6 المكان.
وهؤلاء الذين يجعلون ليلة سبع وعشرين وقتاً للعمرة خالفوا المتابعة بالسبب، لأن هؤلاء يجعلون ليلة سبع وعشرين سبباً لمشروعية العمرة، وهذا خطأ، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحث أمته على الاعتمار في هذه الليلة، والصحابة رضي الله عنهم وهم أحرص على الخير منا لم يحثوا على الاعتمار في هذه الليلة، ولم يحرصوا على أن تكون عمرتهم في هذه الليلة، والمشروع في ليلة القدر هو القيام؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه». فإن قال قائل: إذا كان الرجل قادماً من بلده في هذه الليلة وهو لم يقصد تخصيص هذه الليلة بالعمرة، وإنما صادف أنه قدم من البلد في هذه الليلة واعتمر هل يدخل فيما قلنا أم لا؟
فالجواب: أنه لا يدخل؛ لأن هذا الرجل لم يقصد تخصيص هذه الليلة بعمرة. 
< هل وردت أحاديث تدل على أن العمرة في رمضان تعدل حجة، أو أن فضلها كسائر الشهور؟
- نعم، ورد في صحيح مسلم عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «عمرة في رمضان تعدل حجة» فالعمرة في رمضان تعدل حجة، كما جاء به الحديث، ولكن ليس معنى ذلك أنها تجزىء عن الحجة، بحيث لو اعتمر الإنسان في رمضان، وهو لم يؤد فريضة الحج سقطت عنه الفريضة، لأنه لا يلزم من معادلة الشيء للشيء أن يكون مجزئاً عنه.
فهذه سورة {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن، ولكنها لا تجزىء عنه فلو أن أحداً في صلاته كرر سورة الإخلاص ثلاث مرات لم يكفه ذلك عن قراءة الفاتحة، وهذا قول الإنسان: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» ، عشر مرات. يكون كمن أعتق أربع أنفس من ولد إسماعيل، ومع ذلك لو قالها الإنسان وعليه عتق رقبة، لم تجزىء عنها. وبه تعرف أنه لا يلزم من معادلة الشيء للشيء أن يكون مجزئاً عنه. 
< نشاهد البعض من الناس في رمضان يكرر العمرة أكثر من مرة، هل في ذلك بأس  ؟
- نعم في ذلك بأس لأنه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتح مكة في رمضان، في عشرين من رمضان، وبقي في مكة آمناً مطمئناً ولم يخرج هو وأصحابه ولا أحد منهم إلى التنعيم من أجل أن يأتوا بعمرة، مع أن الزمن هو رمضان وذلك في عام الفتح، ولم يعهد أن أحداً من الصحابة أتى بعمرة من التنعيم أبداً إلا عائشة رضي الله عنها لسبب من الأسباب، وذلك أن عائشة رضي الله عنها قدمت من المدينة في حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم وكانت محرمة بالعمرة، فحاضت قبل أن تصل إلى مكة، فأمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تحرم بالحج لتكون قارنةً ففعلت.
 ومن المعلوم أن القارن لا يأتي بأفعال العمرة تامةً، بل تندرج أفعال العمرة بأفعال الحج. 
فلما انتهى الناس من الحج طلبت عائشة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تعتمر، فأمرها أن تخرج مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فتحرم بالعمرة ففعلت. 
ولما كان هذا السبب ليس موجوداً في أخيها عبد الرحمن لم يحرم بعمرة بل جاء مُحِلاً.
 وهذا أكثر ما يعتمد عليه الذين يقولون بجواز العمرة من التنعيم لمن كان في مكة، وكما سمعت ليس فيه دليل بذلك لأنه خاص بحال معينة أذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة. أما تكرارها فإن شيخ الإسلام رحمه الله نقل أنه مكروه باتفاق السلف.
 ولقد صدق رحمه الله في كونه مكروهاً؛ لأن عملاً لم يعمله الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه وهو من العبادة كيف يكون مطلوباً ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه؟! لو كان خيراً لسبقونا إليه. 
ولو كان مشروعاً لبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه مشروع إما بقوله وإما بفعله وإما بإقراره، وكل هذا لم يكن. 
فلو أن هؤلاء بقوا في مكة وطافوا حول البيت لكان ذلك أفضل لهم من أن يخرجوا ويأتوا بعمرة. 
ولا فرق بين أن يأتوا بالعمرة لأنفسهم أو لغيرهم كآبائهم وأمهاتهم؛ فإن أصل الاعتمار للأب والأم نقول فيه: إن الأفضل هو الدعاء لهم إذا كانا ميتين؛ لقول الرسول صلى الله وعليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
 فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء للأب والأم، ولم يرشد إلى أن نعمل لهما عمرة أو حجاً أو طاعة أخرى. الخلاصة أن تكرار العمرة في رمضان أو غير رمضان ليس من عمل السلف، وإنما هو من أعمال الناس الذين لم يطلعوا على ما تقتضيه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.